المراجع الإسرائيلية
أفاض سفر التكوين في سيرة إبراهيم عليه السلام، وأثبت مولده في «أور» الكلدانيين، ورفع نسبه إلى سام بن نوح، فهو إبراهيم بن تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن سالح بن أرفكشاد بن سام بن نوح.
وذكر أبناء تارح فقال: إنه ولد «إبرام وناحور وحاران، وإن حاران ولد لوطًا ومات قبل أبيه في أرض ميلاده: أور الكلدانيين.»
وإن إبرام وناحور اتخذا لهما زوجتين، اسمهما ساراي وملكة بنت حاران … أما ساراي فهي بنت تارح من زوجة أخرى كما جاء في الإصحاح العشرين على لسان إبراهيم: «وبالحقيقة أيضًا هي أختي ابنة أبي، غير أنها ليست ابنة أمي، فصارت لي زوجة.»
وجاء بعد هذا في الإصحاح الثاني عشر أن الرب قال لإبرام: «اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك، وأُعظِّم اسمك، وتكون بركة، وأبارك من يباركك، ومن يلعنك ألعنه، وفيك تتبارك جميع قبائل الأرض.
فذهب إبرام كما قال له الرب، وذهب معه لوط.
وظهر الرب لإبرام وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض. فبنى هناك مذبحًا للرب الذي ظهر له، ثم انتقل من هناك إلى الجبل ونصب خيمته شرقًا من بيت إيل من المغرب، ولماي من الشرق، ثم والى رحلته إلى الجنوب.
وحدثت مجاعة في الأرض، فانحدر إبرام إلى مصر، وقال لساراي امرأته وهو على مقربة من مصر: إني علمت أنك امرأة حسنة المظهر؛ فإذا رآك المصريون قالوا: هذه امرأته. فيقتلونني ويستبقونك، قولي: إنك أختي؛ ليكون لي خير بسببك، وتحيا نفسك من أجلك.
فلما دخل إبرام مصر رأى المصريون أن المرأة حسنة جدًّا، ومدحها رؤساء فرعون لديه، فأُخذت المرأة إلى بيت فرعون، فصنع إلى إبرام خيرًا بسببها، وصار له بقر وغنم وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال.
فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة … ودعا فرعون إبرام وقال له: ما هذا الذي صنعت بي؟ لماذا لم تخبرني أنها امرأتك؟ لماذا قلت لي: هي أختي حتى أخذتها لتكون زوجتي؟ خذها واذهب. ووكَّل به أناسًا شيَّعوه إلى خارج الديار.
فقال إبرام لابن أخيه: لا تكن مخاصمة بيني وبينك، وبين رعاتي ورعاتك؛ إننا أخوان، أليست الأرض أمامك؟ فاذهب حيث شئت. إن ذهبت شمالًا ذهبت أنا إلى اليمين، وإن ذهبت يمينًا ذهبت إلى الشمال. ونظر لوط فرأى أمامه أرضًا مخصبة كأرض مصر، فاختار دائرة الأردن وارتحل مشرقًا، ونقل خيامه إلى سدوم، وأهلُها جدُّ أشرار.
وبقي إبرام في كنعان فقال له الرب: ارفع عينيك وانظر في الموضع الذي أنت فيه من مشرقه إلى مغربه، ومن شماله إلى جنوبه؛ فإنني معطيك جميع الأرض التي تراها ولنسلك من بعدك، وأجعل لك نسلًا كتراب الأرض لا يحصيه إلا من استطاع أن يحصي ترابها، فاضرب في الأرض طولًا وعرضًا كما تشاء.
وعمق السديم كان في آبار حمر كثيرة …
فهرب ملكا سدوم وعمورة وسقطا هناك، والباقون هربوا إلى الجبل فأخذوا جميع أملاك سدوم وعمورة وجميع أطعمتهم ومضوا.
وأخذوا لوطًا ابن أخي إبرام ومضوا؛ إذ كان ساكنًا في سدوم.
فأتى من نجا وأخبر إبرام العبراني، وكان ساكنًا عند بلوطات ممرا الأموري، أخي أشكول وأخي عانر، وكانوا أصحاب عهد مع إبرام، فلما سمع أن أخاه سبي جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته، وعدتهم ثلاثمائة وثمانية عشر، وتبعهم دان، ودهمهم ليلًا هو وعبده فكسرهم، وتبعهم إلى حوبة إلى الشمال من دمشق واسترجع ما أخذوه، واسترجع لوطًا أخاه أيضًا، وسبى النساء والرجال …
فخرج ملك سدوم لاستقباله بعد رجوعه، وأخرج «ملكي صادق» ملك شاليم خبزًا وخمرًا، وكان كاهنًا لله العلي، فبارك إبرام وقال:
مبارك إبرام من الله العلي مالك السماوات والأرض، ومبارك الله العلي الذي أسلم أعداءك إلى يديك، فأعطاه إبرام عشرًا من كل شيء، وقال ملك سدوم: أعطني النفوس، أما الأملاك فخذها لنفسك.
فقال إبرام لملك سدوم: رفعت يدي إلى الرب الإله العلي، مالك السماء والأرض، ولا آخذن خيطًا ولا شراك نعل ولا شيئًا مما هو لك، فلا تقول: إنني أغنيت إبرام، ليس لي إلا ما أكله الغلمان، وأما نصيب الرجال الذين ذهبوا معي؛ عانر وأشكول وممرا، فلهم نصيبهم يأخذونه، ثم خاطب الرب إبرام في الرؤيا قائلًا: لا تخف يا إبرام، أنا ترس لك، وأجرك عظيم.
وقال إبرام أيضًا: إنك لم تعطني نسلًا، وها هو ذا ابن بيتي وارث لي …
فكان كلام الرب له: لا يرثك هذا، بل الذي يخرج من أحشائك هو وارثك.
ثم قاده إلى الخارج وقال: انظر إلى السماء وعدَّ النجوم إن استطعت … هكذا يكون نسلك.
فآمن بالرب، فحسبه له حسنة، قال له: أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض ترثها.
فقال: أيها السيد الرب، بماذا أعلم أنني أرثها؟
قال: خذ عجلة ثلاثية، وعنزة ثلاثية، وكبشًا ثلاثيًّا، ويمامة وحمامة.
فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط، وجعل كلَّ شق مقابلَ صاحبه، وأما الطير فلم يشقه، وجعل إبرام يزجر الجوارح التي تهبط عليها.
ولما صارت الشمس إلى المغيب وقع على إبرام سبات، ونزلت عليه رعبة عظيمة، فقال لإبرام: اعلم يقينًا أن نسلك سيكون غريبًا في أرض ليست لهم، يُستعبدون فيها ويستذلون أربعمائة سنة، ثم أدين الأمة التي تستعبدهم، فيخرجون بأملاك جزيلة، وتمضي أنت إلى آبائك بسلام، وتدفن بشيبة صالحة، ثم يرجع نسلك في الجيل الرابع إلى ها هنا؛ إذ لم يتم بعد ذنب الأموريين.
ثم غابت الشمس ورانت العتمة على الأفق، وإذا تنور دخان ومصباح نار يجوز بين تلك الشطور.
•••
ورجع الإصحاح السادس عشر إلى ساراي، فجاء فيه أنها لمَّا لم تلد دفعت جاريتها المصرية «هاجر» إلى إبرام وقالت له: هو ذا الرب قد أمسكني عن الولادة … فادخل إلى جاريتي لعلي أُرزق منها بنين …
فلما رأت هاجر أنها حبلت صغرت مولاتها في عينيها، فقالت ساراي لإبراهيم: ظلمي عليك! دفعتُ جاريتي إلى حضنك فلما رأتْ أنها حبلت صَغرْتُ في عينيها، ويقضي الرب بيني وبينك.
فقال إبرام لساراي: هو ذا جاريتك في يدك؛ افعلي بها ما يحسن في عينيك، فأذلتها ساراي، فهربت من وجهها.
وكان إبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل …
ولما كان إبرام ابن تسع وتسعين سنة «الإصحاح السابع عشر» ظهر الرب لإبرام وقال له: أنا الله القدير، سر أمامي وكن كاملًا؛ فاجعل عهدي بيني وبينك، وأكثرك كثيرًا جدًّا، فخر إبرام ساجدًا، وتكلم الله معه قائلًا: أما أنا فهو ذا عهدي معك، وتكون أبًا لجمهور من الأمم، فلا يدعى اسمك بعد اليوم إبرام، بل يكون اسمك إبراهيم: لأني أجعلك أبًا لجمهور من الأمم، وأثمرك كثيرًا جدًّا وأجعلك أُممًا، ومنك ملوك يخرجون، وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدًا أبديًّا؛ لأكون إلهًا لك ولنسلك من بعدك، وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكًا أبديًّا، وأكون إلههم.
وقال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم، هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك، يختن منك كل ذكر، فيكون علامة عهد بيني وبينكم. ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم، وليد البيت، والمبتاع بفضة من كل ابن غريب ليس من نسلك، فيكون عهدي في لحمكم عهدًا أبديًّا، وأما الذكر الأغلف، فتقطع تلك النفس من شعبها؛ أنه نكث عهدي.
وقال الله لإبراهيم: ساراي امرأتك لا تدعو اسمها ساراي، بل سمِّها سارة، وأباركها وأعطيك أيضًا منها ابنًا، فخر إبراهيم ساجدًا وضحك، وقال في قلبه: هل يولد لابن مائة سنة؟! وهل تلد سارة وهي بنت تسعين سنة؟!
وقال إبراهيم لله: ليس إسماعيل يعيش أمامك، فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابنًا وتدعو اسمه إسحاق، وأقيم عهدي له عهدًا أبديًّا لنسله من بعد …
وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أُباركه وأُثمِّره وأُكثِّره كثيرًا جدًّا؛ اثني عشر رئيسًا يلد، وأجعله أمة كبيرة، ولكن عهدي أقيمه لإسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت من السنة الآتية. فلما فرغ من الكلام معه صعد الله عن إبراهيم.
فأخذ إبراهيم إسماعيل ابنه وجميع ولدان بيته، وجميع المبتاعين بفضة وختنهم … وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن، وإسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة.
وظهر له الرب عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حر النهار، فرفع عينيه ونظر، وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه، فلما نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض، وقال: يا سيد، إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عهدك، ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة، فآخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون؛ لأنكم قد مررتم على عبدكم، فقالوا: هكذا نفعل كما تكلمت.
وقالوا له: أين سارة امرأتك؟ فقال: ها هي في الخيمة، فقال: إني أرجع إليك نحو زمان الحياة — أي الربيع — ويكون لسارة امرأتك ابن.
وكانت سارة سامعة في باب الخيمة، وهو وراءه — وكان إبراهيم وسارة شيخين متقدمين في الأيام، وقد انقطع أن يكون لسارة عادة كالنساء — فضحكت سارة في باطنها قائلة: أبعد فنائي يكون له متعة وسيدي قد شاخ؟ فقال الرب لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة؟ إنها قائلة بالحقيقة: أتراني ألِدُ وأنا قد شِخْتُ؟ فهل يستحيل على الرب بشيء؟ في الميعاد أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة ابن!
فأنكرت سارة قائلة: لم أضحك! لأنها خافت، فقال: لا، بل ضحكت …
ثم قام الرجال من هناك وتطلعوا نحو سدوم، وكان إبراهيم ماشيًا معهم ليُشيعهم، فقال الرب: هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله؟ وإبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية، ويتبارك به جميع أمم الأرض! إني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب، وليعملوا بِرًّا وعدلًا، ويوفي الرب إبراهيم ما وعد.
وقال الرب: إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر، وخطيئتهم قد عظمت جدًّا، إني نازل أرى هل فعلوا حقًّا حسب صراخها الآتي إليَّ، وإلَّا فأعلم.
وانصرف الرجال من هناك وذهبوا نحو سدوم …
وأما إبراهيم فكان لم يزل قائمًا أمام الرب …
فتقدم إبراهيم وقال: أفتهلك البار مع الأثيم؟ عسى أن يكون خمسون بارًّا في المدينة، أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين؟ حاشا لك أن تفعل هذا الأمر! أديَّان كل الأرض لا يصنع عدلًا؟
فقال الرب: إن وجدت في المكان خمسين بارًّا فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم.
فأجاب إبراهيم وقال: إني قد شرعت أكلم المولى وأنا تراب ورماد، ربما نقص الخمسون بارًّا خمسة، أتهلك كل المدينة بالخمسة؟ فقال: لا أهلك إن وجدت هناك خمسة وأربعين.
فعاد يكلمه أيضًا وقال: عسى أن يوجد هناك أربعون، فقال: لا أفعل من أجل الأربعين، فقال: لا يسخط المولى فأتكلم: عسى أن يوجد هناك عشرون، فقال: لا أهلك من أجل العشرين، فقال: لا يسخط المولى فأتكلم هذه المرة فقط: عسى أن يوجد هناك عشرة، فقال: لا أهلك من أجل العشرة.
وذهب الرب عندما فرغ من الكلام مع إبراهيم، ورجع إبراهيم إلى مكانه.
فجاء الملكان إلى سدوم مساء، وكان لوط جالسًا في باب سدوم، فلما رآهما لوط قام لاستقبالهما وخر ساجدًا وقال: يا سيدي، ميلا إلى بيت عبدكما وبِيتَا واغسلا أرجلكما، ثم تبكران وتذهبان في طريقكما، فقالا: لا، بل بالساحة نبيت.
وتم الإصحاح التاسع عشر بقصة هلاك سدوم، ثم عاد الإصحاح العشرون إلى قصة إبراهيم فجاء فيه: أنه انتقل من هناك إلى أرض الجنوب، وسكن بين قادش وشور وتغرب في جرار.
«وقال إبراهيم عن سارة امرأته: هي أختي، فأرسل «إبيمالك» ملك جرار وأخذ سارة، فجاء الله إلى «إبيمالك» في الحلم وقال له: ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها؛ فإنها ذات بعل، ولم يكن «إبيمالك» قد اقترب منها، فقال: يا سيد، أتقتل أمة بارة؟ ألم يقل لي هو: إنها أختي؟ ألم تقل هي نفسها: إنه هو أخي؟ بسلامة قلبي ونقاوة يدي فعلت هذا، فقال له الله في الحلم: أنا أيضًا علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا، وأنا أيضًا أمسكتك أن تخطئ إليَّ؛ لذلك لم أدعك تمسها، فالآن رد امرأة الرجل فإنه نبي، وسيصلي لأجلك فتحيا، وإن كنت لا تردها فإنك ومَن لك ميتون.
… وأخذ إبيمالك غنمًا وبقرًا وعبيدًا وإماء وأعطاها لإبراهيم، ورد إليه سارة امرأته، وقال إبيمالك: هو ذا أرضي قدامك، تسكن منها ما حسُن في عينيك، وقال لسارة: إني قد أعطيت أخاك ألفًا من الفضة. ها هو لك غطاء عيني.
… وصلى إبراهيم إلى الله، فشفى الله إبيمالك وامرأته وجواريه فولدن؛ لأن الرب كان قد أغلق كل رحم لبيت إبيمالك بسبب سارة امرأة إبراهيم.»
ثم جاء في الإصحاح الحادي والعشرين أن سارة ولدت إسحاق، وختنه إبراهيم وهو ابن ثمانية أيام، وكان إبراهيم قد أوفى على المائة، وقالت سارة: قد جعل الله لي ضحكًا، وجعل كل من يسمع بأمري يضحك.
… ورأت ابن هاجر المصرية يمزح، فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها؛ لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق، فقبح الكلام جدًّا في عيني إبراهيم.
قال الله لإبراهيم: لا يقبح في عينيك من أجل الغلام، ومن أجل جاريتك، واسمع كل ما تقوله سارة؛ لأنه بإسحاق يدعى لك نسل، وابن الجارية أيضًا سأجعله أُمة؛ لأنه نسلك.
فبكر إبراهيم صباحًا، وأخذ خبزًا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر واضعًا إياهما على كتفها وصرفها.
فمضت وتاهت في برية بئر سبع، ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار، ومضت وجلست مقابلة بعيدًا على مرمى القوس؛ لأنها قالت: لا أنظر موت الولد. فسمع الله صوت الغلام، ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: ما لك يا هاجر؟! لا تخافي؛ لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو، قومي احملي الغلام وشدي يدك به؛ لأني سأجعله أمة عظيمة. وفتح الله عينها فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام، وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمة زوجة من أرض مصر.
وحدث في ذلك الزمان أن أبيمالك وفيكول رئيس جيشه كَلَّما إبراهيم قائلين: الله معك في كل ما أنت صانع، فالآن احلف لي بالله ها هنا أنك لا تغدر بي ولا بنسلي وذريتي، وكالمعروف الذي صنعتُ إليك تصنع إليَّ وإلى الأرض التي تغربت فيها.
فقال إبراهيم: أنا أحلف. وعاتب إبيمالك في بئر الماء التي اغتصبها عبيده، فقال إبيمالك: لم أعلم مَنْ فعل هذا الأمر، أنت لم تخبرني، وأنا ما سمعت سوى اليوم.
فأخذ إبراهيم غنمًا وبقرًا وأعطى إبيمالك، فقطعا كلاهما ميثاقًا.
وأقام إبراهيم سبع نعاج وحدها، فقال إبيمالك لإبراهيم: ما هي هذه النعاج التي أقمتها وحدها؟ فقال: إنك تأخذ من يدي سبع نعاج؛ لكي تكون لي شهادة بأني حفرت هذه البئر؛ لذلك دعا ذلك الموضع بئر سبع لأنهما هناك حلفا كلاهما.
•••
وتأتي بعد ذلك قصة الفداء بإسحاق:
«وإن الله قد امتحن إبراهيم فقال له: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه — إسحاق — واذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك … فبكر إبراهيم صباحًا، وشدَّ على حماره، وأخذ اثنين من غلمانه معه وإسحاق ابنه، وشقق حطبًا لمحرقة، وقام وذهب إلى الموضع الذي قال له الله.
وفي اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد، فقال لغلاميه: اجلسا أنتما ها هنا مع الحمار، وأما أنا والغلام فنذهب إلى هناك ونسجد، ثم نرجع إليكما.
فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه على إسحاق ابنه، وأخذ بيده النار والسكين، فذهبا كلاهما معًا.
وكلم إسحاق إبراهيم أباه وقال: يا أبي، فقال: ها أنا ذا يا بني، فقال: هو ذا النار والحطب، ولكن أين الخروف للمحرقة؟ فقال إبراهيم: الله يرى له خروف المحرقة يا بني. فذهبا كلاهما معًا.
فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله، بنى إبراهيم هناك المذبح ورتَّب الحطب، وربط إسحاق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب، ثم مدَّ إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه، فناداه ملاك الرب من السماء، وقال: إبراهيم! إبراهيم! فقال: ها أنا ذا، فقال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئًا؛ لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني.
ورفع إبراهيم عينيه ونظر، وإذا كبش وراءه ممسكًا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضًا عن ابنه، فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع «يهوه يراه»، حتى إنه يقال اليوم في جبل الرب يرى.
ونادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء، وقال: بذاتي أقسمت، إني — من أجل أنك فعلت هذا الأمر، ولم تمسك ابنك وحيدك — أباركك مباركة، وأكثر نسلك تكثيرًا كنجوم السماء، وكالرمل الذي على شاطئ البحر، ويرث نسلك باب أعدائه، ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أنك سمعت لقولي.
ثم رجع إبراهيم إلى غلاميه فقاموا وذهبوا جميعًا إلى بئر سبع.
وحدث بعد هذه الأمور أن إبراهيم أخبر وقيل له: هو ذا ملكة قد ولدت هي أيضًا بنين لناحور أخيك: عوصا بكره، وتوزا أخاه، وفموئيل أبا آرام، وكاسدو، وحزوا، وفلداش، ويدلاف، وبتوئيل، وولد بتوئيل رفقة … هؤلاء الثمانية ولدتهم ملكة لناحور أخي إبراهيم: وأما سريته — واسمها زومة — فولدت هي أيضًا: طابح، وجاحم، وتاحش، ومعكة.»
وأنبأ الإصحاح الثالث والعشرون بموت سارة وهي في السابعة والعشرين بعد المائة؛ ماتت في قرية أربع التي هي حبرون في أرض كنعان، فأتى إبراهيم ليندب سارة ويبكي عليها، وقام إبراهيم من أمام ميته وكلَّم بني حث قائلًا: أنا غريب ونزيل عندكم، أعطوني ملك قبر معكم لأدفن ميتي من أمامي، فأجاب بنو حث إبراهيم قائلين له: اسمعنا يا سيدي، أنت رئيس من الله بيننا، في أفضل قبورنا ميتك، لا يمنع أحد منا قبره عنك …
فقام إبراهيم وسجد لشعب الأرض، لبني حث، وكلمهم قائلًا: إن كان في نفوسكم أن أدفن ميتي من أمامي، فاسمعوني والتمسوا لي من عفرون بن صوحر أن يعطيني مغارة المكفيلة التي له في طرف حقله، وبثمن كامل يعطيني إياها … وكان عفرون جالسًا بين بني حث، فأجابه على مسمع من قومه لدى جميع الداخلين باب مدينته قائلًا: لا يا سيدي، اسْمَعْني: الحقل وهبتك إياه، والمغارة التي فيه لك وهبتها …
فسجد إبراهيم أمام شعب الأرض وكلم عفرون في مسامع شعب الأرض قائلًا: بل إن كنت أنت إياه فليتك تسمعني، أعطيك ثمن الحقل فأدفن ميتي هناك، فأجاب عفرون إبراهيم قائلًا له: يا سيدي، اسمعني: أرض بأربعمائة شاقل فضة ما هي بيني وبينك؛ فادفن ميتك. فسمع إبراهيم لعفرون، ووزن إبراهيم لعفرون الفضة التي ذكرها في مسامع بني حث؛ أربعمائة شاقل فضة جائزة عند التجار.
•••
ثم أخذ العبد عشرة جمال من جمال مولاه، ومضى وجميع خيرات مولاه في يده، فقام وذهب إلى آرام النهرين، إلى مدينة ناحور، وأناخ الجمال خارج المدينة عند بئر الماء وقت المساء، وقت خروج المستقيات، وقال: أيها الرب، إله سيدي إبراهيم، يسر لي اليوم واصنع لطفًا إلى سيدي إبراهيم، ها أنا واقف على عين الماء وبنات أهل المدينة خارجات ليستقين ماء، فليكن أن الفتاة التي أقول لها: أميلي جرتك لأشرب، فتقول: اشرب وأنا أسقي جمالك، هي التي عينتها لعبدك إسحاق، وبها أعلم أنك صنعت لطفًا إلى سيدي.
وإذ كان لم يفرغ بعد من الكلام، إذا رفقة التي وُلِدت لبتوئيل بن ملكة، امرأة ناحور أخي إبراهيم، خارجة وجرتها على كتفها، وكانت الفتاة حسنة المنظر جدًّا، وعذراء لم يعرفها رجل، فنزلت إلى العين وملأت جرَّتها وطلعت، فركض العبد للقائها وقال: اسقيني قليل ماء من جرَّتك، فقالت: اشرب يا سيدي. وأسرعت وأنزلت جرَّتها على يدها وسقَتْهُ، ولما فرغت من سقيه قالت: أستقي لجِمالك أيضًا حتى تفرغ من الشرب. فأسرعت وأفرغت جرَّتها في المسقاة، وركضت أيضًا إلى البئر لتستقي.
فاستقت لكل جماله والرجل يتفرس فيها صامتًا ليعلم أأنجح الرب طريقه أم لا. وحدث عندما فرغت الجمال من الشرب أن الرجل أخذ خزامة ذهب وزنها نصف شاقل وسوارين على يديها وزنهما عشرة شواقل ذهب، وقال: بنت مَن أنت؟ أخبريني هل في بيت أبيك مكان لنبيت؟ فقالت: أنا بنت بتوئيل بن ملكة الذي ولدته لناحور، وقالت له: عندنا تبن وعلف كثير، ومكان لتبيتوا أيضًا، فخر الرجل وسجد للرب وقال: مبارك الرب إله سيدي إبراهيم، الذي لم يمنع لطفه وحقه عن سيدي؛ إذ كنت أنا في الطريق هداني الرب إلى إخوة سيدي. فركضت الفتاة وأخبرت بيت أمها بحسب هذه الأمور.
وكان لرفقة أخ اسمه لابان، فخرج لابان إلى الرجل خارجًا إلى العين.»
•••
ويلي هذا «في الإصحاح الرابع والعشرين» وصف العبد ما حدث له حتى التقى بالفتاة «فأجاب لابان وبتوئيل وقالا: من عند الرب خرج الأمر، لا نقدر أن نكلمك بشر أو خير، هو ذا رفقة قدامك، خذها واذهب، فلتكن زوجة لابن سيدك كما تكلم الرب. وكان عندما سمع عبد إبراهيم كلامهم أنه سجد للرب إلى الأرض، وأخرج آنية فضة وآنية ذهب وثيابًا وأعطاها لرفقة، وأعطى تحفًا لأخيها ولأمها، فأكل وشرب هو والرجال الذين معه وباتوا، ثم قاموا صباحًا فقال: اصرفوني إلى سيدي، فقال أخوها وأمها: لتمكث الفتاة عندنا أيامًا أو عشرة، وبعد ذلك تمضي.»
«فقامت رفقة وفتياتها وركبن على الجمال وتبعن الرجل، فأخذ العبد رفقة ومضى.
وكان إسحاق قد أتى من ورود بئر لحي رئي؛ إذ كان ساكنًا في أرض الجنوب، وخرج ليتأمل في الحقل عند إقبال المساء، فرفع عينيه ونظر وإذا جمال مقبلة، ورفعت رفقة عينيها فرأت إسحاق فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا؟ فقال العبد: هو سيدي! فأخذت البرقع وتغطت، ثم حدَّث العبد إسحاق بكل ما جرى، فأدخلها إسحاق إلى خباء سارة أمه، وأخذ رفقة فصارت له زوجة وأحبها، فتعزى إسحاق بعد موت أمه.»
«وعاد إبراهيم — الإصحاح الخامس والعشرون — فأخذ زوجة اسمها قطورة، فولدت له زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا، وولد يقشان شبا، وددان، وكان بنو ددان أشوريم ولطوشيم ولأميم، وبنو مديان عيفة وعفر وحنوك وأبيداع وألدعة؛ جميع هؤلاء بنو قطورة.
وأعطى إبراهيم إسحاق كل ما كان له، وأما بنو السراي اللواتي كانت لإبراهيم، فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحاق ابنه شرقًا إلى أرض المشرق، وهو بعد بقيد الحياة.
وهذه أيام سني حياة إبراهيم التي عاشها: مائة وخمس وسبعون سنة، وأسلم إبراهيم روحه ومات بشيبة صالحة، شيخًا شبعان أيامًا، وانضم إلى قومه، ودفنه إسحاق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفيلة في حقل عفرون بن صوحر الحثي الذي أمام ممرا.»
«… وهذه مواليد إسماعيل بن إبراهيم الذين ولدت هاجر المصرية جارية سارة لإبراهيم: نبايوث بكر إسماعيل، وقيدار، وأدبئيل، ومشماع، ودومة، ومسا، وحدار، وتيما، ويطور، ونافيش، وقدمة؛ هؤلاء هم بنو إسماعيل، وهذه أسماؤهم بديارهم وحصونهم؛ اثنا عشر رئيسًا حسب قبائلهم، وهذه سنو حياة إسماعيل: مائة وسبع وثلاثون سنة.
وأسلم روحه ومات وانضم إلى قومه، وسكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر.
وهذه مواليد إسحاق بن إبراهيم … ولد إبراهيم إسحاق، وكان إسحاق ابن أربعين سنة لما اتخذ لنفسه زوجته رفقة بنت بتوئيل الآرامي، أخت لابان الآرامي، من فدان آرام.
وصلى إسحاق على الرب لأجل امرأته؛ لأنها كانت عاقرًا، فاستجاب له الرب فحبلت رفقة امرأته، وتزاحم الولدان في بطنها، فقالت: إن كان هكذا ففيم أنا عائشة؟ … ومضت لتسأل الرب، فقال لها الرب: في بطنك أمتان، ومن أحشائك يفترق شعبان، شعب يقوى على شعب، وكبير يستبعد لصغير.
فلما أكملت أيامها لتلد إذا في بطنها توءمان، فخرج الأول أحمر كله كفروة شعر، فدعوا اسمه عيسو، وبعد ذلك خرج أخوه ويده قابضة بعقب عيسو، فدُعي اسمه يعقوب، وكان إسحاق ابن ستين سنة لما ولدتهما.
فكبر الغلامان، وكان عيسو إنسانًا يعرف الصيد: إنسان البرية، ويعقوب إنسانًا كاملًا يسكن الخيام.
فأحب إسحاق عيسو؛ لأن في فمه صيدًا.
وأما رفقة فكانت تحب يعقوب.
وطبخ يعقوب طبيخًا، فأتى عيسو من الحقل وهو قد أعيا، فقال عيسو ليعقوب: أطعمني من هذا الأحمر؛ لأني قد أعييت. لذلك دُعي اسمه أدوم.
فقال يعقوب: بعني اليوم بكوريتك، فقال عيسو: ها أنا ماضٍ إلى الموت … فما جدوى البكورية؟ فقال يعقوب: احلف لي اليوم. فحلف له، فباع بكوريته ليعقوب، فأعطى يعقوب عيسو خبزًا وطبيخ عدس، فأكل وشرب ومضى.»
وتكرر في الإصحاح السادس والعشرين وصف الحادث الذي جرى لإبراهيم مع أبيمالك، فجاء فيه أنه حدث «جوع غير الجوع الأول الذي كان في أيام إبراهيم، فذهب إسحاق إلى أبيمالك ملك الفلسطينيين» … «وسأله أهل المكان عن امرأته فقال: هي أختي؛ لأنه خاف أن يقول امرأتي لعل أهل المكان يقتلونني من أجل رفقة؛ لأنها كانت حسنة المنظر. وحدث إذ طالت الأيام هناك أن أبيمالك، ملك الفلسطينيين، أشرف من الكوة ونظر، وإذا إسحاق يلاعب رفقة امرأته، فدعا أبيمالك إسحاق وقال: إنما هي امرأتك، فكيف قلت: هي أختي؟ فقال له إسحاق: لأني قلت لعلي أموت بسببها، فقال أبيمالك: ما هذا الذي صنعت بنا؟ لولا قليل لاضطجع أحد الشعب مع امرأتك فجلبت علينا ذنبًا. فأوصى أبيمالك جميع الشعب قائلًا: الذي يمس هذا الرجل وامرأته موتًا يموت.»
وفي الإصحاح التاسع والعشرين أن يعقوب تزوج راحيل بنت خاله لابان، وكانت عاقرًا كما جاء في الإصحاح الثلاثين، «فقالت: هو ذا جاريتي بلهة، ادخل عليها فتلد على ركبتي وأرزق أنا أيضًا منها بنين. فأعطته بلهة جاريتها زوجة، فدخل عليها يعقوب.»
«… وذكر الله راحيل، وسمع لها الله وفتح رحمها فحبلت وولدت ابنًا، فقالت: نزع الله عاري، ودَعَت اسمه يوسف.»
•••
•••
وتذكر الإصحاحات التالية خبر المجاعة التي عمَّت الأرض، وتروي هجرة يعقوب وأبنائه إلى مصر، حيث بيع يوسف وتولى عملًا من أعمال الدولة في الجيل التالي لجيل إبراهيم كما يؤخذ من هذا السياق، وقد انقسمت ذريته على أدوميين وإسرائيليين.
وفي العهد القديم عدا هذه السيرة المفصلة إشاراتٌ كثيرة إلى إبراهيم عليه السلام، منها ما يذكره ليذكر عهد الرب له، ومنها ما يصفه ويصف بعض أخباره.
وقال يشوع لجميع الشعب: هكذا قال الرب إله إسرائيل: آباؤكم سكنوا في عبر النهر منذ الدهر، تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور، وعبدوا آلهة أخرى، فأخذت إبراهيم أباكم من عبر النهر وسرت به في كل أرض كنعان.
ووُصف إبراهيم بخليل الله في كتاب الأيام الثاني — وهو على الأرجح من جمع النبي عزرا — حيث يقول في الإصحاح العشرين: «ألست أنت إلهنا الذي طردت سكان هذه الأرض أمام شعبك إسرائيل وأعطيتها لنسل إبراهيم خليلك إلى الأبد؟»
ووصف بهذه الصفة في الإصحاح الحادي والأربعين من كتاب أشعيا حيث يقول: «وأما أنت يا إسرائيل عبدي، يا يعقوب الذي اخترته، نسل إبراهيم خليلي.»
•••
وتلك هي جملة العبارات التي تدخل في سيرة الخليل من كتب العهد القديم، وأكثرها تفصيلًا ما ورد في سفر التكوين من الكتب الخمسة التي يُطلق عليها في الغالب اسم التوراة. وقبل الانتقال إلى ما ورد عن الخليل في المراجع الإسرائيلية الأخرى؛ كالتلمود والمدراش وما إليها، نشفع ما تقدم بكلمة لازمة عن تعليقات الشراح على سفر التكوين والكتب الخمسة؛ فإن هذه التعليقات لا غنى عنها للباحث المستقصي عند مراجعة الأسانيد المتعددة، ولها علاقة وثيقة بفهم السيرة كلها فيما تستمده من تلك الأسانيد.