وفجأةً ارتفع مؤشِّر السرعة!
عند النقطة «ق» داخل خليج صغير كان يقف لنش متوسِّط الحجم، لم يكن يظهر جيدًا لارتفاع جوانب الشاطئ. اقترب الشياطين، ثم توقَّفوا أمامه. كان يبدو شديد الجمال؛ فهو لم يكن كأي لنش استخدموه قبل ذلك؛ فقد صُمِّم على هيئة غواصة. وعندما أبدت «إلهام» هذه الملاحظة كان رد «أحمد»: إن هذا هو المقصود فعلًا. لاحظي أننا سوف نقطع مسافةً طويلة، وقد نحتاج إلى الاختفاء في أعماق المحيط.
تحرَّكوا إلى اللنش، ثم قفزوا الواحد خلف الآخر داخله. لم يكن اللنش مربوطًا إلى شيء يجذبه ناحية الشاطئ، كما أنه لم يكن مربوطًا إلى أي ثقل في الماء. كان طافيًا فوق السطح، ومع ذلك لم يكن يتحرَّك.
علَّق «باسم» قائلًا: يبدو أنه يعمل تبعًا لقانون الجاذبية.
في دقائق كان «قيس» قد أخذ مكانه أمام عجلة القيادة، وعندما ضغط زرًّا في التابلوه الأمامي انطلق اللنش في هدوء. لم يكن يصدر منه أي صوت، وكان ذلك مدعاةً للراحة لهم. بعد قليل رفع من سرعة اللنش وهو يقول: إننا ينبغي ألَّا نكون هناك في وقت متأخِّر حتى نستطيع أن نرى ما نريد.
تحرَّك الشياطين داخل اللنش حتى يعرفوا تفاصيله. كان مُجهَّزًا بكل شيء؛ مطبخ صغير مُجهَّز بكل ما يمكن أن يحتاجوه من أطعمة. حجرتَي نوم صغيرتَين يمكن أن تتحوَّلا إلى أنتريه متسع. جهاز تليفزيون.
قالت «إلهام»: سوف نتعشَّى طعامًا مطهوًّا، إذا أردتم.
ضحك «فهد» وقال: إنني لا أحتاج لأكثر من ساندوتش خفيف؛ فإنني في حاجة إلى النوم.
كان اللنش ينطلق بسرعة عالية تمامًا بعد أن خرج من عُرض المحيط. كانت أضواء خافتة صادرة من جزر «مارياناس» تلمع على البعد، ولم يكن هناك ثمة شيء آخر. كان «أحمد» يفكِّر شاردًا، حتى إن ذلك لفت نظر الشياطين في الوقت الذي كانت فيه «إلهام» تُعِد ساندوتشات في المطبخ الصغير.
سأل «قيس»: هل أخذك الليل؟
نظر له «أحمد» مبتسمًا، ثم قال: الحقيقة أنه يساعد على الاستغراق في التفكير، خصوصًا مع هذا الهدوء الذي يُسيطر حولنا، لكنني أفكِّر في مسألة أخرى.
صمت قليلًا فقد كانت «إلهام» تدخل وقد حملت صينيةً عليها بعض الساندوتشات، وضعَتها أمامهم ثم جلست، في نفس الوقت الذي قال فيه «أحمد»: إن جزيرة «ويك» حيث يوجد «نادي العباقرة» سوف تكون حراستها شديدة، وقد تكون الحراسة في أعماق الماء نفسه؛ ولذلك فنحن نحتاج إلى معرفة الساعة التي سوف نصل فيها بالتحديد حتى يمكن أن نبني حساباتنا وتتقدَّم في حذر.
قضم «باسم» لقمة، ثم قال: إنها مسألة يستطيع «فهد» أن يفعلها حالًا، أليس كذلك؟
في هدوء مدَّ «فهد» يده إلى التابلوه أمامه، ثم ضغط زرًّا فتحرَّك مؤشِّر وقال: إن المسافة سوف تكون عندنا في دقائق.
كانت أعين الشياطين تُتابع حركة المؤشِّر الذي كان يتحرَّك. إن شعاعًا سوف ينطلق بسرعة أكبر من سرعة الصوت، وعندما يصطدم بجزيرة «ويك» يرتدُّ ثانيةً إلى اللنش ويحدِّد المسافة. إن هذه عملية عادية استخدمها الشياطين عشرات المرات؛ ولذلك فلم يمرَّ وقت طويل حتى كانت المسافة قد تحدَّدت أمامهم.
علَّق «باسم»: كم من الوقت إذن نحتاجه لنصل إلى هناك؟
مرةً أخرى مد «فهد» يده فضغط زرًّا. توالت الأرقام في عملية حسابية سريعة، ثم قال «فهد»: ثلاث ساعات.
مرَّت لحظة صمت قطعها «أحمد» قائلًا: يجب أن نبدأ حساباتنا قبل ذلك بقليل. إن الدائرة المحيطة بالجزيرة ينبغي أن نعمل لها حساب. إن الحراسة كما يقول «رقم صفر» ليست شيئًا عاديًّا، ومن المؤكَّد أن هناك مراقبةً لأي جسم يقترب فهذه مسألة ضرورية.
صمت لحظة، ثم أضاف: غير أن ذلك لا يغيِّر من واقع الأمر. إن لدينا ما نستطيع أن نتغلَّب به على أي شيء.
ابتسم الشياطين فهم يعرفون هذه الحقيقة.
كان الظلام يحيط بكل شيء الآن، وقالت «إلهام»: إن ثلاث ساعات ينبغي أن ننظِّمها بما يكفي لأن نبدأ العمل معًا.
فقال «قيس»: سوف أبقى مع «فهد» في نفس الوقت الذي ترتاحون فيه، وعندما … يأتي دوركم سوف نطلب منكم ذلك.
دون مناقشة تحرَّك «أحمد» و«باسم» و«إلهام»، وظلَّ «فهد» و«قيس» أمام عجلة القيادة.
كان ضوء اللنش قويًّا يكشف الطريق الهادئ أمامه، فقال «قيس»: ينبغي خفض الضوء حتى لا نتعرَّض لمفاجآت.
أجاب «فهد»: إننا نستطيع أن نستغني عنه نهائيًّا؛ فلدينا جهاز رادار يوجِّه «السهم». وضغط زرًّا أمامه فاختفى الضوء، حتى إنهما لم يصبحا يريان أي شيء، لكن الرادار كان قد بدأ العمل.
مرَّ الوقت في هدوء، ولم تكن هناك مفاجآت، حتى إن «قيس» و«فهد» أطلقا موسيقى هادئةً جعلت كلًّا منهما يشرد مفكِّرًا. كان «السهم» ينطلق بسرعة محدَّدة. قطع «فهد» انسياب الموسيقى قائلًا: هل تظن أننا سوف نجد حراسةً من نوع جديد؟
لم يردَّ «قيس» مباشرة؛ فقد لمعت في تابلوه اللنش لمبة حمراء قوية جعلته يقول: يبدو أن هناك شيئًا!
أبطأ «فهد» في سرعة اللنش، لكن اللمبة ظلَّت مضاءة.
قال «فهد»: في النهاية سوف يقوم جهاز التوجيه بدوره بعيدًا عن أي مفاجأة.
قال «قيس»: فقط نريد أن نعرف.
أضاء «فهد» كشَّافًا في مقدمة اللنش، غير أنهما لم يستطيعا الرؤية. لقد انعكس ضوء قوي جعلهما يغلقان أعينهما.
همس «فهد»: أمامنا جسم لامع. أخفض الضوء.
مدَّ «قيس» يده متحسِّسًا التابلوه، ثم ضغط زرًّا فانطفأ الكشاف. ضغط زرًّا آخر فأضاء كشافًا أقل، ومن بعيد ظهرت كتلة بيضاء فوق سطح الماء.
سأل «فهد»: هل تظن أنها أحد الحيوانات البحرية؟
لم يردَّ «قيس» فقد كان يفكِّر، وقال بعد لحظة: إننا نقترب منه، وسوف يظهر بعد قليل.
ضغط «فهد» زر السرعة فانطلق «السهم». كان الجسم الأبيض يقترب بسرعة.
قال «قيس»: أظن أنه أحد جبال الجليد. أضاف بعد لحظة: ينبغي أن نتوقَّف قليلًا لنستكشف المكان حولنا.
أوقف «فهد» اللنش، فقال «قيس»: لو أننا درنا دورةً كاملةً في نفس النقطة التي نقف فيها؛ فإننا سوف نعرف الموقع كاملًا.
نفَّذ «فهد» اقتراح «قيس». دار باللنش دورةً كاملةً وكانت مفاجأة. إنهما لم يتوقَّعا ما حدث؛ لقد كانت جبال الجليد تطفو في أعداد كبيرة.
همَس «فهد»: إن هذه ليست منطقةً باردةً إلى هذه الدرجة حتى تظهر كل هذه الجبال.
قال «قيس»: يبدو أن هذه واحدة من نقط الحراسة حول جزيرة «ويك». إن العباقرة يفعلون أي شيء!
وظلَّ اللنش في مكانه لا يتحرَّك. كانا يفكِّران في طريقة ما.
«فهد»: هل نستمر؟ إننا نستطيع المرور طبعًا دون أن يصيبنا أذى.
«قيس»: ليست هذه هي المسألة؛ فما دامت هذه الشواهد تقول إننا دخلنا مجال العباقرة، فينبغي أن نعيد حسابنا.
«فهد»: هل ندعو الشياطين؟
نظر «قيس» في ساعة يده، ثم قال: ينبغي أن نفعل ذلك.
ضغط «فهد» زرًّا فانبعثت الموسيقى عند الشياطين، ولم تمرَّ لحظات حتى كان «أحمد» و«باسم» و«إلهام» يدخلون الواحد خلف الآخر، وبسرعة قال «قيس» كل شيء.
فقال «أحمد»: هل يمكن أن نعيد الدورة مرةً أخرى؟
دار «فهد» دورةً كاملةً وهو يسلِّط أضواءً متوسطةً على المكان. كانت الدهشة تعلو وجه الشياطين وإن كانت ابتسامة هادئة قد تسلَّلت إلى وجه «أحمد» الذي قال: إنها بداية طيبة. ينبغي أن نغوص في أعماق المحيط.
ضغط «فهد» عددًا من الأزرار جعلت «السهم» يبدأ في النزول في أعماق المحيط هادئًا، في نفس الوقت الذي كانت فيه الأسماك تقترب تبعًا للضوء. بدأت الغواصة الجديدة تتحرَّك.
قال «أحمد»: ينبغي أن نتوقَّف عند أحد هذه الجبال حتى نرى.
استمرَّت الغواصة وهي في منطقة متوسطة. كانت تبدو قاعدة أحد الجبال الجليدية.
قال «أحمد»: أرسِل تيَّارًا ساخنًا حول قاعدة الجبل.
في لحظة انطلقت من الغواصة عدة تيارات هوائية ساخنة كانت آثارها تبدو في اندفاع الأسماك هاربةً من مجالها. أخذَت قاعدة الجبل تختفي، ويهبط جسمه، حتى ظهرت قمته. لقد تحوَّل الجبل إلى مياه عادية لا تظهر طبعًا في مياه المحيط.
قال «أحمد»: إنها بالتأكيد جبال صناعية.
أشار إلى «فهد» أن يهبط أكثر وأن يعود للسرعة الأولى حتى يتمكَّنوا من الوصول في موعدهم المحدَّد.
انطلقت الغواصة، وانخفض الضوء المنبعث منها. كان الجو يبدو مثيرًا، بتلك الزرقة التي يُحدثها الماء، وجماعات السمك التي تتسابق.
مضت ساعة لم يكن هناك شيء غريب قد حدث؛ فحتى أسماك القرش الضخمة التي شاهدوها لم تقترب منهم. لقد كانت تدخل معهم في سباق ينتهي بعد قليل، لكن فجأةً لفت نظر «أحمد» إلى عداد السرعة فوجده يرتفع أكثر من تجاوز السرعة القصوى. نظر من نافذة الغواصة. لم يكن شيء يبدو واضحًا. كانت الأشياء تبدو سريعةً أيضًا.
قال «أحمد»: إننا ندخل حالةً غريبة. وأشار إلى عدَّاد السرعة، فامتلأت وجوه الشياطين بالدهشة.
قال «أحمد»: أوقف الغواصة.
أوقف «فهد» الغواصة. ظلَّت تتباطأ، لكنها لم تتوقَّف في النهاية. لقد ظلَّت السرعة مرتفعةً أيضًا.
قالت «إلهام»: يبدو أننا ندخل منطقة جاذبية.
أضاف «أحمد»: هذا ما فكَّرت فيه. ينبغي أن نتغلَّب على هذه المسألة.
بسرعة تحرَّك باسم إلى موتور الغواصة، فأدار جهازًا خاصًّا، ثم قال: ما الموقف الآن؟
كانت سرعة الغواصة قد ضعفت شيئًا فشيئًا، وتراجع مؤشِّر السرعة. عاد «باسم» إلى الشياطين وقال: لقد أدرت جهاز المجال المغناطيسي.
قال «أحمد» وهو ينظر إلى المؤشِّر الذي تراجع حتى توقَّفت الغواصة: إننا في النهاية في منطقة خطر. إن تسجيل ما حدث عندهم يعني أن هناك شيئًا في الطريق.
صمت لحظة. كان الشياطين يفكِّرون في حالة الخطر التي تحوطهم الآن.
قال «باسم»: نستطيع أن نُطلق صاروخًا مائيًّا. إنه ينجذب تبعًا لمنطقة الجاذبية وسوف ينفجر في النهاية.
قال «فهد»: إن ذلك يمكن أن يكشف وجودنا أكثر.
نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم قال: إننا قد اقتربنا بما يكفي. نريد أن نعرف المسافة بيننا وبين جزيرة «جونستون»، ثم نقرِّر إن كنا نستمر الليلة، أو نؤجِّل ذلك للغد.
في أقل من عشر دقائق كانت أجهزة القياس قد سجَّلت كل شيء، فقال «أحمد»: إن المسألة تحتاج إلى بعض التفكير؛ فربما تكون جزيرة «جونستون» تحت سيطرتهم أيضًا.
قال «باسم»: إنني أفضِّل أن تظل الغواصة هي مركزنا حتى لا نكون تحت رحمتهم.
أحمد: إذن لا بد أن نُلقي ما سُجِّل عندهم.
فهد: قد يكون المجال المغناطيسي للجذب فقط، وليس للتسجيل.
قيس: لكن قد يكون للتسجيل أيضًا، وهذا هو الاحتمال الأكبر.
إلهام: إذن لا بد من إطلاق أي جسم صلب حتى نخرج عن دائرة شكهم.
صمت الشياطين. كانت مسألةً مُحيِّرة فعلًا. إن انطلاق أي جسم صلب يعني أنه صادر من مكان متحرِّك.
قالت «إلهام»: لمَ لا ننزل أكثر إلى القاع حيث توجد أشياء غارقة في المحيط، ويمكن أن نستفيد منها.
لم يردَّ أحد، غير أن «أحمد» قال بعد فترة: إن الحل الوحيد أمامنا أن نستمر. إننا سوف نتقدَّم دون أن يستطيع أي جهاز عندهم تسجيل تقدُّمنا، وهذا يعطينا فرصة أن نقترب حتى تكون الظروف في صالحنا. إن وجودنا بعيدًا عنهم يجعلنا تحت سيطرتهم؛ فهم يستخدمون أجهزةً متقدِّمةً بالتأكيد.
صمت لحظة، ثم أضاف: هيا بنا. إن أجهزتهم إذا كانت قد سجَّلت شيئًا فإن شكَّهم سوف ينتهي عندما يتوقَّف التسجيل. هيا بنا.
ضغط «فهد» زر التشغيل، فانطلقت الغواصة في هدوء. ظلَّت أعين الشياطين مركِّزةً فوق مؤشِّر السرعة. إنه الوحيد الذي يستطيع أن يقول إن كانت أجهزة الجزيرة لا تزال ترصدهم أم لا. ظلَّ مؤشِّر السرعة في معدَّله العادي.
قال «أحمد»: كم بقي لنا من مسافة؟
ضغط «قيس» زرَّ أجهزة القياس، وقبل أن تسجَّل المسافة كان مؤشِّر السرعة قد ارتفع بطريقة جعلت الشياطين ينظرون إلى بعضهم في دهشة. لقد تأكَّدوا الآن أنهم قد وقعوا في قبضة الأشرار.