الفصل التاسع

كوفنتري

رغم غياب سمة الخطر عنه، كان هناك دليل جديد على أن سُم الخطاب المجهول قد انتشر في الأرجاء، حين قرَّر الطبيب بيري وزوجته إقامة حفل التنس الذي يُقيمانه مرَّة كل سنتَين. كان هذا الحدث هو الثاني في برنامج القرية الاجتماعي دائمًا، وفقًا للعرف.

عندما ناقش الطبيب وزوجته قائمة أسماء المدعوِّين، ثارت ماريان ضد فكرة إدراج اسم الآنسة كورنر، لكن لدهشتها، لم يُعارض الطبيب بيري.

قال: «لا تَضمِّيها إلى القائمة قطعًا، إن كنتِ ترين الصواب في ذلك.»

وفي أثناء حديثه، نظر الطبيب إلى الشعر الأشقر الفاتح لميكي ابنه البكري، الذي كان يقفز مثل العلجوم في أنحاء غرفة الطعام. حتى رداؤه السروالي الأزرق حمل آثارًا لأمومة ماريان المُتفانية التي تمثَّلت في التطريز اليدوي الخفيف؛ وبينما كانت تتبعه بعينَيها المُحاطتَين بالهالات السوداء، وهو يسير في مسارٍ مُتعرج كمُخطَّطات درجات الحرارة، تغيَّر تعبير وجهها.

قالت: «لا. إنها بمنزلة دخلٍ سنوي بالنسبة إلينا. لا يُمكننا المجازفة بالإساءة إليها.»

ردَّ الطبيب بهدوء: «لا أرى خطرًا في ذلك. فجوليا أنضج من أن تُضمِر ضغينةً لأحد.»

أُرسِلت الدعوات أخيرًا، بعد شطب كثير من الأسماء غير المُهمة من القائمة؛ إذ كانت زوجة الطبيب انتقائية، وغريبة على القرية في الوقت نفسه؛ لذا لم تكتسب روح الطيبة التي تَسَع العالم كلَّه، التي كانت تُحرك كرم الضيافة في القرية.

لكن، عندما جاءت الموافقات، صُعِقت ماريان برفض إحدى الشخصيات المُهمة. لقد اعتذرت الآنسة أسبري عن الحضور؛ إذ كانت قد أعدَّت نزهةً لتناول الطعام على تلال داونز مكافأة للآنسة ماك.

قالت ماريان: «إنها تُسيء لي شخصيًّا فقط لأنني لم أدعُ مُرافِقتَها إلى الحفل. تبًّا، لماذا يجب أن أفعل ذلك؟ فالآنسة ماك لا تلعب التنس. ولا مجال للدخول المجَّاني إلى حفلي.»

واصل الطبيب ربط ذباب الصيد في صمتٍ، لكن زوجته كانت تعلم بما يدور في ذهنه. سيكون غياب الآنسة أسبري ملحوظًا.

قالت: «سيعتقد الحاضرون أن الآنسة أسبري لم تحضُر بسبب الآنسة كورنر. وسيبدو الأمر كأننا ننحاز لجانب الآنسة كورنر، وموقف الطبيب ينبغي أن يكون حياديًّا. والحق أن المكان هنا لا يتَّسع لهاتَين السيدتَين الوقورتَين معًا. لا بدَّ من إزاحة إحداهما عن المشهد بهدوء.»

وجاء الرفض الثاني بصدمةٍ أكبر؛ لأن زوجة العمدة اعتذرت عن حضور جميع أفراد منزل «ذا هول» بسبب وعكةٍ صحية. حتى الطبيب نفسه انفعل لذلك.

وسأل بحدة: «مَن مرِض منهم؟»

أجابت ماريان: «لم تذكر. حسنًا، لقد دُمِّرنا. سيفشل الحفل.»

تمتم الطبيب وهو يقرأ الرسالة التي كتبَتْها السيدة: «هذا جد غريب. لا يبدو أن زوجة العمدة تُدرك أن التذرع بمرضٍ ليس لي به علم يزيد الطين بلة. تُرى مَن الطبيب الذي استدعوه؟»

لاح الضجر في صوت ماريان وهي تقول: «أوه، لا يُوجَد مريض في العائلة يا عزيزي. هذه حُجة لا أكثر؛ لأنهم لا يريدون مقابلة صديقتك العزيزة، المؤلِّفة المشهورة التي لم يسمع بها أحد من قبل.»

في حقيقة الأمر كان رفض عمدة القرية دليلًا على احترامه لنفسه. فلم يُرِد أن يتذكَّر أنه حطَّ من قدره مع امرأةٍ غريبة الشكل مثل السيدة بيري.

عندما وصلت بطاقة الدعوة إلى منزل «ذا هول» صاح العمدة قائلًا: «أنا لا ألعب التنس.»

اقترحت زوجته: «يُمكنك مشاهدة المباراة.»

سأل العمدة مُستنكرًا: «أأشاهد حفنةً من الحمقى؟ إذا أردتُ مشاهدة التنس، فسأذهب إلى ويمبلدون.»

سألت زوجته: «أأعتذر إذن عن حضورك وأذهب أنا وفيفيان؟»

أجاب العمدة: «لا. اعتذري عن حضورنا جميعًا … هناك شائعة بشأن خطابٍ ما. ولا أريد أن يرتبط اسمي بفضيحةٍ في القرية.»

حزنت الزوجة إذ تقلَّصت فُرَص فيفيان في لقاء الميجور بلير؛ أما عمدة القرية فسَعِد لأنه وضع السيدة بيري في مكانها. ستفهم من رفضه أنه ليس كلبها ليأتي إليها عندما تُطلِق صفارتها. لا بد أن يحترس الرجل عندما يتعامل مع امرأةٍ مِثلها؛ لا يزال يتذكَّر كيف تلألأت عيناها تحت رموشها، وتحرك شعرُها على خدِّه، عندما همست في أذنَيه.

ومثلما توقَّعت ماريان، لم يُحقق حفلها النجاح المأمول، مع أن جزءًا من الذنب في ذلك يقع عليها. فقد حال انشغالها الزائد بنفسها واضطرابها دون إجادة دور المُضيف جيدًا؛ فكانت إذا تحدثت إلى ضيف شردت عيناها إلى مكانٍ آخر، وكانت نادرًا ما تُصغي إلى ما يُقال لها.

كان الجو، أيضًا، حارًّا خانقًا، مع سماء زرقاء مائلة إلى الرمادي بفعل ارتفاع درجة الحرارة، مما أدى إلى ذوبان المُثلجات في صحونها قبل تقديمها. لكن السبب الحقيقي وراء هذا الإخفاق الاجتماعي كان غياب الآنسة أسبري وجماعة منزل «ذا هول» عن الحفل.

كان ازدواج الواقعتَين يتعذَّر على التفسير ما جعل الضيوف يبدون حائرين يُفكرون في تفسير. ولم يكن هناك مفرٌّ من البحث عن إجابة سؤالهم بأنفسهم، وتوصَّلوا إلى النتيجة نفسها فيما يبدو؛ إذ عندما وصلت الآنسة كورنر لم يكن هناك ذلك التهافت المُعتاد لتأمين شريك لها في اللعب.

كانت الروائية أفضل لاعبة تنسٍ في المنطقة، رغم قصر نظرها، ولها ضربة أمامية قوية مثل ركلة الفرس. قدِمت الآنسة كورنر وهي تحمِل أربعة مضارب تحت ذراعها، وترتدي زيَّ التنس الأبيض الذي كان قصيرًا بلا أكمام، وواقيًا للعينَين.

تهلل وجهها الأحمر المرح، وهي تتأمَّل الملعب، في أثناء انتظارها لصفارة البدء.

قالت وهي تنحني إلى دائرة الجلوس في احترام: «ها قد وصلَت هيلين. أتساءل كيف تبدو مهاراتي. حسنًا، على أي حال، ستعلمون أنني لن أحاول ضرب كرتَين في المرة الواحدة.»

ودوت ضحكتها في أرجاء الملاعب، عندما أشارت إلى الشريط الأزرق الغامق الرفيع المُثبَّت إلى صدرها الأبيض كالثلج. لكنها سرعان ما سئمت التأخير.

وسألت: «هل نحن بانتظار قدوم الملكة؟ ما الذي يمنعنا من البدء؟ هل نقترع على مَن سيلعب في الظل؟ أين شريكي؟»

قبل أن يغدو الصمت مُحرجًا، أسرعت جوان بروك لإنقاذ الموقف.

وسألت: «هل تُمانعين اللعب مع شخصٍ جاهل يا آنسة كورنر؟ أنا لا أجيد لعب التنس على الإطلاق.»

هتفت الآنسة كورنر: «لستُ بالمهارة التي يمكن أن تؤرِّقني. فأنا أحب القتال حتى النهاية، مع تكالب كل الظروف ضدِّي. هيَّا يا ماكدوف.»

لم يبدُ على الروائية أي تأثر بخسارة شعبيتها، لكن كانت هناك لمعة في عينَيها خلف نظارتها، أنبأت عن استعدادها لفِعل أي شيءٍ من أجل الفوز. كانت هذه أول مباراة لها في الموسم، ومع ذلك أظهرت قوةً وسرعة مُنقطعتَي النظير. ولم تحظَ جوان بأي فرصةٍ لإظهار ما يُمكنها فعله؛ إذ كانت الآنسة كورنر تصدُّ كل الكرات.

سارت الآنسة كورنر إلى الشبكة وسدَّدت بقوة، مثل هوراشيوس وهو يُدافع عن الجسر، وراحت ترقص وتقفز فرحًا مثل فقمةٍ حانقة. وحين فازت بالمجموعة — بفضل براعتها فحسب — صافحت خصومها، ثم هنَّأت نفسها.

وعلقت: «سأعطيكِ الفرصة لتأخُذي بثأرك لاحقًا يا آنسة بروك. ما رأيك؟»

وابتسمت لجوان ابتسامةً مُشرقة، لكن القسيس لاحظ روحها القتالية، وتلهف ليُثبت لها أنه مقاتل.

توسَّل إليها قائلًا: «أُريدك أن تلعبي معي لاحقًا يا آنسة.»

ردَّت الآنسة كورنر: «ستتعلَّم الكثير باللعب ضدِّي يا أبتِ. ضعني في زاوية ضيِّقة، مُولِّية ظهري للحائط، وستَجِدني على قدْر التحدي.»

ومع أن الطبيب بيري وجوان والقسيس لم يتركوا جانب الآنسة كورنر مثل الحراس الشخصيِّين كأنهم قد اتفقوا ضمنيًّا على حمايتها من تلك المقاطعة المُبهمة لها التي عكست شعورًا عامًّا نحوها، لم تطلُب الآنسة خدماتهم.

همست الآنسة كورنر للطبيب بيري: «الحفل يفتقر إلى الإثارة قليلًا. دعِ الأمر لي يا هوريشيو. سأشعل الأجواء.»

كان الضعف المُثير للشفقة لحسِّها الفكاهي واضحًا، في أثناء تناول الشاي، حيث نفَّذت مقالب سخيفة، وطرحت ألغازًا عتيقة، وأطلقت دعاباتٍ تقليدية. كما اعتبرت أن عدم استمتاع الحاضرين بما فعلَتْه يعود إلى خللٍ لدَيهم.

والحق أن أغلب الحاضرين كانوا يشعرون بالارتباك وعدم الراحة. كان خبر امتناع الليدي دارسي عن استقبال الروائية في بيتها، قد انتشر في القرية، وشعر الجميع بالدهشة والصدمة؛ إذ كان في ذلك انتهاك لروح الكرم السائدة.

نسِيَت السيدة سكودامور الرقيقة — بسبب خداعها لنفسها الذي هو جزء من الطبيعة البشرية — أنها هي نفسها من بدأت هذا الاضطهاد، وانزعجت من المناخ العدائي للحفل. وفي وقتٍ لاحق، حين استرجعت ما جرى في الحفل، هنَّأت نفسها على حظِّها السعيد الذي حماها، فيما يبدو، من أي تواصل مباشر مع آنسة كورنر.

وفي المرة الوحيدة التي أخطأت فيها الآنسة كورنر وجلست بجوارها، كانت تُعطي وصفتها الشهيرة لجيلي النعناع لأحد الضيوف؛ لذا اضطرَّت بطبيعة الحال إلى التحديق في الفراغ حتى تركز في المقادير.

أما ليدي دارسي، فقد أومأت للآنسة كورنر إيماءةً مقتضبة، مُتجنِّبة بذلك تجاهلها بشكلٍ فظٍّ ومباشر؛ ولكنها ظلَّت تتجول بلا هدف، مثل بالون مربوط يترجرج على العشب لتتجنَّب اقتراب الآنسة كورنر منها.

بذلت الآنسة كورنر جهدًا جبارًا في مباراة العودة، ولعبت بطاقةٍ حماسية، وكانت تبدو كأنها محصنة ضد الفتور الاجتماعي والطقس الحار على حدٍّ سواء. لكن كان واضحًا من طبيعة تعليقاتها، حين تضرب الكرة خارج الملعب، أنها كانت تلعب من أجل الاستعراض.

هتفت: «اذهبي إلى … باث. أقصد … «اذهبي إلى كوفنتري». هذا أقرب.»

حرص المتفرِّجون على عدم تبادل النظرات فيما بينهم، وهم يُصفقون في أدب، احتفاءً بضربتها البارعة التالية.

وعندما فازت الآنسة كورنر بالمجموعة، هنَّأ الطبيب البطلة المُتقطعة الأنفاس.

قال: «ولا ضربة ثانية. لقد أفرطتِ في اللعب كالعادة.»

فخبطته في كتفِه، بتلك الأُلفة التي دائمًا ما كانت تُثير حنق زوجته.

قالت: «لا تقلق بشأني يا هوريشيو. ستنتهي مشاكلي قبل أن تبدأ مشاكلك.»

لم يبتسِم ونظر إليها بإمعان.

سأل الطبيب: «متى سترحلِين؟»

«أتطلُب مني الانصراف؟»

«بالطبع لا. لكن متى ستُسافرين في تلك العطلة؟»

ردَّت: «بعد غدٍ يا جدي.»

سألتها جوان في حسد: «إلى أين ستذهبين؟»

أجابت الآنسة كورنر: «إلى ولاية تيرول النمساوية. سأرتدي سراويل قصيرة، وقبعة مُزينة بالريش، وأنفخ بوقًا، وأذرع الجبال جيئةً وذهابًا طوال اليوم.»

سألت جوان: «هل ستُغلقين منزلك؟»

ردَّت: «بلى. إنه رحيل جماعي. ستذهب السيدة بايك في رحلة سياحية منظمة إلى بلجيكا، وماي إلى بلدة رامزجيت. سأصطحبهما بالحافلة إلى بلدة شلتنهام في الغد، وأتأكد من ركوبهما القطار الصحيح. وبعدها سأعود إلى القرية، وأنعم بليلةٍ هانئة وحدي. وفي عصر اليوم التالي، سأغلق المنزل، وأستقل قطار السفينة المسائي من محطة فيكتوريا.»

مسح الطبيب العرَق عن وجهه كأنه بدأ يشعر بالحرارة فجأة.

وقال: «جيد. التزمي بذلك البرنامج.»

وعدت الآنسة وهي تجمع مضاربها: «سأفعل. أين حقيبتي؟ مَن منكم سرقها؟»

وجد القسيس الحقيبة، تحت أحد المقاعد، فرفعتها الآنسة عاليًا وراحت تنشد:

«مَن يسرق محفظتي لن يضرَّني …

لكن مَن يسلُبني سُمعتي الطيبة، ينتزع مني ما لا يُغنيه ويُفقرني.»

لم تتوقف الآنسة عن الدعابة حتى النهاية، فانتزعت قُبعة القسيس، ومرَّرتها للحاضرين، وهي تُقهقه بصوتٍ عالٍ.

عندما قارن الطبيب تحرُّرها من القيود ومعنوياتها المُرتفعة بالضيوف المُهذَّبين وما أظهروه من انضباطٍ جبان، بدت له أنها الشخص الحي الوحيد وسط رفقة من الأشباح.

لكن الطبيب رآها ظلًّا، ينحسِر عن مسرح فارغ، بعدما أُسدِلت الستارة وتلاشى صوت نغمة عزَفَتها الأوركسترا في الصمت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥