العملاق القصير
نظر الشياطين لبعضهم البعض، وأخذ «أحمد» يتابع كلامه في عصبيَّة.
أحمد: إنَّ هذا الرجل لا يقول الحقيقة … فلم يكن هناك أيُّ حريق على ظهر اليخت …
بو عمير: أعتقد أنَّه من الأحسن لك أن ترتاح قليلًا، وتُتابع الحديث عن ذلك في صباح الغد.
تمدَّد «أحمد» في فراشه، واستسلم للنوم على الفور … بينما خرج الشياطين إلى الصالة.
وقال «بو عمير»: سأبعث بتقرير آخر إلى رقم «صفر» … أمَّا أنتم فالأفضل أن تناموا مُبكِّرين؛ فيبدو أنَّ الغد يحمل الكثير من الأحداث!
وافق الشياطين جميعًا، واتَّجهوا إلى غُرَفِهم، ودخل «بو عمير» غرفة الاتصالات …
كانت الساعة التاسعة صباحًا حينما خرج «أحمد» من حجرته، وقد تحسَّنَت حالته إلى حدٍّ كبير، وألقى تحيَّة الصباح على الشياطين، وانضمَّ إلى مائدة الإفطار، وبعد دقائق انضمَّ لهم «قيس» وهو يحمل في يده ورقةً، وقال: هذه هي قائمةٌ بأسماء المدعوِّين في حفل «سیف» أمس؛ ٢٥ اسمًا غير أسمائنا … معظمهم من الشباب العربي، كذلك هذه قائمةٌ بأسماء طاقم اليخت، وهم ثمانية بحَّارة والقبطان، وجميعهم من الإيطاليين، والشيء المُدهِش أن اسم الشابِّ الذي عُثر عليه أمس حيًّا لا يُوجد في القائمتين.
إلهام: ربَّما جاء مع أحد المدعوِّين، ولم يكن مدعوًّا في الأصل!
أحمد: وربما كان غير مدعوٍّ على الإطلاق … ثم نظر إلى «بو عمير» … أقصد ربَّما لم يكن على ظهر اليخت مطلقًا!
سكت الشياطين جميعًا، ثم بدأ «قيس» الكلام: وقد أخبرني السكرتير أنَّ هناك أحد المدعوِّين هو الذي اقترح فقرة الاستعراضات الجويَّة، وهو الذي اتَّفق مع شركة الطيران، ولكنَّ السكرتير لا يعرف اسمه، فقد كانت هذه الفقرة بمثابة هديَّة من هذا المدعوِّ إلى «سيف» في هذا الحفل.
أحمد: إذن فهناك عِدَّة خيوط علينا متابعتها؛ لعلَّها تصل بنا إلى معلومات … أولًا: أسماء المدعوِّين، وسيتابع «قيس» البحث فيها … والخيط الثاني: الشابُّ الذي تمَّ إنقاذه، وأقترح أن تكون مهمَّة «إلهام» التوصُّل إليه ومعرفة أيِّ أخبار قد تفيدنا عنه … والخيط الثالث معرفة المكان الذي اختفى فيه الطيَّار الذي قفز بالمظلَّة، وربما كان «بو عمير» هو أنسب شخص لهذه المهمَّة … ولا ينسَ بالطبع البحث في مكان سقوط الصندوق المعدِنيِّ الذي أسقطته الطائرة في الماء. أمَّا أنا و«عثمان» فسنكون معًا لمعرفة أيِّ معلومات عن الشخص الذي غادر اليخت قبل الانفجار، فأنا متأكِّد أنَّه إذا توصَّلنا إليه فسنضع أيديَنا على شيء هام.
إلهام: ولكن يا «أحمد» أعتقد أنَّ حالتك لا تسمح بأن تخرج وتشترك معنا في البحث …
أحمد: لا مفرَّ من الخروج يا «إلهام»، خاصَّةً أنَّ الرجلين اللذين غادرا اليخت قبل الانفجار لم يرهما أيُّ شخص غيري. وبالمناسبة، ألم تذكر الصُّحُف أيَّةَ معلومات عن الحادث؟
زبيدة: لم تذكر الصُّحُف أيَّ شيء ممَّا رأيناه أمس في نشرة الأخبار … ولكن ممَّا يؤكِّد كلامك بخصوص نقل حُطام اليخت من مكانه أنَّهم لم يذكروا أيَّ شيء عن الطائرة التي غرقت … معنى ذلك أنَّ حُطام اليخت فقط هو الذي نُقل … أمَّا حُطام الطائرة فقد ظلَّ مكانه أو اختفى نهائيًّا تحت الماء وهو الأرجح.
نظر «أحمد» في ساعته وقال: حسنًا، إنَّ الساعة تقترب من العاشرة؛ فليذهب كلٌّ منَّا لتنفيذ مهمَّته، ولنتقابل في الرابعة مساءً لنتبادل المعلومات.
وقف الشياطين واتَّجهوا إلى غرفهم ليستعدُّوا للقيام بمهامِّهم، وبعد نصف ساعة كانت سيَّارة «بو عمير» تقف في المطار السرِّي الخاصِّ للشياطين، ويستقلُّ طائرة هليوكبتر من نوع خاص، مزوَّدةً بأجهزة حسَّاسة للبحث عن المعادن وعن قاطع الإشعاع، وبعد حوالي ۲۰ دقيقةً من الطيران، كانت الطائرة تُحلِّق فوق النُّقطة التي كانت مرمًى لأحداث الأمس.
كان كلُّ شيء يبدو هادئًا طبيعيًّا … فدار «بو عمير» دورةً حول المكان، لاحَظَ أنَّ عدَّاد قياس الأشعة بدأ يعمل، وأنَّ مصباح لوحة الطائرة بدأ يُضيء بطريقة متقطِّعة، مؤكِّدًا أنَّ هناك منطقة إشعاعات ذَرِّيَّة ليست بعيدة.
وعلى مدار عشر دقائق استطاع «بو عمير» أن يُحدِّد الدائرة التي ينبعث منها الإشعاعات، وكم كانت دهشة «بو عمير» أنَّ هذه النقطة لا تبعد عن منطقة انفجار الأمس بأكثر من نصف مِيل فقط … وقرَّر «بو عمير» أن يهبِط بالطائرة على سطح الماء ليُحدِّد بدقَّة مكان الإشعاع … وبعد قليل سجَّلت أجهزة الطائرة أنَّ الإشعاع صادرٌ من عمق كبير في البحر يصل إلى ٥٠ مترًا، وسجَّلت الأجهزة أيضًا أصواتًا صادرة من العمق، وكأنَّها أصوات غوَّاصة متوقِّفة، ممَّا جعل «بو عمير» يتأكَّد من أنَّ هناك شيئًا ما يجري تحت سطح هذه البقعة، وأنَّ الطيَّار الذي سقط من الطائرة لا بُدَّ وأنَّ له صلةً بهذا الصوت المكتوم …
ثم أخذت أجهزة التقوية الخاصة بالأعماق في التقاط بعض الصور على عمق … وبعد فترة بدأت الأجهزة تلتقط أصوات زَورق سريع قادم على بُعد … فقرَّر «بو عمير» أن يبتعد بالطائرة؛ لكيلا يلفت الأنظار إليه.
في ذلك الوقت في ميناء نابولي، أوقف «عثمان» السيَّارة، ونزل مع «أحمد» إلى مكان الزَّوارق، وقابلا رجلًا يُدعى «أندريو»، وهو رجل في حوالي الخامسة والخمسين من العمر، ويُعتبر من أقدم عُمَّال هذا الرصيف الذي يستقبل الزَّوارق السريعة في الميناء.
وسأله «أحمد» إذا كان بالأمس شاهد قاربًا يقترب من الشاطئ يحمل رجلين؛ أحدهما بدین ويرتدي بدلةً بيضاء … ما بين الساعة العاشرة والنصف والحادية عشرة.
فأجاب الرجل بالنَّفي.
وسأله «أحمد» إذا كان مُتأكِّدًا من ذلك، فأجاب الرجل بأنَّه مُتأكِّد تمام التأكُّد؛ لأنَّه في ذلك الوقت بالذات كان يعمل عند مدخل الرصيف، ولا يمكن أن يدخل زَورق أو يخرج دون أن يراه … ثم سكت.
وسأل الرجل «أحمد»: هل هذا الرجل البدين له أربع أصابع فقط في يده اليسرى؟
صمت «أحمد» قليلًا، ولكنَّه قال: إنَّ الرجل كان في أغلب الوقت يضع يده اليسرى في جيب بنطلونه، وربَّما كانت يده بأربع أصابع فقط!
فقال الرجل: إنَّ رجلًا بهذه الأوصاف ربَّما يكون هو السيد «ماريو أندولیني»؛ فهو بدین وقصير ويُحِبُّ دائمًا أن يرتديَ البِدَل البيضاء.
أحمد: أين هو السيد «ماريو»؟ فنحن نريد أن نراه!
الرجل: إنَّ هذا الرجل يملك يختًا كان دائمًا يرسو بجانب اليخت «شهریار» الذي غرِق بالأمس؛ كانت هناك عَلاقة صداقة بينه وبين السيد «سیف» صاحب اليخت.
نظر «أحمد» إلى «عثمان» وقال: أعتقد أنَّ السيد «ماريو» هو رجلنا، فنحن نريد أن نقابله!
قال الرجل: للأسف؛ فقد أبحر باليخت أمس في الماء إلى جهة لا أعلمها، ولا أعلم المُدَّة التي سيغيبها.
أحسَّ «أحمد» و«عثمان» بأنَّهما وضعا أيديهما على خيط هام … وتركا الرجل واتَّجها إلى السيَّارة، وقبل أن يُدير «عثمان» المُحرِّك عائدَين إلى المقرِّ السرِّي، وجد «عثمان» لمبةً حمراء في لوحة القيادة، فرفع «عثمان» سماعة اللاسلكي؛ كانت «إلهام» على الطرَف الآخر من الخط … وقالت: ذهبت اليوم إلى المستشفى لأقابل الشابَّ المُصاب الذي ظهر على شاشة التليفزيون أمس، فوجدته قد طلب الخروج من المستشفى، وأن يُكمل علاجه في قرية صغيرة بالقرب من مدينة روما، فأخذت عنوانه لأذهب إليه في منزله، ولكنَّني لم أجده للأسف؛ لأنَّه لقِيَ حتفه أمس في حادث غريب … فقد اصطدمت السيَّارة التي أقلَّتْه من المستشفى إلى منزله بشجرة في الطريق السريع!