كيف تنتهي الحفلة؟
أوقف «أحمد» سيارته بمحاذاة السُّورِ الخشبيِّ الذي يُطِلُّ على الحرس، حيث اعتاد أن يُوقِف زَوْرقه السريع بمدينة نابولي، ثم أخذ مُعِدَّات الصيد، وكذلك أدوات الغطس، وغادر السيَّارة إلى زَوْرقه.
كان الزَّوْرق من نوع جديد … شديد السرعة، مزوَّد بموتورين يعملان أحيانًا في وقت واحد، وأحيانًا أخرى يعمل كل واحد منهما منفردًا، حسب الحاجة … وضع «أحمد» معدَّاته في المخزن الخاص، وبدأ عمليَّة تنظيف الزَّوْرق الذي لم يكن قد استعمله منذ فترة طويلة.
كان «أحمد» مدعوًّا في ذلك اليوم إلى حفل سيُقيمه أحد الأصدقاء على يخت ضخم بعيدًا عن الشاطئ، وكان لا بُدَّ ﻟ «أحمد» أن يستقلَّ طائرةً من النوع الذي يهبط على سطح الماء … ولكن «أحمد» فضَّلَ استخدام زَوْرقه السريع الذي أعدَّه بمواصفات خاصَّة وبرسم معيَّن في ترسانة الإنشاءات بالمقرِّ السرِّي، وقد أحبَّ «أحمد» الزَّورق من أول نظرة؛ فقد حقَّقَ به حُلْمًا من أحلامه.
انتهى «أحمد» من عملية التنظيف السريعة، وبدأ رحلته إلى مكان الاحتفال على اليخت «شهريار»، على بُعد حوالي ٢٠ مِيلًا من شاطئ مدينة نابولي.
صاحب الحفل هو «سيف الدين»، أحد الشباب العربي، والذي يمُتُّ بصلة قرابة ﻟ «قيس»، ومن هنا جاءت صداقته للشياطين، الذين كانوا مدعوِّين جميعًا إلى الحفل … ولكن نظرًا لبعض المهامِّ العاجلة؛ فقد اعتذر البعض، أمَّا «قيس» و«بو عمير» و«إلهام» و«زبيدة» و«عثمان» فقد كان موعدهم هناك في العاشرة صباحًا … ولكنَّهم فضَّلوا أن يذهبوا إلى المكان على الطائرة الهليوكبتر الصغيرة … أمَّا «أحمد» فقد فضَّل الذهاب على زَوْرقه الصغير؛ حتى يتوقَّف بعض الوقت ليمارس هوايته المفضَّلة، وهي صيد السمك …
ولكنَّ الحظ لم يُحالِف «أحمد» كثيرًا، في المرَّات التي توقَّف فيها لم يتمكَّن من أن يصيد ولو سمكةً واحدةً … ولكنَّ الحظَّ تغيَّر في المرَّة الأخيرة، واستطاع بمهارته أن يصيد سمكة قرش صغيرة، يبلُغ طولها حوالي متر تقريبًا، واستطاع أن يَحقنَها بمادَّة مُخدِّرة، ووضعها في أحد الخزَّانات المُلحَقة بزورقه لتظلَّ حيَّةً، وفكَّر أن تكون هذه أحسن هديَّة يُعطيها ﻟ «سيف» في الاحتفال، وخاصَّةً أنَّ «سيف» يملك مجموعةً نادرةً من أسماك الزينة.
بعد حوالي ساعة ونصف من خروج «أحمد» من نابولي، بدأت بقعةٌ بيضاء في الظهور على بُعد، وكانت هي اليخت «شهريار»؛ حيث يُقام الاحتفال …
كان اليخت «شهريار» مفروشًا من الداخل على النِّظام العربي، وهو مزوَّدٌ ﺑ ٢٠ كابينة للنوم، وقاعة احتفالات كبيرة … أمَّا السطح فكان مُجهَّزًا بحمَّام للسباحة، ومكان يسمح بهبوط طائرة هليوكبتر …
اقترب «أحمد» من اليخت، وأوقف زَورقه بجانبه … وصَعِدَ على السُّلَّم المُعلَّق بجانب اليخت، ثم طلب من أحد بحَّارة اليخت أن يأتيَه بالصندوق الموجود على الزَّورق.
كان «سيف» في انتظار «أحمد» … وحيَّاه بحرارة، وسأله عن بقيَّة الأصدقاء، وأبلغه «أحمد» بأنَّهم سوف يَلحقون به على طائرتهم. ثم انضمَّ إلى الحفل، وأخذ «سيف» يُعرِّفُه على بقيَّة المدعوِّين … كان الأغلبيَّة من الشباب العربي والبعض من الأجانب.
بعد دقائق، جاء البحَّار وهو يحمل الصندوق، وسلَّمَه ﻟ «أحمد» الذي أعطاه بدوره إلى «سيف»، وكم كانت دهشته حينما فتحه ووجد بداخله تلك الهديَّة العجيبة … أسرع «سيف» إلى أحد الأحواض الزجاجيَّة المُعدَّة لسمك الزينة، ووضع فيها سمكة القرش الصغيرة، وتجمَّع المدعوُّون يشاهدونها بإعجاب … وخاصَّةً بعد أن بدأ يزول مفعول الحقنة المُخدِّرة، وبدأت السمكة تتحرَّك بسرعة وتخبط جدران الحوض الزجاجيَّة بعنف.
شكر «سيف» «أحمد» على هديته الجميلة … واستمرَّ الحفل مرَّةً أخرى، وذهب «أحمد» وأحضر لنفسه كوبًا من الليمون المُثلج، ووقف على أحد جوانب اليخت يشاهد البحر، وينتظر بقيَّة الشياطين …
بعد دقائق، أعلن «سيف» عن أُولَى مفاجآت الحفل، وهي إحدى فرق الألعاب البهلوانيَّة الجوِّيَّة … وبعد لحظة بدأت تظهر طائرات الفرقة عن بُعد، وهي خمس طائرات شراعيَّة … أربعة لونها أزرق، والأخيرة ذات لون أحمر، وبدأت الطائرات تقترب من اليخت على ارتفاع مُنخفض.
وبعد ذلك ارتفعت الطائرات فجأةً مُطلِقةً سَحاباتٍ كثيفةً من الدُّخان الملوَّن، ثم انقسم الفريق إلى ثلاثة أقسام، وقام الفريق المكوَّن من طائرتين بالتَّحليق على ارتفاع عالٍ جدًّا، حتى كادتا أن تختفيا عن الأنظار … بعد ذلك بدأت الطائرات بالهبوط بسرعة رهيبة في اتجاه اليخت، حتى تخيَّل بعض المدعوِّين أنَّ الطيَّارين قد فقدوا السيطرة على طائراتهم … ولكن على ارتفاع قريب جدًّا، انفصلت الطائرتان عن الفرقة، وعاودتا الارتفاع مرَّةً أخرى في حركة طيران بارعة انتزعت تصفيق المدعوِّين وأولهم «أحمد»، على الرغم من إلمامه الكامل بالطيران وقدرته على القيام بحركات انتحاريَّة تَفُوقُ هذه الحركات.
وبعد ذلك عادت الطائرتان مرَّةً أخرى، ولكن على ارتفاع منخفض، ثم ألقَتا بصندوقين، كلٌّ منهما مزوَّد بمظلَّة صغيرة، وقعا على سطح اليخت، وكان يحمل كلُّ صندوق منهما بعض الهدايا، وأسرع المدعوُّون إليها.
ثم بدأت الطائرتان الأخريان في الاستعداد للقيام بدورهما في الألعاب، وعند ذلك لاحظ «أحمد» أنَّ رجلين من المدعوِّين يتوجَّهان إلى جانب اليخت، ثم يركبان زَورقين من الزَّوارق التي تقف بجانب اليخت «شهریار»، وأخذ الزَّورق يبتعد في طريقه إلى الشاطئ.
لفت نظر «أحمد» ذلك المشهد، على الرَّغم من أنَّه يبدو عادِيًّا للجميع … ولكنَّ إحساسًا ما جعل «أحمد» يُتابع الزَّورقين وهما يبتعدان بسرعة …
لم ينتبه أحدٌ من المدعوِّين أو حتى «سیف» نفسه — صاحب الحفل — لما حدث؛ فقد كان الجميع مشدودًا يُتابع الفريق الثاني وهو يختتم حرکاته البهلوانيَّة بالاقتراب من اليخت، وقد قذف صندوقًا كبيرًا بمظلَّة، أخذ يهبط ببطء حتى ارتطم بسطح اليخت … وينفتح الصندوق … وتظهر بداخله كعكةٌ كبيرة. دُهش المدعوُّون لهذا المشهد، وصفَّقوا له … وبقيِتْ طائرة واحدة — ذات اللون الأحمر — تُحلِّق على بُعد في انتظار دورها في الألعاب بعد ذلك.
بدأت الطائرتان في الابتعاد، حيث جاء موعد الطائرة الأخيرة التي بدأت حركاتها بالتحليق السريع إلى أعلى، ثم الهبوط بحركة دائرية سريعة لفتت الأنظار، حتى اقتربت من سطح اليخت … ولكنَّها اعتدلت بمهارة فائقة لتُكمل سيرها بمحاذاة سطح البحر، وبعد ذلك اعتدلت الطائرة مرَّةً أخرى في اتجاه اليخت، وألقت بصندوقَين صغيرَين بدون مظلَّة ارتطما بسطح اليخت، ولم ينفتحا … أسرَع المدعوُّون إلى الصندوقَين بسرعةٍ للاحتفاظ بالهدايا الموجودة في الصندوقَين، ولكن بعد لحظةٍ واحدةٍ انفجر الصندوقان انفجارًا مُدوِّيًا، حوَّلَ اليخت «شهریار» في لحظةٍ إلى كتلة من النيران، وانقلب الحفل المُمتِع إلى مأساة من الجحيم …