مربع الرعب
في قاعة الاجتماعات الرئيسية، جلس الشياطين اﻟ «١٣» ينظرون إلى شاشة كبيرة من الزجاج، ثم أطفئت الأنوار عدا بعض الأنوار الحمراء الصغيرة التي بدت في الظلام الكثيف، كأنها عيون شرِّيرة ترقب الاجتماع، ثم أضيئت الشاشة الزجاجية وبدَت عليها خريطة واضحة لجنوب الجزيرة العربية وشاطئ أفريقيا الجنوبي الشرقي حيث حدود الصومال وإثيوبيا …
كان واضحًا على الخريطة بوغاز «باب المندب»؛ وهو المَمر المائي الذي يفصل قارة آسيا عن قارة أفريقيا في هذه المنطقة، وهذا البوغاز يصل بين خليج عدن والبحر الأحمر.
وارتفع صوت رقم «صفر» العميق يتحدَّث: يُهمُّني أن ترقبوا هذا الجزء من العالم؛ فمن المرجح أنكم ستخوضون هناك معركة هامَّة من معارككم ضد أعداء الأمة العربية.
وصمت رقم «صفر» لحظات ثم مضى يقول: وعلى كلِّ حالٍ فسوف توزع عليكم خرائط لهذه المنطقة تبين لكم بوضوح تفاصيل أكثر مما تُبيِّنها هذه الخريطة، والآن لاحظوا ما يحدث.
وشاهد الأصدقاء سفينة صغيرة تتحرَّك على الشاشة قادمة من المحيط الهندي لتدخل خليج «عمان»، كانت السفينة تسير في خطٍّ مُستقيم، وفجأة انحرفت وأسرعت لتصطدم بشاطئ الصومال قرب ميناء «بربرة» ثم تتحطَّم.
وسمعوا صوت رقم «صفر» يقول: مرةً أخرى لاحظوا جيدًا ما يحدث.
ومرةً ثانية شاهَدُوا سفينةً أخرى تسير بمحاذاة شاطئ اليمن الجنوبي قرب مجموعة جزر «خوريا موريا»، وفجأة غيَّرت السفينة اتجاهها، واندفعت إلى صخور الشاطئ وتحطَّمت.
وساد الصمت، وعاد رقم «صفر» يقول: مرةً ثالثة لاحِظُوا ما يحدث.
شاهد الشياطين طائرة صغيرة تتحرَّك فوق الخريطة الزجاجية، ثم فجأةً غيرت اتجاهها، وسقطت في مياه البحر في خطٍّ مُستقيم! …
وأضيئت الأنوار تدريجيًّا، وقال رقم «صفر»: لن أسألكم عن ملاحظاتكم، فما شاهَدتُموه واضح جدًّا، وكان موضع دراسة واسعة في مراكز المعلومات العسكرية في الدول العربية، وليست هذه هي كل الأحداث التي وقعت في هذه المنطقة … فكثير من السفن والطائرات كانت تَسير سيرها المعتاد وفجأةً غيَّرت اتجاهها وارتطمَت بالأرض أو سقطت في الماء دون أن يَدريَ أحدٌ ما السبب، وبعد أبحاث مُستفيضة خرجنا بنتيجة واحدة؛ هي أن قوة غامِضة موجودة في مكان ما من هذه المنطقة تستطيع جذب السفن والطائرات فجأةً وتسقطها! …
قالت «إلهام»: هل هي صواريخ؟
رقم «صفر»: لا، لقد فحَصنا حطام الطائرات والسفن فلم نجد آثار تدميرٍ بواسطة سلاح … سواء صواريخ موجَّهة أو قذائف مدفعية … إن ما يَحدث شيء لا يُمكن تفسيره إلا تفسيرًا غامضًا مثله، ولهذا سمَّيناه «القوة الغامضة».
رشيد: هل يُمكن أن تُوضِّح يا سيدي ماذا تقصد بالقوة الغامضة؟
رقم «صفر»: ليس عندي تفسير لها، سوى أن نتصوَّر مثلًا قوة مغناطيسية هائلة تستطيع جذب طائرة وهي على ارتفاع ألف قدم؛ لتُسقطَها في الماء أو على الأرض، أو تستطيع جذب سفينة ضخمة وتشدها إلى الصخور لتتحطَّم، دون أن يتمكَّن مَن فيها من السيطرة عليها.
أحمد: إنه شيء خارق للعادة؟
رقم «صفر»: بالضبط، شيء لا يُمكن تصوره، إلا كما قلتُ لكم، وقد قمنا بالبحث في هذه المنطقة، ولكنَّنا لم نعثر على أثر لهذه القوة الغامضة … ولهذا جاء دوركم …
ثم استكمل رقم «صفر» حديثه قائلًا: هناك نقطة هامَّة أودُّ أن ألفت النظر إليها، هي أنَّ هذا النوع من الكوارث الغامضة قد حدث خلال السنوات الأخيرة في مثلَّث برمودا، ويُطلق هذا الاسم على المنطقة التي تقع بين «فلوريدا»، و«برمودا»، و«بورتوريكو»، عند الساحل الشرقيِّ للولايات المتَّحدة؛ فقد أثار انتباه العلماء لغز الاختفاء الغامض للسفن والطائرات على مدى أعوامٍ عديدة في منطقة مثلَّث «برمودا» هذه.
زبيدة: فعلًا، إنني أذكر هذا … لقد نشرَت الجرائد مؤخَّرًا شيئًا عن هذا الموضوع.
رقم «صفر»: بالضبط، وقد طلبتُ أن تُوضع البحوث التي تمت حول هذه الظاهرة الغامضة تحت تصرفكم لعلها تفيدكم، وأفضل تفسير قُدِّم حتى الآن لهذا اللغز العجيب هو التفسير الذي قدمه العالم السوفييتي «يلكن»، وقد نشر «يلكن»، بحثه في مجلة «أزفستيا» السوفييتية، وقد ربط العالم السوفييتي بين هذه الحوادث الغامضة التي راحت ضحيتها عشرات السفن والطائرات التي اختفَت دون أن يُعثَر لها على أثر، وبين حركات الأرض، والقمر والشمس!
قالت «إلهام»: هل اختفت تمامًا؟
رقم «صفر»: نعم … ولم يبقَ منها ما يُمكن أن يُلقيَ ضوءًا على هذه الأحداث.
إلهام: وما هو التفسير؟
رقم «صفر»: قال العالم السوفييتي: إنَّ حركات هذه الكواكب (الأرض والقمر والشمس) أدَّت إلى إحداث اضطرابات مغناطيسية تحت سطح المحيط، مما تسبَّب في انحراف خط سير الطائرات وسقوطها، وخط سير السفن وغرَقِها، وقد نشرت جريدة الأخبار في «القاهرة» ملخصًا لهذه الظاهرة حسب تفسير العالم السوفييتي.
بو عمير: وماذا نستطيع أن نفعل أمام الشمس والقمر والأرض؟!
ابتسم الشياطين، فقال رقم «صفر»: إننا نُريد أن نتأكَّد من سبب ظهور هذه الأحداث عند باب المندب، هل هي ظاهرة طبيعية أم من صنع البشر؟!
نظر الشياطين بعضهم إلى بعض؛ فهذه أول مرة يُطلَب منهم مواجهة قوة ليسَت محدودة، لا في المكان ولا في الأشخاص، شيء غير معروف، قوة خارقة تستطيع تحطيم سفينة، وإسقاط طائرة دون أن يَعرف أحد مواصفاتها.
عاد رقم «صفر» يقول: كما لاحظتم، إنَّ الحوادث التي وقعت كلها كانت في هذه المنطقة، ثم ظهر مؤشر رسم دائرة أحاطت بمنطقة واسعة تقع بين جزر «خوريا موريا»، أو «الحلانيات»، كما يُسمِّيها العرب شرقًا، و«زيلع» في «الصومال» غربًا … و«مقديشيو» في «الصومال» جنوبًا … و«باب المندب» في البحر الأحمر شمالًا، على شكل مربَّع …
وقال رقم «صفر»: وهي منطقة واسعة، ولهذا يُمكن اعتبار جزيرة «سقطرى»، هي المركز منها، ولهذا فسوف تُقسَّمون إلى ثلاثة أقسام؛ مجموعة في «اليمن»، ومجموعة في «الصومال»، ومجموعة سيكون مركزها جزيرة «سقطرى»، والمجموعة الأخيرة هي التي تتولَّى القيادة والتوجيه …
قال «عثمان» مُتسائلًا: وما هو المطلوب منَّا بالضبط؟
رد رقم «صفر»: رصد هذه القوة الغامضة، والإسراع إلى مكان الحوادث التي تُسبِّبها، ومُحاوَلة تفسيرها، وبالطبع فإن الهدف النهائي هو معرفة مكان هذه القوة وتدميرها إذا أمكن … وسيكون تحت تصرُّفكم أيُّ نوع من الأسلحة ترونه مُناسبًا، وبعض قوارب سريعة للمرور وأجهزة لا سِلكي للاتصال.
أحمد: لي ملاحظة، هي أنَّ الحوادث التي وقعت في مثلث الرعب عند «برمودا»، لم يبقَ من آثارها شيء، ولكن في الحالة التي أمامنا فإن هناك آثارًا تبقى من السفن.
أجاب رقم «صفر»: هذه ملاحظة صحيحة، وقد يكون السبب أنَّ الحركة المغناطيسية ليست في قاع المحيط فقط، ربما على الشاطئ أيضًا.