مقدمة
في يوم ١٨ / ٦ / ١٩٩٦ صدر كتابي الأول بعنوان «مسرحيات إسماعيل عاصم: الأعمال الكاملة»، وفي مقدمته قلت: «يعتبر إسماعيل عاصم أشهر مجهول في تاريخ المسرح المصري. فكل ما نعرفه عنه أنه أحد رواد التأليف المسرحي المصري، وصاحب مسرحية «صدق الإخاء». التي اعتُبرت أثره الأدبي الوحيد، أو على أقل تقدير أشهر مسرحياته. وبقدر ندرة مَن كتب من النقاد عن هذه المسرحية ارتبط اسم إسماعيل عاصم بها. فعندما يُذكر اسمه يتبادر للذهن — وللوهلة الأولى — اسم «صدق الإخاء»، والعكس صحيح … فهذا هو إسماعيل عاصم، وهذه هي «صدق الإخاء»، لا أكثر ولا أقل.
وبسبب هذا التعتيم المُخيم على هذا الرجل، ابتعد عنه كل دارسي الأدب المسرحي على الإطلاق. فلم يجرؤ أي ناقد أو كاتب على التعرض له أو لأعماله المسرحية في مُجملها، لا عن تقصير منهم، بل لصعوبة الحصول على معلومات تكشف لنا حقيقة هذا الرائد، أو تكشف لنا عن آثاره الأدبية المسرحية.
ومن هنا بدأت رحلة البحث عن المجهول، وهذا المجهول، تمثَّل في البحث عن معلومات وثائقية، تكشف لنا مَن هو إسماعيل عاصم … وبدأت المرحلة الأولى في رحلة البحث من إشارة، مفادها أن إسماعيل عاصم ألَّفَ مسرحيته «صدق الإخاء» في أواخر القرن الماضي، ومن هنا بدأتُ، فذهبت أنبش سنوات القرن الماضي وسط ركام الأوراق الصفراء المتهالكة، فخرج منها إسماعيل عاصم كالعنقاء، ليحيا معنا ونحيا معه. فوجدناه مأمورًا لأحد الأقسام، ومفتشًا لأقسام العاصمة، ومحاميًا في المحاكم الأهلية، وثائرًا من ثوار الثورة العرابية، وشاعرًا ندًّا لمطران، وزجالًا، وأديبًا، وصحفيًّا، وخطيبًا بليغًا، ورئيسًا لجمعية أدبية، ومساندًا للمشروعات الخيرية، ومؤلفًا مسرحيًّا، وممثلًا هاويًا.
أما المرحلة الثانية في رحلتنا الشاقة، فكانت أصعب بكثير من الأولى، وتمثَّلت في الحصول على آثار إسماعيل عاصم المسرحية. فالمعلومات السابقة أثبتت أنه ألَّف أربع مسرحيات وترجم الخامسة، والمسرحيات المؤلفة كانت: «هناء المحبين» ١٨٩٣، و«حُسن العواقب» ١٨٩٤، و«صدق الإخاء» ١٨٩٥، و«الخِل الوفي» ١٨٩٧، والمسرحية المترجمة كانت «توسكا» عام ١٩٠١. ومن هنا كانت الصعوبة. أين توجد هذه المسرحيات؟! مع ملاحظة أنها تنتمي إلى القرن الماضي.
فذهبتُ إلى كل مكان، وطرقت كل باب، وسلكت كل سبيل من أجل الحصول على نصوص هذه المسرحيات … فدار الكتب المصرية، والمكتبات العامة، ومكتبات جميع الجامعات المصرية لا يوجد بها غير مسرحيتين فقط، هما: «الخل الوفي» و«توسكا»، ولسوء الحظ لم يخط قلم إسماعيل عاصم أي سطر منهما، فالأولى لمحمد المغربي، والأخرى لمترجمين آخرين، لم يكن رائدنا من بينهم.
وبذلك تحدَّد إنتاج إسماعيل عاصم المسرحي في الثلاث مسرحيات الأولى … وبعد فترة ليست بالقصيرة، مع العناء الشديد، تجمَّع بين يدي الكنز الثمين. ليخرج منه جواهر إسماعيل عاصم، متمثلة في أعماله المسرحية الكاملة، وهي نصوص مسرحيات: «هناء المحبين»، و«حُسن العواقب»، و«صدق الإخاء».
- أولًا: الاستمرار في البحث والتنقيب في الدوريات القديمة، التي أخرجتُ منها مادة وفيرة من آثار إسماعيل عاصم الأدبية، سواء في مجال الشعر أو المقامة أو المقالة، وهذه المادة خلا منها الكتاب الأول الذي اهتم بآثاره المسرحية فقط.
- ثانيًا: أصدر المركز القومي للمسرح والموسيقى كتابًا بعنوان: «إسماعيل عاصم»، بعد صدور كتابي الأول بأقل من شهر واحد،٢ وكأن إسماعيل عاصم المُهمل من قبل التاريخ والكُتاب والنقاد، أصبح فجأة محل اهتمام الجميع، وتوهمتُ في بادئ الأمر أن عملي ومجهودي العلمي قد ضاع هباءً، أمام عمل ومجهود مركز متخصص في مجال التراث المسرحي. فأين أنا كفرد من هذا المركز العريق المتخصص الكامل بكل إمكانياته واتصالاته وأجهزته الحديثة، ولأهمية الكتاب، من وجهة نظر المركز، كان يحرص كل الحرص في تحجيم خروج كل نسخة من نسخ الكتاب،٣ وبمرور الوقت استطعت الحصول على صورة من نسخة أحد الصحفيين. فوجدت الكتاب يتكون من دراسة محدودة كمًّا وكيفًا تقع في خمس عشرة صفحة، وباقي الكتاب البالغ ١٨٤ صفحة عبارة عن نشر نصوص إسماعيل عاصم المسرحية، وكانت المفاجأة — التي من أجلها كان المركز يحرص كل الحرص على عدم خروج نسخ الكتاب خارج جدرانه الأربعة في — أن الكتاب عبارة عن تشويه للرائد المسرحي إسماعيل عاصم ولتراثه المسرحي، وكان خوف المركز من انتشار كتابه نابع من تخوفه من رد الفعل عند المهتمين بالمسرح أمام هذا التشويه.٤
- ثالثًا: دار المحفوظات العمومية بالقلعة، ذلك المكان الأثري الذي يحتفظ بالوثائق التراثية الأصلية لأعلام مصر من الشخصيات التاريخية والسياسية، ولحسن الحظ أنه يحتفظ بثلاثة ملفات لإسماعيل عاصم تكشف لنا تاريخه الوظيفي منذ بداية عمله ككاتب بطنطا في عام ١٨٦٢ حتى وفاته في ١٢ / ٧ / ١٩١٩.
ولهذه الأسباب جميعها كتبت هذا الكتاب؛ حتى أُعيد إلى هذا الرائد مكانته الأدبية بصفة عامة، كما كان كتابي الأول الذي أعاد له مكانته المسرحية بصفة خاصة.
وبالله التوفيق …