هل ينتهي الشياطين؟
كانت المجلة التي سمعها الشياطين كافيةً لأن تجعلهم يفكِّرون بسرعة. لقد انتظروا كلمات أخرى، لكن لم تصدر كلمة واحدة بعد الكلمات التي سمعوها.
وبلغة الشياطين قال «أحمد»: ينبغي أن نبدأ الصدام. لا بد من عمل لا يتوقَّعونه.
أخرج من حقيبته كرةً في حجم البلية، ثم قال: سوف يعرفون أنهم أمام خصم قوي. وبأقصى قوته قذف الكرة في اتجاه فيلَّا العباقرة. مرَّت لحظة سريعة، ثم دوَّت في الليل فرقعة هائلة، لكنها لم تستمرَّ سوى لحظات. سمع الشياطين في نهاية الفرقعة: إن الجزيرة قد احتلَّتها قوة غريبة! ينبغي عقد مجلس العباقرة.
علت أوجه الشياطين ابتسامة هادئة. لقد اهتزَّ العباقرة فعلًا.
قالت «إلهام»: إنها فرصتنا أثناء الاجتماع.
ردَّ «أحمد»: بالعكس، سوف نتركهم في اجتماعهم. إن علينا أن نقتحم المبنى الآخر.
في لمح البصر كان الشياطين يتحرَّكون في اتجاه المبنى الغريب، في نفس الوقت كانت مجموعة من الرجال قد خرجت منتشرةً في الغابة. لمح الشياطين بينهم «يورك» الذي كان يبدو منزعجًا.
قال «أحمد»: لا ينبغي أن نتوقَّف. إننا أمام صراع علمي. يجب أن نحتل المكان.
تقدَّموا بسرعة أكثر حتى أصبحوا أمام المبنى الغريب كان يبدو وكأنه لوحة سريالية؛ فهذه أول مرة يرَون فيها مثل هذا المبنى. تقدَّموا إلى السلالم. كان المسحوق لا يزال يخفيهم. صعدوا السلالم حيث كانت فتحاتٌ في المبنى مفتوحة تؤدِّي إلى الداخل. عندما أصبحوا داخله ملأتهم الدهشة. إنهم أمام معمل ضخم. إن كل شيء يتحرَّك بالأزرار.
قال «أحمد»: إن أي خطأ يمكن أن يكشفنا تمامًا.
فجأةً سُدت الفتحات. الْتقت أعين الشياطين، وهمس «باسم»: لقد اكتشفوا موقعنا.
وقف «فهد» أمام أحد الأبواب، ثم سلَّط شعاعًا من جهاز صغير في يده، فانفتح، وفي نفس اللحظة كانت فَراشة الإرسال تنقُل لهم جملةً من فيلَّا العباقرة.
«يجب القضاء عليهم فورًا. إنهم يملكون أجهزةً غريبة.»
عندما انتهت الجملة ظهر عند باب المبنى مجموعة من الرجال يتقدَّمون في حذر. تفرَّق الشياطين في كل مكان، ثم تركوهم يتقدَّمون.
فجأةً صاح رجل: ها هم إنهم الشياطين!
لقد توقَّف مفعول المسحوق، غير أن الشياطين كانوا أسرع من أي حركة أخرى؛ لقد طاروا في الهواء في اتجاه الرجال، وفي لمح البصر كانوا يتخبَّطون ويتساقطون. هربت مجموعة وبقي ثمانية. طار «أحمد» في الهواء وضرب اثنَين منهما بقدمَيه معًا، فاصطدما ببعضهما، في نفس اللحظة كانت «إلهام» قد دارت في الهواء، وضربت واحدًا ضربةً مزدوجةً جعلته يصطدم بالاثنَين اللذَين ضربهما «أحمد».
بينما كان «فهد» و«قيس» قد اشتبكا مع الباقين في معركة غير متكافئة، لقد ضرب أحدهم «فهد» ضربةً قويةً جعلته يترنَّح في اتجاه «أحمد» الذي تلقَّاه بين ذراعَيه، ثم قفز جانبًا فأبعده عن طريق ضربة أخرى كانت مُوجَّهةً إليه.
أخرجت «إلهام» حبلًا رفيعًا، ثم أدارته دورتَين سريعتَين وقذفت به تجاه الرجال، فالتفَّ حول وسط أحدهم وجذبته في قوة فاصطدم بآخر، وفي دقائق كانت المعركة قد انتهت، وسقط الرجلان على الأرض.
وقف الشياطين لحظة، فقال «قيس»: لقد اكتشف العباقرة نوعية المسحوق الذي يخفينا. لم يعد أمامنا إلا الاصطدام المباشر.
قال «أحمد»: يجب أن نأخذ حذرنا. إننا يمكننا أن نتعرَّض لأي مفاجأة.
قالت «إلهام»: إن المفاجآت محسوبة. إنها دائمًا مفاجآت كهربية، ونحن نحمل كبسولات ضدها.
قال «باسم»: يجب أن نسيطر على المكان، وأسرع إلى لوحة الأزرار التي كانت معلَّقةً فوق الحائط، ثم قرأ بسرعة ومدَّ يده فضغط زرًّا، وفي لمح البصر أُغلق الباب.
همست «إلهام»: هل فككت الرموز؟
قال «باسم»: لا أظن أنها يمكن أن تستعصي على الشياطين.
وضغط زرًّا آخر فأضيئت شاشة في أعلا الحائط المواجه للباب، وعلى الشاشة ظهرت قاعة اجتماعات.
كانت قاعةً مستديرةً تتوسَّطها منضدة، وقد الْتفَّ حولها مجموعة من الرجال، عرف الشياطين من بينهم «أوستن» و«يورك».
قال «قيس»: لا بد أنهم العباقرة.
ضغط «باسم» زرًّا آخر، فبدأت الأصوات تصل إليهم.
قال «فهد»: ينبغي أن نكشف الموقف خارج المبنى.
ظلَّ «باسم» يقرأ الرموز بسرعة، ثم ضغط زرًّا فأضيئت شاشة ضخمة على الحائط الآخر. كانت الشاشة تغطِّي الحائط كله، وفوقها ظهرت الغابة كلها حتى شاطئ المحيط.
قال «قيس»: إننا الآن نملك الموقف.
كان كل شيء يظهر على الشاشتَين؛ شاشة الاجتماعات وشاشة الغابة. كان الشياطين يتأمَّلون ما ظهر على الشاشتَين، في الوقت الذي كان «باسم» مشغولًا فيه بقراءة كل ما هو مُبيَّن فوق لوحة الأزرار. كان هناك صندوق صغير مثبَّت بجوار اللوحة، وكانت هناك تعليمات فوق الصندوق أخذ «باسم» يقرؤها. كانت تبدو وكأنها ألغاز.
نظر في اتجاه «أحمد» الذي كان مستغرقًا في تأمُّل ما يحدث، ثم همس: ينبغي أن تأتي هنا.
نظر له «أحمد» لحظةً لم تستمرَّ كثيرًا؛ فقبل أن يتحرَّك في اتجاهه كان المبنى يغرق في الظلام. لم يتحرَّك أحد من الشياطين، ونظرت «إلهام» في ساعتها الفسفورية، ثم ضغطت زرًّا فيها فأضاءت.
قالت «إلهام»: إن النهار على وشك الطلوع.
أخرج «أحمد» بطاريةً صغيرة أضاءها، ثم أسرع في اتجاه «باسم»: يبدو أن هذا الصندوق له علاقة ما بالمكان.
ركَّز «أحمد» ضوء البطارية على الصندوق، ثم بدأ يقرأ. كانت هناك عمليات رياضية توقَّف أمامها قليلًا، ثم مدَّ يده وضغط زرًّا في الصندوق فانفتح. كانت تبدو مجموعة من الأزرار الصغيرة.
قرأ ما على الغطاء، ثم ضغط زرًّا داخل الصندوق فأضيء المكان.
همس «أحمد»: يبدو أنه يعمل ذاتيًّا للمكان فقط في الحالات المفاجئة.
ثم ضغط زرًّا آخر فظهر اجتماع العباقرة وسمع أحدهم يقول: المهم ألَّا يستطيعوا استخدام الصندوق.
ابتسم «أحمد» دون أن يعلِّق بكلمة ما. ضغط زرًّا ثالثًا فظهرت الغابة كلها. كانت هناك مجموعة من الرجال تتقدَّم، وقال «يورك»: هل نتخلَّص منهم وننسف المكان؟
قال «أوستن»: إننا لن نستطيع إعادته مرةً أخرى لو نسفناه.
قال أحد الرجال الذين يجلسون حول المنضدة: ليس هذا هو المهم، إن المهم هو هؤلاء الأشخاص أنفسهم. يبدو أنهم نوع جديد من العباقرة. إنهم قد ينفعوننا في إجراء التجارِب؛ فربما نتوصَّل عن طريق عقولهم وخلاياهم إلى نوع جديد من العبقرية.
ابتسم الشياطين وعلَّقت «إلهام»: عبقريات شيطانية.
كان عليهم الآن أن يستعدوا لهؤلاء الرجال الذين يتقدَّمون. إنها معركة في النهاية.
قال «أحمد»: ينبغي أن نسيطر عليهم. إنهم مجموعة كبيرة؛ ولهذا ينبغي أن نأخذهم منقسمين.
كان الرجال يظهرون على الشاشة وقد أصبحوا أقرب إلى الباب.
اقترح «فهد»: إن قنبلةً مُسيِّلةً للدموع يمكن أن تفيد الآن.
قال «قيس»: إن المهم هو أن نمسك بهم جميعًا.
أكمل «فهد»: إذن الدموع يمكن أن تكون طريقًا طيبًا.
ضغط «باسم» أحد الأزرار فانفتح باب صغير، كان كافيًا ليَلقى الشياطين عددًا متتاليًا من القنابل … وعندما كانت تنفجر الواحدة وراء الأخرى قال «قيس»: فلنجعلها معركةً في الخارج.
وفي لمح البصر كان أربعة من الشياطين قد قفزوا خارجين، في الوقت الذي ظلَّت فيه «إلهام» بجوار لوحة الأزرار حتى تراقب الموقف.
كان الرجال قد بدءوا يتصارعون نتيجة القنابل. كانوا يسعلون ويدعكون أعينهم، وكانت هذه فرصةً لأن يقوم الشياطين بواجبهم. إن ربط كل ثلاثة أو أربعة مهمة سهلة … وفي النهاية يمكن أن يُسجنوا في أي حجرة من حجرات المبنى. وفعلًا في خلال نصف ساعة كان الرجال قد قُيِّدوا بحبال رفيعة، وبدأ الشياطين يسوقونهم إلى الداخل.
في نفس اللحظة صاحت «إلهام»: إنها مؤامرة جديدة.
قفز «أحمد» بسرعة إليها وسأل: مؤامرة؟
قالت «إلهام»: نعم إنهم يقولون إنها اللحظة الأخيرة.
فكَّر «أحمد»: لحظة؟
في الوقت الذي كان فيه الشياطين يسوقون الرجال أمامهم إلى داخل المبنى، أسرع «باسم» إلى لوحة الأزرار وضغط زرًّا، انفتح على أثره باب. دفع الشياطين الرجال داخل الحجرة. كانت حجرةً واسعةً جدًّا، ولم يكن بها أي شيء، حتى إن «فهد» قال: إنها حجرة مُريبة، ولا بد أنها تؤدِّي إلى شيء.
نظر له «قيس» قليلًا، ثم قال: ماذا تقصد؟
أجاب «فهد»: لماذا يصنعون حجرةً خاليةً تمامًا، إلا أن تكون بدايةً لشيء، أو نهايةً له؟
في نفس الوقت خرج «أحمد»: احذروا. وأشار إلى سقف المبنى. كان يذوب في هدوء وكأنه قطعة من الثلج هبَّ عليها هواء ساخن.
قال «فهد»: لا تنسَوا أن المبنى كله من المعدِن.
قالت «إلهام»: إذن، هذه خطتهم الأخيرة.
قرأ «باسم» بعض تعليمات الأزرار، وضغط واحدًا فانفتح باب ثالث. كانت هناك حجرة تبدو ممتلئةً بأشياء غريبة؛ آلات ومعدات، وأزرار، وعدسات. كان الشياطين يرقبون السقف الذي يذوب شيئًا فشيئًا، ثم بدأ الجدار الأيمن للحجرة يذوب هو الآخر، ويتساقط قِطعًا صغيرة.
أسرع «أحمد» إلى الحجرة التي فُتحت أخيرًا، ووقف فيها ينظر حواليه. لا بد أنها تعني شيئًا، فجأةً بدأ سقف الحجرة يذوب هو الآخر.
فكَّر «أحمد»: لماذا يفعلون ذلك؟ لو كانوا يريدون التخلُّص منهم فإنهم يستطيعون نسف المبنى مرةً واحدة، ماذا يريدون إذن؟
عاد إلى الشياطين. كانوا جميعًا يقفون في الصالة الواسعة يراقبون المبنى وهو يذوب شيئًا فشيئًا.
قالت «إلهام»: يجب أن نغادر المكان حالًا.
أسرع «باسم» يضغط زر باب الخروج فلم ينفتح. وقف مذهولًا. لقد تحكَّموا في كل شيء الآن. بدأت السماء تظهر، وضوء الفجر الرقيق يبدو، غير أن رائحة المعدِن المنصهر كانت تكاد تخنقهم، فأخرجوا الكمامات الصغيرة التي يحملونها في حقائبهم.
قال «فهد»: إن خروجنا الآن سوف يجعلنا نقع في أيديهم.
اتسعت عينا «أحمد» وقال: أنت على صواب. إنهم يُريدون أن نخرج إليهم ولهذا يضيِّقون علينا الخناق.
قيس: لكنهم يُغلقون علينا كل الأبواب، فكيف نخرج؟
أحمد: لا بد أن هناك بابًا تركوه لنا. المسألة تحتاج أن نبحث.
أسرع «باسم» يضغط الأزرار الواحد خلف الآخر، غير أن شيئًا لم يحدث.
لقد أصبحت كل الأبواب مغلقةً تمامًا، في نفس الوقت كانت حجرة الاجتماعات لا تزال على الشاشة الكبيرة، والعباقرة في أماكنهم، ومعهم «أوستن» و«يورك». كانوا يجلسون في صمت وكأنهم يرقبون شيئًا، حتى إن «أحمد» قال: لا بد أنهم يروننا الآن كما نراهم.
فجأةً جاءهم صوت يقول: يجب أن تستسلموا. إن هذه هي الطريقة الوحيدة … وإلا فإننا سوف نترك المبنى ينصهر حتى تذوبوا معه.
نظر الشياطين إلى بعضهم، ولم ينطِق أحدهم بكلمة. كانت لحظةً غريبة. إن هذه أول مرة يتعرَّض فيها الشياطين لمثل هذا الموقف، فهل يستسلمون؟ … هل يتركون أنفسهم يقعون في أيدي العباقرة، الذين يعملون تحت سيطرة عصابة «سادة العالم»؟ … هل يقع الشياطين أخيرًا؟ ظلوا ينظرون إلى بعضهم دون أن يقول أحد منهم كلمةً ما. كان ضوء النهار يزداد، في نفس الوقت الذي تخلخلت معه أرضية المعادن التي تذوب.
تجمَّع الشياطين في وسط الصالة الواسعة، بعيدًا عن قطع المعدِن المنصهر التي تتساقط. لم يكن يبدو عليهم الخوف؛ فالشياطين لا يخافون أبدًا. إنهم كانوا يفكِّرون في خطة يقابلون بها هذه اللحظة.
قالت «إلهام» فجأة: ينبغي أن نتحدَّث إلى رقم «صفر».
نظر الشياطين إليها دون أن يعلِّق أحدهم بكلمة.
مرةً أخرى جاءهم الصوت: لا داعي للانتظار حتى تضيع الفرصة. إنكم سوف تظلون في أماكنكم حتى ينصهر المبنى. يجب أن تستسلموا. إننا لن نغدر بكم. إن أمامكم ربع ساعة فقط ثم ترتفع درجة انصهار المبنى. فكِّروا جيدًا.
سكت الصوت. إن أمام الشياطين ربع ساعة ثم ينتهي كل شيء، فماذا يفعلون؟