معركة الرجال الآليين!
كانوا ينظرون إلى بعضهم في هدوء، لكن لم يكن واحد منهم ينتابه الخوف. كانت عقولهم تفكِّر بسرعة. إن الوقت يمر. الدقائق تجري وأين الحل؟
رفع «أحمد» عينَيه إلى السقف الذي لم يعد موجودًا. كانت الشمس قد بدأت تظهر. لقد أحسَّ براحة لضوء الشمس.
قال «أحمد» في هدوء: إن الحُجرة التي حبسنا فيها الرجال هي نفسها التي يمكن أن نخرج منها.
ضغط «باسم» زر الحجرة فانفتح الباب، وفي لمح البصر خرج الرجال منها في اندفاعة غريبة، وبدأت المعركة، ورغم أن كثرة الرجال كان يمكن أن تُنهيها لصالحهم، إلا أن «قيس» تصرَّف نفس التصرُّف بسرعة؛ فقد أخرج قنبلتَي دخان وفجَّرهما، فامتلأت القاعة بالدخان حتى لم يعد أحدٌ من الرجال يرى شيئًا، لكن الشياطين الذين كانوا يلبسون الكمامات … كانوا يرَون كل شيء؛ ولذلك فقد استطاعوا أن يعطوهم علقةً ساخنة.
وعندما تهاوى الرجال على الأرض يصرخون من آلام المعدِن المنصهر، كانت الربع ساعة قد انقضت، لكن «أحمد» كان يعرف أنهم لن يفعلوا شيئًا حتى تنتهي المعركة تمامًا. لقد كانت هناك اشتباكات لا تزال بين «قيس» وأحد الرجال، وبين «إلهام» ورجل آخر، بينما كان «فهد» و«باسم» و«أحمد» يرقبون الموقف؛ فلم يكن أيٌّ منهما يحتاج لمساعدة.
أسرع «أحمد» إلى الحجرة التي خرج منها الرجال، وخلف الباب لمع زر صغير لا يكاد يظهر. أسرع إليه وضغط عليه فانفتح الباب. كان الباب غير متوقَّع على الإطلاق. لقد كان يُطل على الغابة.
نادى «أحمد» الشياطين الذين أسرعوا إليه، وقفزوا قفزةً واحدةً جعلتهم بين الأشجار، في نفس الوقت الذي تردَّدت فيه فرقعة رهيبة هزَّت الجزيرة كلها، حتى إنها جعلت الشياطين يتدحرجون من شدتها، ثم ارتفعت ألسنة اللهب الزرقاء والحمراء من المبنى المعدِني، الذي أخذ يتحوَّل إلى ما يشبه الماء، ثم يسيل مندفعًا، حتى إن الشياطين اضطروا إلى الجري خوفًا من أن يلحق بهم المعدِن المنصهر.
فجأةً ظهرت مجموعة من الرجال يلبسون ملابس غريبة وكأنها ملابس الفرسان في العصور الوسطى؛ الدروع الحديدية والخوذات، ويمسكون بأيديهم سلاسل ضخمة. كان منظرهم مثيرًا للضحك، لكن ذلك لم يجعل الشياطين يضحكون فقط، لقد كانوا يفكِّرون أيضًا.
قال «أحمد» بسرعة: إن هذه الملابس الحديدية يمكن أن تكون مصدرًا لإشعاعات غريبة. علينا أن نأخذ حذرنا.
كان الرجال يتقدَّمون فيما يشبه الكتلة الواحدة، بينما تناثر الشياطين كلٌّ في مكان. سجَّلَت أجهزة الشياطين ذبذبات قويةً جعلت «أحمد» يرسل رسالة: «إن هناك إشعاعات فعلًا.»
لكن ذلك لم يكن يخيف الشياطين. إن الأقراص الممغنطة التي يحملونها تَقيهم أيَّ مؤثِّر خارجي.
أرسل «أحمد» رسالةً سريعة: «لنتجه إلى العباقرة الآن. إن ذلك سوف يجعلهم يرتبكون.»
اتجه الشياطين إلى حيث مقر «نادي العباقرة»، وتباعدت كتلة الرجال الحديدية، وبدءوا يلتَفُّون حول الشياطين في دائرة واسعة.
قال «قيس»: إنها فرصتنا لتجرِبة بعض الأشياء.
أخرج قنبلة دخان، ثم ألقى بها ناحية الرجال، ورغم أن الدخان انتشر كثيفًا في المكان إلا أن الرجال ظلُّوا في تقدُّمهم، وأسرع «فهد» يجرِّب تجرِبةً أخرى. لقد ألقى قنبلةً مسيلةً للدموع، لكنها هي الأخرى لم تؤثِّر أي تأثير.
أرسلت «إلهام» رسالةً للشياطين: «قنابل السُّعال. إنهم لا يستطيعون أن يتنفَّسوا.» وبسرعة أخرجت قنبلةً من قنابل السُّعال، ثم ألقت بها ناحية بعضهم. ومرَّت لحظة سريعة، ثم بدأ الرجال يهتَزُّون.
قالت «إلهام»: لقد نجحَت التجرِبة.
لكن برغم السُّعال إلا أن الرجال ظلُّوا في تقدُّمهم حتى ضاقت المسافة بينهم وبين الشياطين. كانت الذبذبات قد بدأت تشتد، حتى إن الشياطين بدءوا يتأثَّرون بها.
في نفس الوقت فكَّر «باسم»: إن قنابل النوم التي استخدموها في مغامرةٍ سابقة يمكن أن يكون لها تأثير هام. أخرَج واحدةً من قنابل النوم، ثم ألقى بها في اتجاه بعضهم.
مرَّت لحظة، ثم توقَّف أحد الرجال. استند على شجرة ولم يتحرَّك.
أرسل «باسم» رسالةً سريعة: «إن قنابل النوم هي الخطة الناجحة.»
بسرعة أخرج الشياطين قنابل النوم، ثم ألقَوها في اتجاه الرجال، ولم تمرَّ دقائق حتى كانوا قد توقَّفوا عن الحركة.
فكَّر «أحمد» بسرعة: إن غرفة العمليات في «نادي العباقرة» هي التي تكشف أفكارهم وتعطيهم فرصةً للرد. أرسل فراشةً إلكترونية من تلك الفراشات التي تسجِّل، وبدأ يتلقَّى الإرسال.
سمع صوتًا ضعيفًا يقول: إننا في حاجة إليهم. لا يجب أن نضحِّي بهم. إنهم نوع جديد من البشر.
علت وجهَ «أحمد» ابتسامة. لقد تأكَّد أن صاحب الصوت هو أحد العلماء.
غير أن صوتًا آخر قال: يجب أن نتخلَّص منهم. لقد أرسلت إلى الزعيم وكانت هذه أوامره، وإلا ننسف الجزيرة كلها. إنه في انتظار إشارةٍ منا.
عرف «أحمد» أن صاحب الصوت هو «يورك»، فأرسل رسالة: ««فهد» يتقدَّم معي في اتجاه «نادي العباقرة». الباقون يظلُّون في حالة مراقبة.»
زحف «أحمد» بسرعة في اتجاه النادي، في نفس الوقت الذي كان فيه «فهد» يتجه نفس الاتجاه، لكن فجأةً توقَّف الاثنان. لقد ظهرت مجموعةٌ من الرجال يقتربون، في ملامحهم من مجموعة الرجال الأولى، غير أن «أحمد» أدرك المسألة بسرعة. إن الرجال ليسوا رجالًا عاديين. إنهم من فصيلة الرجل الآلي؛ هذا يعني أن التعامل معهم سيكون مختلفًا.
أرسل رسالةً إلى الشياطين يخبرهم فيها بطبيعة هؤلاء الرجال. إن الأسلحة الإلكترونية التي يحملونها هي وحدها التي تصلح لمعركةٍ مع هؤلاء الرجال، في نفس الوقت قال لهم: اشتبكوا في معركتكم، وسوف أستمر أنا و«فهد» في الوصول إلى النادي.
كان الرجال الآليون يتقدَّمون في اتجاه «باسم» و«قيس» و«إلهام»، الذين وقفوا بجوار بعضهم فيما يشبه نصف الدائرة، في نفس الوقت كان «أحمد» و«فهد» يتقدَّمان من النادي.
فكَّر «أحمد» بسرعة: إن الرجال الآليين يتحرَّكون تبعًا لمصادر أشعة تخرج من النادي لتتحكَّم في حركتهم. لو توصَّلنا إلى مصدر الأشعة فإن كل شيء سوف ينتهي.
وقف «أحمد» و«قيس» خلف مبنى النادي. لم يكن أحدٌ هناك. كان يبدو كل شيء هادئًا في بداية النهار الذي أصبح يغطِّي كل شيء. لفت نظرَ «أحمد» أنه لم يكن هناك صوت لعصفور، أو أي طائر. نقل ذلك إلى «فهد» الذي قال: المؤكَّد أن تجارِبهم العلمية قضت على كل شيء.
دار الاثنان حول النادي في حذر. لم يكن هناك منفذ يمكن أن ينفذوا منه إلى الداخل. كانت هذه مشكلةً أمامهما.
غير أن «فهد» قال: إن المبنى من الحجر والخشب، وهذا يعني أننا نستطيع التصرُّف.
قال «أحمد»: على أن يكون ذلك بسرعة.
فجأةً انفتحت نافذة فوقهما تمامًا وظهر «أوستن». كان يمسك مسدَّسًا، عندما ضغطه لم يخرج منه شيء، إلا أن «أحمد» و«فهد» اللذَين نظرا بعيدًا رأيا الأعشاب تحترق.
قال «أحمد» بسرعة: إنه مسدس إشعاعي!
التصق فهد بجدار النادي قريبًا من حيث توجد النافذة المفتوحة، حيث كان «أوستن» لا يزال يقف فيها، وأخرج مسدَّسه وأطلق إبرةً مخدِّرة، لكنها لم تُصِب «أوستن». لقد أصابت يده فقط، حتى إن المسدَّس سقط من يده، وفي لمح البصر كان «أحمد» يطير في الهواء حتى أطبق على رقبة «أوستن» بيدَيه، فمنعه من الكلام.
في نفس الوقت كان «فهد» قد أمسك بالمسدَّس الإشعاعي، وقفز خلف «أحمد». ضرب «أحمد» «أوستن» ضربةً مستقيمةً قوية جعلته يترنَّح في اتجاه «فهد» الذي تلقَّاه بيمين خاطفة جعلته يتلوَّى، ثم يسقط. لقد وقعا في حجرة مكتب متوسِّطة المساحة. نظر «أحمد» حوله يرصد محتويات الحجرة. لم يكن هناك شيء غير عادي، فجأةً سمعا صوت رجلَين يقتربان.
الْتصقا بالحائط خلف الباب لحظة، ثم فتح الباب مع سؤال قاله «يورك»: هل اختفى «أوستن»؟
عندما تقدَّم الرجلان لأول خطوة داخل الحجرة كان «أحمد» و«فهد» قد بدآ مهمَّتهما. لقد أمسك كلُّ واحد منهما بواحد، ودارت معركة لم تكن سهلة.
إن «يورك» أثبت أنه قوي بما يكفي، ماكر بما يكفي أيضًا، ولولا أن «فهد» استخدم المسدَّس الإشعاعي لكانت المعركة قد انتهت لصالح «يورك».
وعندما سقط الرجلان قال «أحمد»: أظن أنه لم يعد هنا سوى العلماء. إننا نريد أن نتحفَّظ عليهم.
ما إن انتهى «أحمد» من جملته حتى سمع وقع أقدام متعدِّدة. نظرا لبعضهما، وهمس «فهد»: لا بد أنهم المساعدون.
غير أن جملةً واحدةً جعلتهما يصمتان. لقد كانت الجملة: يجب أن يستمر الرجال الآليون في القبض عليهم.
وكان الرد: إن الرجل الآلي لا يتوقَّف عندما تمسك يدُه بشيء. إنه يمكن أن يقتله.
قال الأول: هذه أوامر «يورك».
كان الصوت قد اقترب تمامًا، غير أنه توقَّف أمام الباب. لقد كان «يورك» وحارسه ملقيَين على الأرض.
صاح صوت من الخارج: لقد دارت معركة. إنهم في الداخل.
وقبل أن يستمرَّ الصوت في الكلام كان «أحمد» و«فهد» قد قفزا خارج الحجرة حتى يكونا في أمان من أي تصرُّف ضدهما لا يعرفانه، في نفس الوقت يقطعان عليهم فرصة التصرُّف.
كان هناك أربعةٌ من الرجال الأشداء حول رجل متوسِّط العمر.
في لحظة كان «أحمد» و«فهد» قد اشتبكا في معركة رهيبة. لم ينضمَّ إليهما الرجل الخامس الذي ظلَّ يرقب الموقف بابتسامة هادئة، استطاع «أحمد» أن يلاحظهما وسط المعركة. لقد كان الرجال أشداء بما يكفي لِأنْ تكون المعركة شرسةً تمامًا، غير أن الشياطين كانوا قد تصرَّفوا؛ ففي لمح البصر كان بقية الشياطين داخل الحجرة، وانضمَّ «قيس» و«باسم» و«إلهام» إلى المعركة، فأصبحت في صالح الشياطين.
وقف الرجل الخامس يرقب «إلهام» وقد ظهرت على وجهه الدهشة، وعندما اشتبك الشياطين الأربعة مع الرجال الأربعة قفزت «إلهام» تهاجم الرجل الخامس، إلا أنه رفع يدَيه مستسلمًا، وقال في لهجة مهذَّبة: إنني لست منهم.
وقفت «إلهام» تراقب الموقف، وتحرَّس الرجل الخامس الذي كان يراقب المعركة الدائرة بابتسامة.
سأل الرجل «إلهام»: من أنتم؟
لم تُجِب «إلهام»؛ فقد كانت تراقب تلك الحركة الرائعة التي صنعها «فهد». كان قد وقف على طرف أصابع قدمَيه وكأنه مصارع ثيران، ثم ترك الرجل يمر من تحت ذراعه، وفي نفس الوقت ضربه ضربةً قويةً في منتصف ظهره جعلت الرجل يسقط على الأرض بلا حراك.
صاح الرجل الخامس في دهشة: إنه عبقري!
استمرَّت المعركة نصف ساعة، وعندما انتهت كان الرجال الأربعة قد تناثروا في أنحاء الحجرة، وهتف الرجل الخامس: اسمي «براتراند». إنني واحد من العلماء. لقد كنا هنا تحت سيطرتهم. إنني معجب بكم كل الإعجاب. إنكم جنس جديد من البشر؟
نظر «أحمد» حوله ونظر متسائلًا إلى «باسم» الذي أوشك أن يتحدَّث عندما قال «براتراند»: لقد أوقفنا عمل الرجال الآليين لأننا كنا حريصين عليكم. إننا نريدكم أن تنضَمُّوا إلينا؛ فنحن نستطيع أن نقدِّم للبشرية أشياء كثيرة.
ثم انحنى أمامهم في أدب، ثم قال: اسمحوا لي أن أدعوكم إلى قاعة الاجتماعات حيث ينتظر بقية العباقرة.
نظر الشياطين في قليل من الشك، لكن لهجته الهادئة جعلتهم يتقدَّمون، وخطا أمامهم خارجًا من الحجرة، فتبعه «أحمد»، وتأخَّر بقية الشياطين حتى لا تحدث مفاجأة ما، لكن بعد لحظات كان العباقرة قد وقفوا جميعًا تملأ وجوهَهم ابتسامة رضًا وهم يستقبلون الشياطين.
في نفس الوقت كان «قيس» يرسل رسالةً إلى رقم «صفر» بانتهاء المهمَّة، وجاءهم الرد سريعًا: «سوف تصلكم طائرة بعد قليل تنقلكم أنتم والعلماء إلى المقر السري. يبدو أننا في حاجة إليهم. وإلى اللقاء.»
بعد قليل كان صوت الطائرة يقطع الحديث الهادئ الذي كان يدور بين الشياطين والعلماء، وعندما نزلت الطائرة عند أطراف الغابة تلقَّى «أحمد» رسالةً من قائد الطائرة تقول: «نحن في انتظاركم.»
وعندما أخذوا طريقهم إلى حيث تقف الطائرة كان الشياطين يشعرون بالتعب. كانوا يتمنَّون أن يُلقوا بأنفسهم فوق أَسِرتهم ويغرقون في النوم.