مشهد ليلي
في اليوم التالي، انتشر الخبر في القرية مثل النار في الهشيم. صُدم الجميع وامتلأت قلوبهم بالشفقة على الراحلين، لكن كان الشعور الغالب هو الإثارة. كان سكان القرية من الرجال والنساء يمتازون بطيبة القلب والتسامح، لكنَّ كلَّ واحدٍ منهم رزح تحت وطأة نظرة السيدة سكودامور الوديعة التوبيخية، وحاجبَيها المرفوعَين في استنكار.
بينما كانت الآنسة أسبري تحكم القرية بقداستها العذبة، انشغلت السيدة سكودامور بحراسة الأعراف والتقاليد. لذلك كان من الطبيعي أن يشعر السكان بالإثارة عندما يرَونها تقع فيما لو وقع فيه غيرها لكانت أول من أنكرت عليه أشدَّ الإنكار.
عندما سمعت فيفيان ابنة العمدة بحادثَي الانتحار، صُعقت من هول الصدمة. كانت فيفيان تتبع بإخلاص القوانين التي سنَّتها السيدة سكودامور بحُكم شخصيتها القوية المُسيطرة؛ كونها فتاة مطيعة تلتزم بالأعراف والقوانين. لذلك لو كانت حادثة وفاة السيدة سكودامور العنيفة قد ملأت قلبها رعبًا، فإن قصة حياتها المزدوجة كانت ضربةً قاضية بالنسبة إليها.
أخذت والدة فيفيان تُثرثر بشأن الفاجعة في غرفة الجلوس الصباحية. فأشعلت فيفيان سيجارتها، وخرجت إلى حديقة الزهور، كي تبتعِد عن مرمى صرصرتها وأنينها.
لم تكن فيفيان تُدخِّن إلا فيما ندر، لذلك سرعان ما هدَّأ التبغ من روعها. كان الصباح مشرقًا — سماؤه صافية ونسيمه عليل — تلألأت فيه حبات الندى في بُقع صغيرة مُركزة على الممشى المزدان بالأزهار، حيث تدلَّت الأزهار المُتسلقة في عناقيد قرمزية اللون.
رغم الأنباء المأساوية، كانت فيفيان منشرحةَ الصدر في ذلك اليوم؛ إذ كانت تنتظِر رسالة من الميجور بلير. لم تكن قد رأته، منذ أن قاطعتهما جوان في تلك اللحظة الحرجة؛ إذ ذهب إلى لندن لقضاء بعض الأعمال. لكنه حادَثها هاتفيًّا ليُخبرها أنه سيُراسلها.
كانت فيفيان تعلم أن الميجور لن يرسل إليها أي رسائل أبدًا، ما دام بإمكانه استخدام الهاتف أو البرقيات؛ لذا أيقنت أنه سيفي بوعده حتمًا. وارتفعت آمالها، وهي تنتظِر ساعي البريد، الذي تأخر في الوصول إلى «ذا هول».
حاولت فيفيان التركيز على وصيفات العروس وخواتم الخطوبة، لكن أفكارها ظلَّت تُصِرُّ على العودة إلى السيدة سكودامور.
قالت: «كنت أخشاها كثيرًا. وكل هذا الوقت … لا أطيق التفكير في الأمر.»
ظهر ساعي البريد عند منعطف الطريق، فركضت فيفيان إلى بوابة المنزل لاستلام الرسائل. كانت الرسائل كثيرة، فحملتها فيفيان إلى طاولة ريفية بسيطة لفرزِها.
كان أول ظرف التقطَتْه يداها مُوجهًا إليها بخطِّ الرائد بلير الأسود السميك. ارتعشت أصابعها قليلًا وهي تفتحه. كانت الرسالة مُحرَّرة من ناديه، واستهلها بأكثر جملة افتتاحية يمكن أن تأسر الانتباه.
قال: «هل تقبلين الزواج بي؟»
تسارعت ضربات قلب فيفيان قليلًا؛ إذ لم تكن جيَّاشة العواطف، لكن وجهها الوردي الصغير انفرج عن ابتسامةٍ عريضة، وهي تقرأ الرسالة حتى وصلت إلى نهايتها المُرضية. بعد ذلك، تركت فيفيان الرسالة تسقط على الأرض، وأطلقت العنان لخيالها.
قررت: «ألماس.»
سرعان ما تفقدت فيفيان بقية الرسائل، ووجدت ظَرفًا مُوجهًا إليها بحروف مطبوعة في أسفل كومة الرسائل. فتحت الظرف، وهي تشعر بانقباضٍ مقيت، وأخذت تُحدق في الرسالة المكتوبة بخطٍّ مُضطرب غير واضح.
«لم تتزوَّجي بعد. تذكَّري، قد يحدُث كثير من الأمور بين ليلة وضحاها. انتظري حتى يعلَم الميجور ماضيك. حان دورك وسأكشف حقيقتك للجميع.»
أخذت فيفيان تضغط بأصابعها عبر خصلات شعرها في شرود، وفزعت من أول فكرة واضحة تشكلت في عقلها.
قالت: «حمدًا للرب لن تعرِف السيدة سكودامور بالأمر.»
بدأ الموقف يتكشَّف لها بوضوح، فأطلقت شعورها بالتوتُّر في صورة ضحكةٍ هستيرية.
قالت: «بالطبع سيأتي الخطاب الآن. لكن مَن أرسلَه؟ الشخص الوحيد الذي على معرفة بالأمر، لم يعُد يعبأ بالموضوع. لنفترض أنه مَن أرسل الخطاب بسبب شعوره بالغيرة. لكن هذا غير معقول. إذا اتهمتُه بذلك، فلن أجني شيئًا سوى فضح نفسي أمامه. أو ربما أُثير الشكوك في نفسه … يجب أن أتجاهل مسألة الخطاب. إنه أحد تلك الخطابات المتداولة في الوقت الحاضر. وصاحبها أصاب الهدف بالصدفة.»
كانت فيفيان تمتاز بهدوء الأعصاب، ولا تُصاب بالذُّعر بسهولة. واستجمعت الموقف في عقلها بصورةٍ أفضل من السيدة سكودامور؛ لأنها كانت تشعر براحة الضمير بشأن المسألة الأساسية.
لكن بينما كانت تسير الهوينى عائدة إلى المنزل، بدأ السمُّ يتسرب إلى جسدها وعقلها شيئًا فشيئًا، حتى قضى على بهجةِ عرْض الزواج. وأنشأ الشك ينسج خيوطًا سوداء صغيرة في عقلها.
حدثت نفسها: «لنفترض أن بلير تلقَّى خطابًا بشأني. سيمنعه غضبه الشديد من التعامُل مع الأمر بموضوعية. إنه يقيس الأمور بمعيارَين: أحدهما لنفسه والآخر للنساء. وسيوجِّه لي الأسئلة، وربما أكشف نفسي في أثناء ذلك … أو لعلَّ هذا خطاب حقيقي بشأن الكوخ. في هذه الحالة، فقد انتهى أمري. سيخجل بلير عند أدنى تلميحٍ بفضيحة.»
طاردها الخوف عبر الحديقة، وعبر الدرجات العريضة القصيرة المُفضية للشرفة.
تلكَّأت فيفيان قليلًا في الردهة، حيث تناهى إلى سمعها أصوات والدَيها من غرفة الجلوس الصباحية. لكنها بدلًا من أن تُخبرهما بشأن رسالة الميجور، تركت البريد في الردهة، وأجرت مكالمةً هاتفية إلى لندن.
لم تهدأ مخاوف فيفيان قليلًا حتى قبلت عرض الميجور عبر الهاتف. بعد ذلك، عدلت شعرَها الأملس الأشقر، ببعض الارتباك، ودلفت إلى غرفة الجلوس الصباحية، لتزف إلى والدَيها البشرى.
هتف العمدة: «ظننتُك ستبقَين عانسًا.»
قالت زوجته: «لم تشأ فيفيان أن تترك والدتها.» وأضافت في عجلة: «سأرسل الإعلان إلى صحيفة «التايمز» اليوم.»
اقترحت فيفيان: «من الأفضل أن تُرسليه هاتفيًّا. سيصِل أسرع.»
قالت زوجة العمدة: «سأفعل. لا بدَّ أن أُخبر ليدي دارسي على الفور. سأتصل بها … والسيدة سكودامور أيضًا.»
علق العمدة في كآبة: «ستواجهين عقبة في الاتصال بالسيدة سكودامور. لقد صار خطها خارج الخدمة للأبد.»
خفضت زوجة الشريف صوتها قائلة: «يا إلهي، نسيت. كم أنا مريعة! أريد أن أرسل زهورًا يا فيفيان. ولكن هل ستُقام لهما المراسم الجنائزية المعتادة؟»
أجاب العمدة بحدة: «الجثث التي ستدفن جثث عادية.»
قالت زوجة الشريف: «لم تفهم قصدي يا أوسبرت. هذا انتحار. ستكون هناك اختلافات على الأرجح. ربما تكون الزهور غير لائقة بالموقف … ليتَ أحدهم يخبرني كيف ستسير الأمور.»
أدركت زوجة العمدة أنها تفتقد السيدة سكودامور، التي لو كانت بينهم الآن، لعلمت كيفية التصرف في هذا الموقف الاستثنائي. وحتى في تلك اللحظة، راودها خوف غريب أن تسيء إلى حارسة الذوق العام، إذا ما أتت بشيء يفسد جنازتها.
طرفت السيدة بعينيها لتصرِف دمعة شاردة وقالت: «سأذهب لرؤيتها على أي حال، وسأنثر بعضًا من زهور الأقحوان في نعشها، حتى لا تراه الأعيُن. لكني أود أن أزف إليها نبأ خطبة فيفيان. كانت ستُسَر كثيرًا.»
لكن تبين أن ساعي البريد لدَيه هو الآخر أنباء مهمة ذلك الصباح. فقد أحضر إلى إيجناتيوس رسائل، من بينها رسالة واحدة قرأها إيجناتيوس باهتمامٍ شديد.
رفع إيجناتيوس بصرَه عن الصفحات الرقيقة المكتوبة على الآلة الكاتبة وهو يضحك ضحكة خافتة.
قال: «تلقيتُ للتوِّ تقارير من مُحققي السري. إنها تقارير قيمة في ضوء آخر التطورات. فهي تثبت أنني أسير على المسار الصحيح.»
قطَّب القسيس حاجبَيه.
وسأل: «هل تتدخَّل في الشئون الخاصة لأبناء أبرشيتي؟»
أجاب إيجناتيوس: «أخبرتك أنني فعلتُ ذلك. ألا تُصغي إليَّ أبدًا؟ لا أقول شيئًا خارج السياق.»
سأل القسيس: «حسنًا … ماذا وجدت؟»
ردَّ إيجناتيوس: «تاريخ قصير لسيدتَين بعينهما. لا تقلق. هذه التقارير في غاية السرية.»
«أرى الأمر غير لائق.»
«لن تعرف السيدتان على الإطلاق. فأنا أحترم الحدود. أرغب في استجواب القسيس العجوز الذي تناول الغداء هنا منذ بضعةِ أيام؛ لكني أعلم أنه ربما يجد الأمر مُهينًا، ويرفض تزويدي بالمعلومات، وسيكون له الحق في ذلك.»
تنهَّد القسيس تنهيدةً طويلة بطيئة.
وسأل: «متى ينتهي كل هذا؟»
ردَّ إيجناتيوس: «قريبًا، آمُل ذلك. لكن يجب أن نحصل على نموذج آخر لخطِّ يد صاحبنا المجهول أو بالأحرى الطابع البريدي الذي يستخدِمه. لا نملك سوى ظرف آنسة أسبري. وهُنا يأتي دورك.»
«كيف؟»
أجاب إيجناتيوس: «ألقِ عظة عن الفاجعة، وأوْلِ ذلك جهدًا خاصًّا. استخدِم ما يمكنك من أساليب الإقناع القوية. ولا تطلُب من رعيتك إطلاعك على أسرارهم؛ لأنك لن تحصل عليها. لكن اطلب منهم الظرف الذي أُرسِلت فيه الرسائل. قد يكون أحدهم احتفظ بظرفه.»
سأل القسيس مذعورًا: «هل تعني أن هناك رسائل أخرى غير رسائل السيدة سكودامور؟»
قال إيجناتيوس: «لقد ذاع نبؤها في القرية يا عزيزي. وعرف بأمرها الجميع عدا أنت.»
تلقى القسيس السخرية في صمت. فقد هالَهُ أن يعلم أنه طوال هذا الوقت كان أنبوب مجارٍ سامٌّ يتدفق تحت سطح نهره الصافي الرقراق. لقد تلوَّثت القرية بتيار سُفلي معاكس.
قال القسيس: «ممتاز. سأبذل قصارى جهدي كي أُحفز أحدَهم على أن يتكلَّم.»
في الوقت الذي انتظر فيه العالَم كله أربعًا وعشرين ساعة حتى الإعلان عن خطبة فيفيان رسميًّا، انتشر الخبر محليًّا في غضون وقتٍ قصير، عن طريق شبكة اتصالات القرية اللاسلكية المعتادة. وكان الخبر بمنزلة ترياقٍ لطيف لمأساة عائلة سكودامور.
شخص واحد فقط لم يبعث فيه الخبر سرورًا لا تشوبه أنانية، وهي جوان بروك.
ظلت جوان قلقةً وتعيسة لحالها، وكانت صادقة في ذلك أيما صِدق حتى إنها لم تحمل نفسها على الفرح لفتاةٍ لا تُحبها لما حلَّ بها من سعد.
في ذلك المساء، بعدما اختفت الشمس وراء الأفق، قابلها إيجناتيوس وهي تسير في ساحة خائرة القوى بائسة.
فسألها: «هل تغلبت على خوفك من الظلام إذن؟»
ابتسمت جوان إذ سُرَّت لصحبته الخبيثة لأول مرة.
«أنتَ تمزح، أليس كذلك؟ لديَّ قبضتان وطقم كامل من الأظافر وأيضًا رفسة مثل رفسة الكنغر … مرحبًا يا إيدي.»
سكتت جوان لتحية فتاة طويلة القامة مفرطة النمو، تبلغ من العمر نحو ستة عشر عامًا، خرجت لتوِّها من جادَّة تُظلِّلها أشجار الكستناء. كانت الفتاة تحثُّ الخُطى وهي تتناول قطعةً مثلثة الشكل من فطيرة الكورنيش، وتحشر قشرتها الخارجية في فمِها، كي تبتلِعها بسرعة.
واصلت جوان: «هل تأكلين كالعادة؟ ستخسرين مُحيط خصرك النحيف. لو رآك أحد لظنَّ أنكِ محرومة.»
اعترضت إيدي: «لا يا آنسة. لديَّ الكثير من الطعام في بيتي. لكن أُمي كانت تخبز وأعطتني هذه القطعة كي أتذوَّقها.»
تأمَّلت جوان قوام الفتاة وهي تبتعِد عن المكان.
وقالت: «تلك الفتاة تُثير قلقي. تذهب إلى المنزل كل مساء لزيارة أمها، وألتقي بها في طريق عودتها وهي تتناول الطعام دائمًا. الغريب في الأمر أنها تزداد نحافة. بمَ تُفسر ذلك؟»
كانت هذه فرصة إيجناتيوس واقتنصها.
قال: «من الواضح أنها لا تحصل على ما يكفيها من الطعام في بيت مخدومتها، ولا تجرؤ على الشكوى، بسبب تحيُّزات أهل القرية. وربما أن والدتها فقيرة، وتعتمِد على أموال الصدقات.»
«أصبتَ الهدف. إن مخدومة هذه الفتاة سخية وتقوم بالكثير من أعمال الخير. لكنها في غاية الرُّقي وترى أنه من غير اللائق تناول الكثير من الطعام. فتقتسِم هي وابنتها بيضةً واحدة على الغداء، كما أن العجوز التي تتولى مسئولية طهي الطعام وتدبير شئون المنزل مومياء عجفاء وتفعل الشيء نفسه … هذا ليس بخلًا. هنَّ ببساطة لا يفهمنَ أن أي فتاة في مرحلة النمو تزداد شهيتها للطعام. أتوقَّع أنها تحصل على حصةٍ مُحددة من الطعام وأن هذه الحصة لم تتغير أبدًا. ألا يبدو الوضع ميئوسًا منه؟»
أجاب إيجناتيوس: «هذا يوضح وجود فسادٍ في النظام الإقطاعي الذي يعمل بكفاءة هنا على ما يبدو. لا أشك في أن عائلة الفتاة أفضل حالًا من معظم الأُسَر التي تعيش على الإعانة الحكومية. لذلك من الطبيعي أن تمنعها أُمها من الشكوى.»
قالت جوان: «لو فعلت فلن يُصدِّقها أحد. لنتخيَّل، على سبيل المثال، أنني هاجمت سيدتها، حينها ستظن ببساطة أن إيدي تُطلق أكاذيب وستتهمني بإثارة الشغب. لا سبيل للتأثير عليها إلا بضغط الرأي العام. ولا أحد هنا — ولا حتى القسيس — يستطيع انتقاد إحدى ركائز الجماعات الخيرية.»
وهزَّت شعرها المعقوص في هيئة ذيل حصان في نفاد صبر.
وقالت: «ما فائدة الكلام عند العجز عن التصرُّف؟ سأتجول في القرية قبل أن أعود إلى المنزل. أُحب التجول في القرية عندما تضيء شوارعها المصابيح ويدلف الجميع إلى منازلهم.»
رافقها إيجناتيوس حتى نهاية القرية. كانت جوان صامتة مُعظم الوقت، تُحدق في الحدائق المظلمة الزاخرة بالزهور والمكتظة بخلايا النحل، أو تسير الهوينى لتتأمَّل النوافذ المضاءة.
استدارا عندما وصلا إلى امتداد القرية المُظلم وراء نزل «كينج هيد». وفي رحلة عودتهما، تحركت نفس جوان، وأطلعت إيجناتيوس على سِرٍّ آخر.
قالت: «دائمًا ما يسحرني منظر القرية في الليل. فهو يُذكرني بمشهدٍ من مسرحية. لديَّ صديقة كاتبة حوَّلت هذا المشهد ذات مرة إلى قصةٍ مسلسلة مثيرة. كانت تعتقد أن الجميع هنا يعيش حياة مزدوجة. المدهش أنها كانت على صوابٍ فيما يخصُّ عائلة سكودامور.»
سأل إيجناتيوس: «هل قالت إنهما غير متزوجَين؟»
أجابت جوان: «قالت إنهما يعيشان في الخطيئة، ونسجت حكايةً طويلة غير معقولة، تصف فيها منامة السيدة سكودامور الفرنسية المُضحكة السخيفة، ودلوًا من الشمبانيا مزدانًا بشريط وردي مربوط على هيئة عقدة.»
«وماذا قالت أيضًا؟»
«نسيت. أوه، ادَّعت أن الآنسة كورنر تحتسي الخمر سرًّا. وكان هذا أيضًا غريبًا؛ لأنني سمعت أنهم عثروا على زجاجة ويسكي داخل خزانة ملابسها. وقالت أيضًا إن الطبيب كان يُسمِّم زوجته.»
علق إيجناتيوس: «ليته فعل. لكنه لن يفعل. هل أخبرتكِ بشيءٍ آخر؟»
ضحكت جوان قائلة: «أنت فضولي. دعني أُفكر. ما سأُخبرك الآن به مُسلٍّ حقًّا. قالت إن الآنسة أسبري وحشٌ قاسٍ وإنها تسيء معاملة مرافقتها الضئيلة المسكينة.»
«أها. لنتحقَّق من الأمر.»
وقف إيجناتيوس خارج بوابات «سباوت» الحديدية المزدانة بالزخارف الدقيقة، ونظر عبر القضبان إلى طيف شجيرات الزنابق البعيدة. كانت قرقرة الماء الخافتة هي الصوت الوحيد الذي يُمكن سماعه. ولم يكسر الظلام ولو بصيص من الضوء.
همست جوان: «يتدفق الجدول تحت المنزل مباشرة. لذا تكون أرضية غرفة غسيل الصحون رطبة دائمًا. ألا يبدو المشهد غريبًا حين تتخيَّله يتسلَّل في الظلام؟»
«الأغرب من ذلك، بالنسبة إليَّ، هو إغلاق النوافذ في مثل هذه الليلة الحارة، وليس لديَّ سوى تفسيرٍ واحد لهذا الأمر.»
«ما هو؟»
«أن شخصًا ما لا يريد لأحدٍ أن يسمع صوته. فالصوت ينتقل إلى مسافةٍ بعيدة في الليل.»
وبينما كان يتحدَّث، تشبَّثت جوان بمعصمه. كان بالكاد يرى وجهها البيضاوي الأبيض وهي تُحدق إليه بخوفٍ عَبر الظلام.
همست جوان: «اصمت.»
قال إيجناتيوس وهو يسحبها من ذراعها فوق الأرض العشبية في إلحاح: «تعالي معي.» بعد ذلك، توقف عند مدخل مَمشى كواكرز وقال: «سأرافقك إلى «ذا كورت».»
هزَّت جوان رأسها وقالت: «لا. أريد أن أركض. وأركض.»
قال إيجناتيوس: «حسنًا. تُصبحين على خير. ولا تحلمي.»
وتهيَّأ للذهاب لكنه استدار فجأة.
وقال: «سأقول لكِ يا جوان ما قلته للآنسة ماك. إن وقعتِ في مشكلة، هل ستأتين إليَّ؟ ربما يمكنني مساعدتك.»
عضَّت جوان على شفتَيها.
وسألت: «لِمَ تضعني في نفس الخانة مع آنسة ماك؟ أنا لا أفهم حقًّا. لكن هذه هي حقيقة الأمر. عبث. تُصبح على خير.»
ثم قالت: «لا، انتظر. أريد أن أسألك عن شيء.»
ونظرت حولها، إلى الأرض العشبية التي يتخللها ضوء الشفق، قبل أن تتحدث.
«ما الذي سمعته الآن؟»
أجاب إجناتيوس: «سمعتُ ما سمعتِه. صوتُ امرأة … صوتٌ قاسٍ وغير مألوف. بعد ذلك، سمعت أنينًا خافتًا كما لو أن امرأة أخرى تصرخ من الألَم.»