نتائج واضحة
مرَّ الوقت سريعًا، أو هكذا بَدَا الأمر لإيان، وكان الوقت قد حان لإقامة حفل جديد لتوزيع ثمار العُمَّال. تَسارعت الأفكار في ذهن إيان بينما كان يرتدي ملابس الاحتفال؛ كان يفكِّر في أن هذا الاحتفال سيكون مختلفًا عن كل الاحتفالات التي سبقته، وعلى الأرجح سيكون فريدًا من نوعه.
لكن، على ما يبدو، كان إيان هو الشخص الوحيد الذي سَيْطَرَ عليه التوترُ في تلك الليلة المميَّزة؛ كان الناس من حوله مستغرقين في مهام عملهم اليومية، منهمِكين دون اهتمام يُذكَر في التجهيز لاستقبال حصادهم من الجواهر خلال الاحتفالات التي ستقام في مساء تلك الليلة.
في حركة جماعية، حمل الهايلاندرز السِّلال المليئة بالفواكه والحبوب والخضراوات على أكتافهم، وساروا في طريقهم إلى سفح أول جبل. تَوقَّف الهايلاندرز قبل وصولهم إلى تلك الأرض المستوية المحاطة بالأشجار حيث يقدِّمون القرابين للووركرز؛ لكي يرتِّبوا صفوفَهم، بينما حجبتهم الخمائلُ الكثيفة، التي أحاطَتْ بالمكان، عن الأنظار. تَهامَس الهايلاندرز فيما بينهم وهم يرتِّبون سلالهم، بينما قام شخص كان يقف خلف إيان بتعديل حقيبة ظهره.
فجأةً، بدأ قرع الطبول وشقَّ رئيسُ القبيلة طريقَه بين الأشجار، ووصل إلى مكان تقديم القرابين ثم تَوقَّفَ فجأةً. تدافَعَ الهايلاندرز من خلفه على إثر توقُّفه المفاجئ واصطدم بعضهم ببعض؛ الأمر الذي أدَّى إلى اصطدام السلال بعضها ببعض، وسقوط عددٍ منها على الأرض. اضطرب إيقاع الطبول وتلاشى صوتها تدريجيًّا مع دخول الهايلاندرز إلى مكان تقديم القرابين واحدًا تلو الآخَر، إلى أن توقَّفوا جميعًا غير مصدِّقين ما أمامهم.
كانت الصناديق خاليةً.
لم يكن يوجد في الصناديق سوى حِفنة من الجواهر المحطَّمة في قاع واحد منها؛ أما بقية الصناديق فكانت خاليةً تمامًا. هبَّت زوبعة رملية، وأحدَثَ مِفصلٌ في أحد الصناديق صوتًا كالصرير. لوهلةٍ، استقرَّتْ أنظارُ الجميع على تلك الزوبعة الصغيرة التي أخذت تضرب الأشياء بعشوائية عند سفح الجبل.
ولكنَّ صوتًا عاليًا أفزَعَهم وأيقظهم من شرودهم في ذلك المشهد.
كان ذلك هو صوت رئيس القبيلة الذي سار إلى الأمام تاركًا خلفه الهايلاندرز المسئولين عن هذا الجبل وقال: «حسنًا يا جماعة، ليس ثمة ما يدعو للقلق، لدينا الكثير من الجبال كي نتفقَّدَها اليومَ، دَعُونا فقط ننتقل إلى موقعِ تقديمِ القرابين التالي.»
استأنَفَ قارِعو الطبول قرْعَ طبولهم في حماسٍ، واستمروا على ذلك طوال الطريق أملًا في أن يساعد ذلك على تحفيز بقية الهايلاندرز. وهكذا، تفشَّتْ روحٌ متفائلة بين صفوف الهايلاندرز، وبدأ الجميعُ في التشوُّق للحصاد التالي إلى أن وصلوا إلى موقع آخَر ووجدوه خاليًا من الجواهر؛ لم يعثر الهايلاندرز على شيءٍ في هذا المكان سوى بعض الصناديق الخالية تقريبًا.
استمرَّ الوضْعُ على تلك الحال وهم يتفقَّدون جبلًا تلو الآخَر طوال ساعات الليل.
بحلول الوقت الذي كان فيه الهايلاندرز قد وصلوا لأبعد جبل، كان الخوف قد تَمكَّنَ منهم. دخلوا إلى موقع تقديم القرابين دون أي مظهر احتفالي يُذكَر، وتقدَّموا في مجموعاتٍ تضمُّ شخصين أو ثلاثة، إلى أن توقَّفوا غيرَ مصدِّقين ما يرونه.
لم يتوقَّع الهايلاندرز العثورَ على شيءٍ في ذلك المكان، ولكنهم وجدوه عامرًا بالصناديق التي اكتظَّتْ بالياقوت الأحمر والياقوت الأزرق والزمرد؛ كانت الجواهر مكدَّسةً في أكوام على الأرض أو في براميل؛ مما يشير إلى أن الحصاد كان وفيرًا بحيث لم تستطِعِ الصناديقُ استيعابَه.
سأل رئيس القبيلة وكان آخِر مَنْ يصل إلى الموقع: «ما الذي يجري هنا؟» كان لاهِثَ النَّفس، يدقُّ عكَّازَه على الأرض بصوت مسموع. في تلك اللحظة، كان الرئيس يشقُّ طريقَه بين الحشود في غضب وارتباك، إلى أن توقَّفَ مذهولًا من المشهد الذي رأته عيناه. استدار الرئيس وتفقَّدَ الحشد الذي أمامه ثم سأل: «مَنِ المسئول عن هذا الجبل؟»
أجاب أحدهم: «إيان هو المسئول.» الْتَفت الرئيس إلى الوراء كي يبحث عن الشاب، ثم سأل: «إيان، أين أنت؟»
شقَّ إيان طريقَه بين الهايلاندرز ووقف أمامهم.
سأل رئيس القبيلة وهو يشير بحركات عشوائية نحو الجواهر التي كانت وراءه: «ها أنت ذا. أنا … ماذا فعلتَ … كيف فعلتَ …»
ردَّ إيان في هدوء: «لستُ أنا مَنْ فعل ذلك.»
نظر إليه الرئيس نظرةً متحيِّرة.
قال إيان وهو ينظر مبتسِمًا نحو الجواهر التي كانت وراء رئيس القبيلة: «بل نحن.»
صاح عدد من الهايلاندرز في دهشة.
لم يلتفت رئيس القبيلة مباشَرةً عند سماعهم وكأنه كان يخشى ما سيراه، ولكنْ عندما التفَتَ لم يكد يصدِّق عينَيْه؛ كان ثمة أشخاصٌ يقفون بين الجواهر … أيُعقَل أن تكون رؤيته سليمةً؟ … هل كان هؤلاء هم … غير المرئيين؟
تركه إيان وتَقدَّمَ ليقف أمام المجموعة بجانب ستار.
قال إيان مشيرًا إلى الأشخاص الذين وقفوا صامتين بين الصناديق: «هؤلاء هم الووركرز الذين يعملون تحت إدارتي، وهذه ستار، وهي واحدة من أنبغ عُمَّالنا وأكثرهم موهبةً.»
نظرت ستار إلى إيان وابتسمَتْ.
استطرد إيان: «لقد عانى الووركرز دون أن يلتفت أحدٌ لهم، ولكنهم في حاجةٍ لأنْ نراهم، ونحن في حاجةٍ إلى أن نراهم إذا كنَّا نريد أن ننجح جميعًا. من دون الووركرز سنختفي كلُّنا.»
راقب إيان حركةَ عينَيْ رئيس القبيلة وهو ينظر إليه تارةً، وإلى الووركرز تارةً، وإلى الجواهر التي افترشَتِ الأرضَ تارةً أخرى. لقد حلم إيان بهذه اللحظة وتَخيَّلَ نفسَه وهو يقف في هذا المكان وقفةَ المنتصِر ومن خلفه الووركرز، ولكنه أدرك في تلك اللحظة أن تلك الصورة فيها عيبٌ سرعان ما أدركه؛ وحينها، تردَّدَ للحظة ثم تراجَعَ إلى الصفوف الخلفية ليقف وراء الووركرز.
سمع إيان أصواتًا تهمس في حماس من حوله، واقترب بعض الهايلاندرز في حَذَرٍ ليتفقدوا الجواهرَ الرائعة، ثم انضمَّ إليهم عددٌ من غير المرئيين، وتبادَلَ الطرفان الحديثَ في خجلٍ.
وقف إيان وراء الووركرز، وقد ساوره شعورٌ غريب بأن هذه هي المرة الأولى في حياته التي يشعر فيها أنه مرئي، وأن جهودَه ملموسةٌ إلى هذه الدرجة.
(١) نتائج واضحة
(١-١) العائدات المادية لإدراك جهود موظَّفِيك وتقديرها
ماذا لو كانت ثمة استراتيجية واحدة تتيح لك تحقيقَ كل أهداف شركتك دفعةً واحدة؟ ألن يكون ذلك رائعًا؟ حسنًا، إليك طريقةَ عملِ هذه الاستراتيجية: إنَّ ولاءَ العملاء وولاءَ المستثمرين لشركتك يعتمد كليًّا على مدى تفاني موظفيك وانخراطهم في العمل وولائهم للشركة؛ الأمر الذي يحفِّز الأداءَ الوظيفي المرتفع. وما السبيل إلى رفع معدلات تفاني الموظفين وولائهم؟ الإجابة هي: تقدير الموظفين.
والتقدير يبدأ بمديرٍ لديه الرغبة في أن يقدِّم موظفيه على نفسه، وأن يقف خلفَهم كي يدعهم يستمتعون بالتقدير.
يشرح ماركوس باكينجهام، مؤلِّف كتاب «الشيء الوحيد الذي تحتاج إلى معرفته»، الأمرَ قائلًا: «إن المديرين الجيدين ليسوا في حاجةٍ إلى أن يُذكِّرَهم أحدٌ بأهمية المدح والثناء. إنَّ هؤلاء المديرين، على ما يبدو، لديهم ما يكفي من الحَدس كي يدركوا أن الثناء على الموظفين ليس مجرد ردِّ فعلٍ على الأداء الرائع الذي يقدِّمونه في العمل، بل هو سبب فيه.»
ثمة شيء رائع يحدث عندما يلاحِظ الموظفون أن مديريهم قد بذلوا جزءًا من وقتهم وجهدهم الثمين من أجل العمل على تكريمهم؛ إنَّ مثل هذا الأمر يسمح لهم بجرعةٍ من الغرور. (دَعْنا نكُن صُرحاء، مَنْ منَّا لا يحب أن يُثنَى عليه وينال التقدير؟) وثمة ما هو أكثر من ذلك؛ حيث يُوجِد التقديرُ لحظةً مشتركة بين المدير والموظف؛ هذه اللحظةُ المشتركة بما تحمله من احترام متبادَل، تشكِّل أساسًا تقوم عليه علاقةٌ عاطفية وثيقة بين الشركة والمدير والموظف، وبفضل هذه العلاقة سيصبح الموظف متفانيًا في عمله وملتزمًا به، وستنمو لديه الرغبةُ في أن يمنح الشركةَ شيئًا آخَر بجانب الوقت الذي يقضيه في العمل؛ الأمر الذي يعزِّز ثقافةَ العمل في الشركة، ويمكِّن المديرين من إنجاز أعمالٍ أكثر لصالح الشركة، من خلال جهود الأشخاص الفعليين الذين ينجزون العمل؛ أيِ الموظفين. باختصار، ستتمكَّن من خلال هذه العلاقة أن تكوِّن قوةً عاملةً متفانِيةً في أداء عملها.
كيف يبدو الموظف المتفاني في عمله إذن؟ إنَّ الأمر لا يتعلَّق بمظهر الموظف بقدرِ ما يتعلَّق بالأسلوب الذي يتعامل به مع عمله. إنَّ الموظفين المتفانين يهتمون بجودة عملهم وجودة شركاتهم، كما أنهم يستمتعون بالعمل الذي يؤدونه. ولكن أسهل طريقة لمعرفةِ ما إذا كانت القوة العاملة بشركةٍ ما تتَّسِم بالتفاني أم لا، هي أن تنظر إلى صافي الدخل الذي حقَّقَتْه الشركة على المدى الطويل؛ أيْ أنْ تنظر إلى المحصلة النهائية المتحقِّقة.
وفقًا للعمل الذي نفَّذَته شركة هويت في مجال التفاني الوظيفي، فإن «ثمة علاقة وثيقة تربط بين التفاني الوظيفي والمعايير الأساسية لنجاح الشركات؛ مثل: معدلات الإنتاجية، والاحتفاظ بالموظفين، ورضا العملاء، والعائدات الإجمالية لحاملي الأسهم، ومعدل نمو المبيعات. ولقد أدركت المؤسسات، التي نجحت في تحسين معدلات التفاني لدى موظفيها، أن ذلك التحسُّن قد أدَّى إلى تحسُّنٍ في معايير النجاح لديهم».
يروي لويس إيه ميشكيند ومايكل إيروين ميلتزر، في كتابهما الذي يحمل عنوان «العائدات الضخمة لتلبية رغبات الموظفين»، النتائجَ التي صدرت عن استطلاعِ رأيٍ أَجْرَتْه شركةُ سيروتا الاستشارية. من بين ٢٨ شركة خضعت لهذه الدراسة، شهدت ١٤ شركة — وكانت كلها شركات يتمتع موظفوها بروح معنوية عالية — زيادةً في أسعار الأسهم بمتوسط ١٦ بالمائة، وذلك في الوقت الذي كان فيه متوسطُ الزيادة في أسعار الأسهم بالسوق ٦ بالمائة؛ أما الشركات الست التي كان موظفوها يعانون من انخفاض في روحهم معنوية، فقد ارتفع سعرُ أسهمها بنسبةٍ لم تتخطَّ ٣ بالمائة.
لكن، قد يكون أبلغ دليلٍ على وجود علاقة إلزامية وطيدة بين تقدير الموظفين ومعدل صافي الدخل للشركات، هو على الأرجح الاستطلاع الذي أجريناه على ٢٦ ألف موظف من كل المستويات في ٣١ مؤسسة. أجرت لنا استطلاعَ الرأي منظمةُ هيلثستريم البحثية، وقد تَبيَّنَ من الاستطلاع أن ثمة علاقةً مباشِرةً بين تقدير الموظفين وهامش التشغيل وعائدات الملكية وعائدات الأصول.
في الشركات التي سجَّلَ موظفوها أقلَّ نسبةِ موافَقةٍ على عبارة «تقدِّر مؤسستي التميُّز» في الاستطلاع، بلغ متوسط نسبة العائد السنوي على حقوق الملكية ٢٫٤ بالمائة فقط. وعلى النقيض، وصلَتْ نسبةُ متوسط العائد على حقوق الملكية، لدى الشركات التي سجَّلَ موظفوها أعلى نسبةِ موافَقةٍ على العبارة نفسها، إلى ٨٫٧ بالمائة. بعبارة أخرى، حقَّقَتِ الشركات التي تقدِّر التميُّزَ على نحوٍ فعَّالٍ عائدًا أكبر، مقارَنةً بتلك الشركات التي لا يلقى فيها التميُّزُ هذا التقديرَ.
ولكن هذه مجرد معالجة سطحية للموضوع؛ حيث أظهرت الدراسة التي أجرَتْها مؤسسة هيلثستريم علاقةً مماثِلةً بين التقدير والعائد على الأصول؛ حيث كان العائد على الأصول لدى الشركات التي تتَّخِذ إجراءاتٍ فعَّالةً لتقدير الأشخاص المتميزين، يَفُوق ثلاثة أضعاف العائدات نفسها لدى الشركات التي لا تتَّخِذ إجراءات مماثِلة. وبما أن العائد على الأصول مقياسٌ لكفاءة الشركة في استغلال الأصول التي تملكها في تحقيق مكاسب، فهذا يعني أن الشركات التي تقدِّر تميُّزَ الموظفين، يمكنها استغلال ما تملكه في تحقيقِ إنجازاتٍ أكثرَ من تلك الشركات التي أهملت هذه الأداة المهمة.
بوجهٍ عامٍّ، الشركات التي لديها هامشُ تشغيلٍ كبيرٌ، عادةً ما تكون تكاليفها الثابتة أقلَّ وهامشُ الربح الإجمالي لديها أفضل؛ الأمر الذي يمنح تلك الشركات مرونةً أكبرَ في التسعير، ومزيدًا من الأمان خلال الأوقات الاقتصادية العصيبة. أما ما توصَّلَ إليه الباحثون، فهو أن تقدير الموظفين هو المعيار الأكثر تأثيرًا على هامش التشغيل مقارَنةً بالمعايير الأخرى. ووفقًا للبيانات التي لدينا، فإن الشركات التي سجَّلَ موظفوها أقلَّ نسبةِ موافَقةٍ على عبارة «تقدِّر مؤسستي التميُّز» في الاستطلاع، قالت إنها حقَّقَتْ هامشَ تشغيلٍ تبلغ نسبتُه ٦٫٦ بالمائة، بينما حقَّقَتِ الشركاتُ التي سجَّلَ موظفوها أعلى نسبةِ موافَقةٍ على العبارة نفسها، نسبةً تبلغ ١ بالمائة فقط.
أرقام كثيرة، ولكنْ وراء هذه الأرقام موظفون متفانون ومنتِجون. هل تعلم؟ ربما يكون لديك ما يكفي من الحَدْس كي تدرك أن التقدير له أثرٌ على الدخل الصافي للشركة طوال الوقت، ولكن الآن لديك ما يكفي من الحقائق كي تُثبِتَ صحةَ هذا الحَدْس.