الصاروخ المجهول
نظر «عثمان» إلى «أحمد» وقد بدت الدهشة على وجهَيْهِما؛ فكلُّ الخيوط التي تظهر تختفي، قبل أن تدلَّهم على شيء!
سألها «أحمد»: هل الحادث يدلُّ على أيِّ شُبهة جنائيَّة؟
أجابت «إلهام»: حتى الآن لا … فلم يكن في السيَّارة سوی الرجل، والسائق الذي أُصيب إصابةً بالغةً، ولفَظَ أنفاسه قبل أن يصل إلى المستشفى!
أحمد: حسنًا، لنتقابل في المقرِّ بعد ساعة.
أغلق «عثمان» جهاز اللاسلكي، وقال: من فترة لم نُقابل مغامرةً بهذا التعقيد!
أحمد: لعلَّ «بو عمير» و«قیس» يكونان قد توصَّلا لشيء يقودنا إلى الطريق السليم!
وانطلقت السيَّارة الحمراء بسرعة مُخلِّفةً وراءها زوبعةً في التُّراب في اتِّجاه مقرِّ الشياطين في مدينة «نابولي»، وكان مقرُّ الشياطين يقع في أحد ميادين المدينة الإيطالية، يُدعی میدان «سان ريمون»، تتوسَّطه نافورة ضخمة في وسطها تمثال لرجلين يتصارعان.
وبعد حوالي نصف ساعة كانت السيَّارة تدخل جراج المقرِّ السرِّي، وينزل منها «عثمان» و«أحمد»، وقبل أن يُغلق «عثمان» بابه كانت سيَّارة «إلهام» تدخل إلى المقرِّ هي الأخرى.
كانت «زبيدة» — التي لم تُغادر المقرَّ — مسئولةً عن الاتصالات وإرسال التقارير إلى رقم «صفر»، موجودةً في غرفة الاتصالات تتلقَّى رسالةً من «بو عمير» … عن النتائج التي حصل عليها اليوم عندما ذهب إلى نقطة انفجار اليخت … قرأت «زبيدة» تقرير «بو عمير» على الشياطين، وابتسم «أحمد» لأنَّ الأمور بدأت تنكشف قليلًا، ونظر «أحمد» إلى «عثمان» وقال: إذن فالطيَّار الذي هبط من الطائرة لم ينجُ … فقد أكمل رحلته من السماء إلى عمق البحر!
زبيدة: سأرسل الآن تقريرًا إلى رقم «صفر» بكلِّ هذه المعلومات!
أحمد: أرجو أن يطلب من أحد عملائه متابعة المدعوِّ «ماريو أندولیني»؛ فمن المؤكَّد أنَّ أمورًا كثيرة ستتضِح إذا توصَّلنا إليه!
دخلت «زبيدة» لترسل التقرير، واتَّجه باقي الشياطين إلى غُرَفهم، واتَّفقوا على اللقاء مساءً … بعد وصول «بو عمير»، وكذلك بعد أن يصل ردُّ رقم «صفر»؛ فقد تأتي معلومات جديدة.
ولكن لم تمضِ أكثر من ساعة، ووصل «بو عمير»، الذي اتَّجه على الفور إلى معمل التحميض والطَّبع؛ لاستخراج الصور التي التقطتها أجهزة زَورقه الحسَّاس، وفي ظلام المعمل بدأت تظهر معالم الصور بالتَّدريج … حيث أظهَرَت أنَّه في قاع البحر شيءٌ يُشبه الغوَّاصة إلى حدٍّ ما … فهي أعرض من الغواصات التقليدية … كذلك يبدو أنَّها أكثر طولًا. وفي إحدى الصور التي صُوِّرَت من جانب آخر كان هناك شيء بجانب الغوَّاصة، يبدو فيها أنَّ ثمَّة بابًا يُفتح ويُغلق للدخول والخروج، وعلى بُعد — في الصور — كان هناك رجل يرتدي ملابس الغَوْص في طريقه إلى الباب.
أخذ «بو عمير» باقي الصور، واتَّجه إلى الشياطين الذين كانوا قد تجمَّعوا في الصالة، وعرضها عليهم … كذلك أعطى ﻟ «أحمد» الرسمَ البيانيَّ، الذي يدلُّ على وجود ذبذبة إشعاعيَّة في المكان الذي كان فيه «بو عمير».
وعلى الفور ذهب «أحمد» إلى أحد أجهزة الكومبيوتر، وقام بتغذيته بكل المعلومات التي حصل عليها «بو عمير».
وبعد لحظات ظهرت على شاشة الكومبيوتر البيانات التي طلبها «أحمد»، وهي أنَّ هذه الصور التي التقطها «بو عمير» هي صور لأحدث أنواع المعامل الذرِّيَّة الموجودة في العالم، وهذا النوع من المعامل يمكن أن يُجرَى العمل فيه تحت الماء، ولكنَّه محظور العمل فيه إلَّا بتصاريحَ معيَّنةٍ من الدُّوَل؛ لأنَّها تُنتِج واحدًا من أحدث أنواع الأسلحة النوويَّة في العالم، وهو عبارة عن صاروخ ينطلق من تحت الماء يمكن أن يسير بمسافة مائتي كيلومتر تحت الماء في اتجاه هدف مُعيَّن … وهذا الصاروخ يُوجَّه إلكترونيًّا عن طريق شاشات تليفزيونيَّة دقيقة جدًّا لا يُمكنها أن تُخطئ إصابة هدفها.
كانت المعلومات التي أظهرها الكومبيوتر خطيرةً جدًّا، ومفيدةً جدًّا أيضًا … وقال «أحمد»: في يوم الرِّحلة كان اليخت يُبحِر فوق هذا المعمل، ولمَّا كان اليخت «شهریار» مزوَّدًا بأحدث أجهزة البحث، فلم يكن هناك مفرٌّ من تحطيم هذا اليخت؛ حتى لا تلتقط أجهزته مكان المعمل وينكشف أمره، وعلى سبيل التَّضليل، نُقل حطام اليخت إلى مكان آخر حتى تضمن الجهة التي يتبعها المعمل عدم انکشاف أمره.
أوقف «أحمد» حديثه إلى الأصدقاء، والذين كانوا ينظرون إليه باهتمام بالغ … ثم أكمل: ولست أدري ما هي الجهة التي تمتلك هذا المعمل النووي … ولكن أعتقد أنَّها جهة قوية حتى يتوفَّر لها هذا التمويل القوي الذي يُمكِّنها من بناء هذا المعمل الحديث … وعلى كل حال، أعتقد أنَّ رقم «صفر» سيزداد اهتمامًا بالموضوع … فمِن مكان هذا المعمل يُمكن توجيه ضربات قويَّة للشواطئ العربيَّة على طول شاطئ البحر المتوسِّط جنوبًا!
قامت «زبيدة» إلى جهاز الإرسال، وبدأت في إرسال تقرير مُفصَّل لرقم «صفر» عن المعلومات التي حصلوا عليها، وكما توقَّع «أحمد»، فإنَّ رقم «صفر» أبدى اهتمامًا بالغًا بهذا المعمل الذرِّي؛ نظرًا لخطورته الشديدة … كذلك وضع رقم «صفر» كلَّ المعلومات المطلوبة، ومنها أنَّ «ماريو» أو «العملاق القزم» يرسو بِیَخته الآن على شاطئ جزيرة صغيرة تُسمَّى يوفاليس، تبعد أربعمائة مِيل من ميناء نابولي.
أسرعت «زبيدة» إلى باقي الشياطين، وأطلعتهم على تقرير رقم «صفر»، وعن البيانات الخاصَّة ﺑ «ماريو أندولیني»؛ الجانب الوحيد الذي كان ناقصًا في حلقة بحثهم.
قال «بو عمير»: لا بُدَّ أنَّ هذه الجزيرة تُعتبر حِصنًا ﻟ «ماريو»، يلجأ إليه في وقت الشِّدَّة … لذلك أعتقد أنَّ عمليَّة مهاجمة الجزيرة على جانب كبير من الخطورة، ثم ضحك وقال: الخطورة المُمتعة المُثيرة طبعًا …
قال «أحمد»: كالعادة سننقسم إلى قسمين … نُهاجم في وقت واحد كُلًّا من المعمل النوويِّ وجزيرة يوفاليس، وأعتقد أنَّنا يجب أن نُسرع في عمليَّة الهجوم؛ لأنَّه من الصور يبدو أنَّ المعمل لم يكتمل بعد … لذلك سأكون أنا و«إلهام» و«عثمان» في فريق … أمَّا الفريق الآخر سيكون من «بو عمير» و«زبيدة» و«قيس» … وسأكون أنا من الفريق الذي سيهاجم المعمل.
وقبل أن يقف الشياطين استعدادًا للمغامرة … أضاء جهاز الاستقبال، وأسرعت «إلهام» إليه لتتلقَّى الرسالة التي كانت في سطر واحد … «ناقلة بترول عربيَّة دُمِّرت على بُعد مائتي كيلومتر في عُرض البحر بطريقة غريبة!»