قلعة العملاق
بدأت الطلقات تُنير الظلام حول «زبيدة»، وهي مُعلَّقةٌ في الحبل، ولم يكن أمامها إلَّا القفز من ارتفاع بعيد … على الحشائش، وفي لحظة كانت «زبيدة» تُحلِّق في الهواء، في حركة بهلوانيَّة طالما تدرَّبَت عليها، ووصلت إلى الأرض ولم تُصَب بأذى.
إلَّا أنَّ موقف الشياطين أصبح خطيرًا … فقد أُضيئت مصابيح قوية وُجِّهَت ناحية الشياطين لكشف مكانهم، وأُطلقت بعضُ كلاب الحراسة الشَّرِسَة لكشْف موقع الشياطين.
ولكنَّ «زبيدة» أخرجت قنبلة دُخان من نوع خاص، ما كادت الكلاب تشُمُّه حتى أخذت تدور حول نفسها، وتفقد قُدرتها على تتبُّع الأثر …
وأسرع الشياطين بالجري ناحية الجانب الآخر للبرج، بعد أن ازدادت كثافة النِّيران الموجَّهة ناحيتهم.
وبعد أن وصل الشياطين إلى أحد الأسوار الذي كان واقيًا لهم، بدءوا في الردِّ على نيران الحَرَس بطلقات مُركَّزة قويَّة، من أسلحتهم الحديثة التي تعمل بالأشِعَّة تحت الحمراء، والتي تُمكِّنُ حاملها من مُشاهدة أيِّ شخص يسير في الظلام …
وبعد دقائق، تحوَّل الموقف لصالح الشياطين، وبدأ رجال الحرس في التقهْقُر، بعد أن سقط معظمهم جرحی، وبدأ الدَّور على الشياطين في الهجوم.
لكن كان قلق الشياطين الأكبر يتركَّز في خوفهم من أنَّ «ماريو» يشعر بالهجوم، ويُسرع بالفرار عن طريق السيَّارة الكاديلاك، التي سُرعان ما أصابتها «زبيدة» بطلقة من مدفع صغير تحمله على كَتِفِها حوَّلتها إلى كتلة من النيران أضاءت الليل …
والطريق الثاني كان اليخت الذي كان يربِضُ على بُعد مائتَي مترٍ فقط من مؤخِّرة القلعة، وكان تحديد مثل هذا الهدف غير المرئيِّ في الظلام أمرًا شديد الصعوبة.
ولكنَّ «بو عمير» — الذي يُعتبر من أكثر الشياطين مهارةً في استعمال الأسلحة الناريَّة — بدأ في استخدام مدفع صغير مُزوَّد بالأشِعَّة تحت الحمراء، وبشاشة تليفزيونيَّة صغيرة يستطيع بها تحديد موقع أيِّ شيء في الظلام وإصابته بدِقَّة.
وبعد لحظات، ظهرت على شاشة الجهاز نقطةٌ حمراء حدَّدَ موقعها «بو عمير»، ووضع قنبلةً في المدفع، ثم أطلق القنبلة التي أحدثت أزيزًا خافتًا، تلاها بأخرى بسرعة، وبعد لحظات جاء صوت انفجار الأولى … تلتها الأخرى بعد لحظات، وقد أصابتا الهدف.
وفي هذه اللحظة، كان «ماريو» وبعض الرجال في طريقهم إلى اليخت؛ كفرصة أخيرة للفرار … ولكنَّهم تراجعوا بسرعة إلى القلعة بعد أن شاهدوا اليخت كتلةً من النيران وسط البحر …
وبدأ الشياطين في الصعود على أحد السلالم الحجريَّة القديمة المُوازية للقلعة، والتي تلفُّ على أحد أبراجها القديمة في طريقهم إلى الطابق الثاني، والذي توجد به غُرَف التحكُّم والاتصال بالمعمل.
وفي المعمل كان «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» قد نجحوا في القضاء على جميع حَرَس غرف الماكينات، وبدءوا في زرع متفجِّراتهم في المكان، ولم يكن قد بقيَ من وقت تفجير المُتفجِّرات الأولى أكثر من عشر دقائق …
لم يعد أمامهم سوى غرفة المراقبة الرئيسية، التي تتحكَّم في المعمل وتُوجِّه الأسلحة، وهي أكثر الحجرات أهميةً، وعليها حراسة قوية …
وقبل أن يُكمل الشیاطین صعود السُّلَّم، سمعوا أجهزة الإنذار تدقُّ في المعمل كلِّه … وانتشر في المكان عدد كبير من الحَرَس المُسلَّحين … بدءوا في البحث عن الغرباء الذين تسلَّلُوا داخل المعمل.
وأخذ العدُّ التنازليُّ من عشرة إلى تسعة إلى ثماني دقائق … وعلى الفور بدأ الشياطين في تنفيذ مهمَّتهم، رغم الصعوبات الجديدة التي طرأت عليها … وبدءوا التوجُّه إلى غرفة الاتصال المرکزي.
وعلى السُّلَّم ظهر رجلان من الحرس يحملان مُسدَّسات، وقد فُوجِئا بوجود الشياطين على السُّلَّم، وقبل أن يُفيقا من المفاجأة، كانت رصاصتان من مُسدَّس «إلهام» قد قامتا بمهمَّة إسكاتهما …
وتابعَ الشياطين مسيرتهما إلى الحجرة العلوية، ولحُسن الحظِّ لم يُقابلهم أحد … ولكن حين اقتربوا من الغرفة وجدا أمامهما أكثر من خمسة رجال مُسلَّحين، وبحركة هادئة، أخرج «عثمان» من حقيبته قنبلةَ دخان صغيرة ألقاها على الأرض أمام الرجال، الذين بدءوا يسعلون بشدَّة قبل أن يستطيع أحدهم التخلُّص من القنبلة، وعند ذلك أصبحت مهمَّة الشياطين أسهل في الوصول إلى الغرفة …
واقتربت «إلهام» التي تضع قِناعًا واقيًا للغازات، ورشَّت بعضًا من محلولها القويِّ في أنوفهم، جعلت الرجال يسقطون في حالة تخدير تام …
واقترب «أحمد» و«عثمان» وفتحا الغرفة، كان بها ثلاثة رجال يعملون في جِديَّة … لذلك لم يلحظ أيٌّ منهم دخول الشياطين إلى الغرفة.
وعندما أغلقت «إلهام» الباب خلفها … نظر أحد الرجال ناحية الشياطين، فأسرع إلى سلاح قد وُضع على جانب المنضدة التي يجلس إليها …
ولكنَّ مُسدَّس «أحمد» كان أسرع، فأصاب الرجل في يده … ووقف الرجلان الآخران رافعَيْن أيديَهما …
وبسرعة بدأ «عثمان» و«إلهام» في توزيع بقيَّة المُتفجِّرات، ولم يكن قد بقيَ من الوقت إلَّا ستُّ دقائق حتى تبدأ أول مجموعة من المتفجِّرات في الانفجار.
وبسرعة شديدة انتهى الشياطين من مهمَّتهم، وأصبح أمامهم مهمَّة الخروج من المعمل إلى زَورقهم …
لاحظ «عثمان» أنَّ هناك بابًا في الجدار للطوارئ يُؤدِّي إلى ممر ضيق يصل إلى البحر … وكانت هذه فرصة الشياطين الذهبيَّة في الخروج من المعمل.
وبسرعة أخرجوا أنابيب الأكسجين الاحتياطيَّة الصغيرة، وعلَّقوها على ظهورهم … ولكنَّ الرجلين الآخرَين حاولا أن يمنعا الشياطين من فتح باب الغرفة، إلَّا أنَّ كرة «عثمان» أصابت أحدهما إصابةً جعلته يفقد الرُّشد، والثاني نال ضربةً قويَّةً من قدم «أحمد» أفقدته صوابه.
وبسرعة كبيرة وصل الشياطين إلى سطح البحر، حيث كان زَوْرقهم واقفًا في انتظارهم، وأسرع الشياطين إليه. وفي قوَّة انطلقت مُحرِّكات الزَّورق تحمله بعيدًا عن مكان المعمل، الذي لم يكن يتبقَّى على موعد انفجاره سوى ثلاث دقائق …
في ظلام الليل الحالك، وفي الصمت الرهيب الذي لم يكسره سوى صوت قارب الشياطين، اهتزَّ سطح البحر، وكاد زَورق الشياطين أن ينقلب؛ فقد بدأت المجموعة الأولى من المتفجِّرات في الانطلاق.
ابتسم الشياطين في الظلام؛ فقد تحقَّقَ نجاح سريع وغير متوقَّع.
وفي قلعة يوفاليس، كان الشياطين قد نجحوا في حصار مجموعة «ماريو» في إحدى الحجرات … وبعد لحظات، أيقن «ماريو» ورجاله أنَّهم هالكون لا محالة، ففضَّل أن يستسلم للشياطين على أن يلقى مصرعه. في صباح اليوم التالي، كانت أخبار القبض على الإرهابي «ماريو أندولیني» وتدمير المعمل تنتشر في جميع محطَّات الإذاعة والتليفزيون العالميَّة، وكان السؤال الذي طرحته الجرائد والمحطَّات هو: مَن الذي وراء كل هذه العمليَّة؟
وكان رقم «صفر» يقرأ ويُشاهد ردود الفعل العالمية، وهو يبتسم … ثم طلب إرسال برقيَّة إلى الشياطين اﻟ «١٣»:
«العالم كلُّه يتحدَّث عن القوَّة المجهولة التي حطَّمت أسطورة «ماريو» الخرافيَّة … وإنَّني لأشعر بالفخر؛ لأنَّني الرجل الوحيد في هذا العالم الذي يعرف الحقيقة … لقد أمرتُ بصرف مكافأة لكم جميعًا … أنفِقوها في إجازة مُمتِعة …»