الفصل الثالث
حجرة صاحب الفندق
المشهد الأول
صاحب الفندق
(يرتدي معطف البيت ويجلس في مقعد
وثير بجانب المنضدة وعليها نور يوشك أن يخبو، وأدوات
إعداد القهوة وغليونات وجرائد. بعد العبارات الأولى
ينهض ويرتدي ملابسه ويستمر في ذلك طوال هذا المشهد
وطرفًا من المشهد التالي)
:
آه! هذا الخطاب اللعين الذي حرمني النوم والراحة! لم
تكن الحادثة التي جرت في حقيقتها حادثة واقعية. ولكنه
لغز يبدو لي مستحيل الحل: إن الإنسان عندما يفعل الشر،
يفزع من الشر. ولمَّا لم تكن الحرفة حرفتي، فقد حلَّ
بي الخوف، وليس مما يليق بصاحب فندق أن يرتعد إذا
أحسَّ في الفندق بحفيف أو بوقع أقدام أو قرقعة،
فاللصوص أقرب أقرباء العفاريت! لم يكُن بالدار أحد، لا
زولَّر ولا ألتسست، ولا يمكن أن يكون مَن سمعت هو
الخادم، أما الخادمات فكُنَّ نيامًا ولكن قف! — لقد
سمعت في وقت مبكر، بين الساعة الثالثة والرابعة،
ضوضاء، هي صوت فتح باب زوفيه. ربما كانت هي العفريت
الذي هربت منه. كانت الخُطى خطى امرأة، بل خُطى زوفيه
على وجه التحديد. ولكن ماذا كانت تعمل هناك؟ — كلنا
نعلم ما تفعله النساء، إنهن يحببن دخول حجرات النزلاء
والتطلُّع إلى حاجياتهم وبياضاتهم وملابسهم. لو كانت
هذه الفكرة خطرت لي، لكنت فاجأتها وأرعبتها وضحكت
منها، ولكانت اشتركت معي في البحث عن ضالتي، ولكُنَّا
وجدنا الخطاب! لقد ضاعت الفرصة منا بلا فائدة! وأسفاه!
إن الأفكار الصائبة لا تخطر للإنسان في الوقت المناسب،
بل تخطر له بعد فوات الأوان.
المشهد الثاني
(صاحب الفندق – زوفيه)
زوفيه
:
أبي! هل يشغلك فِكر؟ …
صاحب الفندق
:
ألا تقولين صباح الخير؟
زوفيه
:
لا تؤاخذني يا أبي فإن رأسي تمتلئ بالمشاغل.
صاحب الفندق
:
لماذا؟
زوفيه
:
لقد ضاعت أموال ألتسست التي تلقَّاها منذ قليل
كلها.
صاحب الفندق
:
لماذا لعب القمار؟ إنهم لا يتجنَّبون القمار
قَطُّ.
زوفيه
:
لا، لم يحدث هذا! لقد سُرقت أمواله!
صاحب الفندق
:
وكيف؟
زوفيه
:
سُرقت من الحجرة.
صاحب الفندق
:
لعن الله اللص! مَن هو؟ بسرعة!
زوفيه
:
مَن يعلم؟!
صاحب الفندق
:
هنا في البيت؟
زوفيه
:
نعم، سُرقت من فوق منضدة ألتسست، من داخل
الصندوق.
صاحب الفندق
:
ومتى؟
زوفيه
:
هذه الليلة.
صاحب الفندق
(لنفسه)
:
هذا جزاء فضولي. فسيقع الذنب عليَّ، عندما تجدون
شمعتي.
زوفيه
(لنفسها)
:
إنه مذهول يكلم نفسه! هل تراه فعل هذه الفعلة؟ لقد
كان في الحجرة والشمعة تدينه.
صاحب الفندق
(لنفسه)
:
ترى هل فعلت زوفيه ذلك بنفسها؟ ويحي! إذَن لكان
الأمر أدهى وأمر! بالأمس كانت تريد مالًا، واليوم
بالليل كانت في الحجرة. (بصوتٍ عالٍ) تلك لعبة غبية! انتبهي!
إنها ستضرنا ضررًا بليغًا: فسُمعتنا معروفة بالطيبة
والثقة.
زوفيه
:
نعم! إنه لَممَّا يؤلم حقًّا أنها ستؤذينا، فسينتهي
الأمر إلى اتهام صاحب الفندق.
صاحب الفندق
:
أعلم هذا حق العلم! إنها فعلة سخيفة على كل حال. حتى
لو كان الفاعل واحدًا من البيت، فمَن الذي يستطيع
اكتشافه على الفور؟ هذه الفعلة تسبِّب لنا كثيرًا من
الكرب.
زوفيه
:
إنها تحطمني تمامًا.
صاحب الفندق
(لنفسه)
:
هه، ها هو ذا الخوف يتملَّكها! (بصوتٍ عالٍ فيه غضب
أكثر) أتمنى أن يعود إليه ماله، إن ذلك
جدير بأن يفرِّحني جدًّا.
زوفيه
(لنفسها)
:
يبدو أن الندم بدأ يتملكه! (بصوتٍ عالٍ) وهو عندما يسترد ماله، لن
يهتم بمعرفة الفاعل، سواء كان هذا أو ذاك، ولن يكون
بأحدٍ حاجة إلى الكشف له عنه.
صاحب الفندق
(لنفسه)
:
أكون أغبي الأغبياء إذا لم يكن المال عندها! (بصوت عال) أنتِ بنت
طيبة، وثقتي فيكِ — انتظري قليلًا (يذهب إلى الباب
وينظر يمنة ويسرة).
زوفيه
(لنفسها)
:
والله إنه سيعود الآن ويعترف لي!
صاحب الفندق
:
أنا أعرفك يا زوفيه، فلم يكن من عادتك أن تكذبي
أبدًا.
زوفيه
:
قد أُخفي على الدنيا كلها أمرًا، أما عليك فلا أخفي
شيئًا. لذلك أرجو هذه المرة أن أحظى …
صاحب الفندق
:
شيء جميل! أنت ابنتي، وما حدث حدث وانتهى!
زوفيه
:
وإن أحسن الناس لَيُخطئ في ساعات الحلكة.
صاحب الفندق
:
لا نريد أن نعذِّب أنفسنا بما حدث وانتهى، ولا يعلم
أنكِ كنت بالحجرة إنسان غيرى أنا!
زوفيه
(فزعة)
:
أنت تعلم ذلك؟
صاحب الفندق
:
كنتُ بالحجرة، فأتيتِ، وسمعتُك. ولم أتبيَّن ساعتها
مَن الذي أتي، فجريت، ظنًّا مني أنه عفريت.
زوفيه
(لنفسها)
:
نعم، نعم، المال عنده بلا شك.
صاحب الفندق
:
ولم يخطر ببالي إلا الآن، أنني سمعتك فجر
اليوم.
زوفيه
:
والعظيم في الأمر، أن إنسانًا لن يشك فيك. فقد وجدت
الشمعة.
صاحب الفندق
:
أنتِ؟
زوفيه
:
أنا!
صاحب الفندق
:
هذا جميل، والله!١ والآن قولي لي كيف نتصرف لنعيدَ إليه
المال؟
زوفيه
(تقول له)
:
«يا سيد ألتسست، أرجوك أن تصون سمعة فندقي، هذا هو
مالك أعيده إليك، وقد اكتشفتُ اللص. وأنت تعرف أن
الفرصة إذا سنحت، سهلت الغواية. ولكن اللص تأثَّرَ
ضميره بعد أن تمَّت له السرقة، فأتاني واعترف لي وأعاد
المال إليَّ. إليك هو. وأرجو أن تشمل الفاعل بعفوك.»
ولا شك أن ألتسست سيكون راضيًا قريرًا.
صاحب الفندق
:
إن لكِ لموهبة في تدبير مثل هذه الحلول.
زوفيه
:
نعم، احمل المال إليه على هذا النحو.
صاحب الفندق
:
سأفعل على الفور، بعد أن آخذه.
زوفيه
:
أليس معك؟
صاحب الفندق
:
لا! ومن أين لي به؟ هل أعطيتنيه؟
زوفيه
:
ومع مَن هو إذَن؟
صاحب الفندق
:
مع مَن أخده.
زوفيه
:
طبعًا! أليس معك؟
صاحب الفندق
:
يا لها من فكاهة!
زوفيه
:
فأين أخفيتَه إذن؟
صاحب الفندق
:
أظن أنكِ جُننتِ. أليس المال عندك؟
زوفيه
:
أنا؟
صاحب الفندق
:
نعم.
زوفيه
:
وما أوصلني إلى المال؟
صاحب الفندق
(يقوم بحركة بانتوميمية تمثل عملية
السرقة)
:
هه!
زوفيه
:
لستُ أفهمكَ.
صاحب الفندق
:
يا لكِ من عديمة الحياء. بعد أن وصلنا الآن إلى أن
عليكِ أن تسلمي المال تفكِّرين في الإفلات. لقد
اعترفتِ لتوِّكِ. أفٍّ لكِ ولأفعالكِ!
زوفيه
:
لا، لقد طفح الكيل! أتتهمني الآن، وكنت تقول منذ
قليل أنكَ أنت الذي فعلتَ!
صاحب الفندق
:
يا عديمة الحياء. أنا فعلتُ؟ هل هذا هو الحب الذي
تدينين لي به والاحترام؟ أتجعلين مني لصًّا، لأنكِ
لصة!
زوفيه
:
أبتاه!
صاحب الفندق
:
ألم تكوني في الحجرة فجر اليوم؟
زوفيه
:
بلى.
صاحب الفندق
:
ثم تقولين لي في وجهي إن المال ليس لديكِ؟
زوفيه
:
أثبت ذلك بالبرهان حالًا؟
صاحب الفندق
:
نعم!
زوفيه
:
ألم تكن أنت أيضًا عند الفجر في الحجرة.
صاحب الفندق
:
سأجذبكِ من شعرك إن لم تصمتي وتنصرفي. (تذهب باكية) إنكِ
تبالغين في العبث يا دنيئة! — لقد انصرفت. بعد أن ضاق
الخناق عليها. أو لعلها تظن أنها تستطيع بالكذب أن
تفلت. لقد ضاع المال، وهي باختصار التي أخذته.
المشهد الثالث
(ألتسست مشغول البال، في معطف البيت. صاحب الفندق.)
صاحب الفندق
(مرتبكًا ومتوسِّلًا)
:
لقد تملكني الذهول عندما قدر لي أن أعلم — إنني أرى،
يا سيدي الكريم، أنك تفيض غضبًا. ولكني أرجوك مؤقتًا
أن تتكرَّم وتتكتَّم الخبر. وسأفعل ما أستطيع، وأرجو
أن يستبين الأمر. فإن أهل المدينة إذا علموا الخبر،
فرح حُسَّادي، ودفعهم ما بهم من سوء إلى وضع الوزر على
ظهري. لا يمكن أن يكون الفاعل واحدًا من خارج الدار،
واحد من هنا هو الذي سرق المال. فلا تغضب يا سيدي
وسيعود إليك مالك. كم هو؟
ألتسست
:
مائة تالر.٢
صاحب الفندق
:
آه!
ألتسست
:
ولكن المائة تالر …
صاحب الفندق
:
آه! ليست لعبة!
ألتسست
:
ومع ذلك فقد نويت أن أنساها وأن أصرف النظر عنها،
إذا علمتُ مَن أخذها وكيف.
صاحب الفندق
:
آه، لو كان المال هنا لما وددت أن أعرف هل فلان أو
علان هو السارق، ولما سألت عن كيف ومتى وقعت
الواقعة.
ألتسست
(لنفسه)
:
خادمي المسن؟ لا! لا يمكن أن يكون هو الذي سرق والذي
كان في حجرتي — لا، لا، لا يمكن أن أصدق هذا!
صاحب الفندق
:
لمَ تتعب نفسك؟ هذا تعب لا جدوى منه، كفى، وسآتيك
بالمال.
ألتسست
:
بمالي؟
صاحب الفندق
:
أرجوك، ألا يصل الخبر إلى أحد. إننا نعرف أحدنا
الآخر معرفة جيدة منذ مدة طويلة. كفى، وسآتيك بمالك!
ولا تخف!
ألتسست
:
أنت تعلم إذَن؟
صاحب الفندق
:
سآتيك بالمال المسروق.
ألتسست
:
آه، قل لي.
صاحب الفندق
:
لا أقول ولو أوتيتُ الدنيا كلها.
ألتسست
:
مَن أخذ المال، قل لي أرجوك!
صاحب الفندق
:
وأنا أقول إنه ليس لي أن أقول.
ألتسست
:
هل هو شخص من البيت؟
صاحب الفندق
:
أرجو ألا تستجوبني عنه.
ألتسست
:
ربما الخادمة الصغيرة؟
صاحب الفندق
:
«هنَّه» الطيبة؟ لا!
ألتسست
:
لا أظن أنه الخادم؟
صاحب الفندق
:
لا لم يسرقه الخادم.
ألتسست
:
والطباخة ماهرة …
صاحب الفندق
:
في السلق والقلي.
ألتسست
:
أو صبي المطبخ هانس؟
صاحب الفندق
:
لا سبيل إلى معرفة الفاعل بالتخمين.
ألتسست
:
ربما كان البستاني …؟
صاحب الفندق
:
لا. لم تصل بعدُ.
ألتسست
:
أو ابن البستاني؟
صاحب الفندق
:
لا!
ألتسست
:
ربما …
صاحب الفندق
(بصوت منخفض يوشك أن يكون
لنفسه)
:
الكلب؟ … نعم.
ألتسست
(لنفسه)
:
انتظر أيها الغبي، سأعرف كيف أجعلك تتكلم. (بصوت عالٍ) إذَن فقد
فعل الفعلة مَن فعلها، وليست هناك أهمية كبيرة، إذا
تكرَّرَت (يتظاهر بأنه يهم
بالانصراف).
صاحب الفندق
:
نعم!
ألتسست
(كأن شيئًا خطر بباله)
:
يا صاحب الفندق! محبرتي فارغة، وهذا الخطاب
عاجل.
صاحب الفندق
:
هكذا! لقد وصل الخطاب بالأمس، وتريد أن ترد.
اليوم، لا بد أن به أمرًا هامًّا.
اليوم، لا بد أن به أمرًا هامًّا.
ألتسست
:
لا يصح أن يتأخر.
صاحب الفندق
:
تبادل الخطابات فيه سعادة عظيمة.
ألتسست
:
ليس دائمًا. وإن الوقت الذي يضيعه الإنسان في كتابة
الخطابات الأكثر قيمة من الفكاهة.
صاحب الفندق
:
كان التراسل لعبة: خطاب واحد يأتيك ويعوِّضك عن
كثير. معذرة يا سيدي. هل محتوى خطاب الأمس على شيءٍ
هامٍّ شديد الأهمية؟ أتسمح لي …؟
ألتسست
:
لا أقول ولو أُوتيتُ الدنيا كلها!
صاحب الفندق
:
لعله خبر من أمريكا؟
ألتسست
:
أنا أقول إنه ليس لي أن أقول.
صاحب الفندق
:
هل الملك فريدريش مريض مرة أخرى؟
ألتسست
:
أرجو ألا تستجوبني عنه.
صاحب الفندق
:
هل هو من منطقة «هسن» وهل يفيد بأن الأحوال على ما
هي؟ أما زال رجال من هناك يُباعون ويُشحنون …
ألتسست
:
لا!
صاحب الفندق
:
هل ينوي الإمبراطور فعل شيء؟
ألتسست
:
نعم، يُحتمل!
صاحب الفندق
:
الحال في الشمال ليست على ما يرام؟
ألتسست
:
لا أود ألا أقسم على ذلك.
صاحب الفندق
:
هناك شيء يدور في الخفاء؟
ألتسست
:
سنسمع الكثير.
صاحب الفندق
:
لعلَّ هناك مصيبة في مكان ما؟
ألتسست
:
استمر. فقد أوشكت على الوصول.
صاحب الفندق
:
هل حدث في الموجة الباردة الأخيرة.
ألتسست
:
أن تجمد بعض الأرانب؟ … نعم.
صاحب الفندق
:
يبدو أنك لا تثق في عبدك كثيرًا.
ألتسست
:
يا سيدي، لا يمكن أن نثق فيمَن لا يثقون
فينا.
صاحب الفندق
:
وما هي الثقة التي تطلبها مني؟
ألتسست
:
مَن اللص؟ قل، فخطابي تحت أمرك على الفور، هذه
مبادلة مقبولة جدًّا أعرضها عليك. هل تريد الخطاب
الآن؟
صاحب الفندق
(مضطربًا وشغوفًا)
:
هذه طيبة متناهية! (لنفسه). لو لم يكن هذا هو ما يلح في
معرفته مني.
ألتسست
:
ها أنت ذا ترى أن المبادلة تشمل خدمتين متساويتين في
القيمة. وأقسم لكَ بشرفي أنني سأصون السر ولن أبوح
به.
صاحب الفندق
(لنفسه)
:
أو لم يكن الخطاب مغريًا إلى هذه الدرجة! لكن كيف؟
لو أن زوفيه — ولكن لنرى — إن الإغراء شديد، وليس هناك
إنسان يستطيع مقاومته. إنه يُسيِّل لعابي، كما يُسيِّل
الأرنبُ المُتَّخَذ طُعمًا لعابَ الفريسة في
الصيد.
ألتسست
(لنفسه)
:
لم يجذب طُعمٌ فريسةً كما جذبه عرضي.
صاحب الفندق
(خجلًا وممتثلًا وإن ظلَّ
متردِّدًا)
:
هذا ما تريده يا سيدي، وإن طيبتك …
ألتسست
(لنفسه)
:
بدأ!
صاحب الفندق
:
تحملني على الثقة. (متردِّدًا يوشك أن يكون متوسلًا)
أتعدني بأن أحصل على الخطاب توًّا؟
ألتسست
(يقدِّم إليه الخطاب)
:
في الحال!
صاحب الفندق
(وهو يقترب من ألتسست دون أن يشيح
بعينَيه عن الخطاب)
:
اللص …
ألتسست
:
نعم، اللص.
صاحب الفندق
:
الذي أخذ المال هو …
ألتسست
:
تكلم!
صاحب الفندق
:
هو.
ألتسست
:
هو مَن؟
صاحب الفندق
(في نبرة متردِّدة، ثم ينتفض على
الفور وينتزع الخطاب. من يد ألتسست)
:
ابنتي.
ألتسست
(مندهشًا)
:
كيف؟
صاحب الفندق
(يعدو إلى أمام ويُسرع في فتح
الظرف فيمزِّقه إربًا ثم يبدأ في القراءة)
:
«سيدي سليل الحسب والنسب …»
ألتسست
(يمسكه من كتفه)
:
هي التي فعلت ذلك؟ قل الحقيقة.
صاحب الفندق
(وقد فرغ صبره)
:
نعم هي! أوه، إنه لا يحتمل!
(يقرأ): «ويا …»
ألتسست
(يُمسكه من كتفه)
:
لا يا سيدي! زوفيه! لا يمكن!
صاحب الفندق
(يتملص، ولا يجيب، ويستمر في
القراءة)
:
«رفيع المقام …»
ألتسست
(يُمسكه من كتفه)
:
تقول هي التي فعلت هذا: أكاد أصاب بالخرس.
صاحب الفندق
:
«سيدي …»
ألتسست
(يُمسكه من كتفه)
:
اسمع لي! كيف حدث هذا؟
صاحب الفندق
:
سأحكي لك فيما بعد.
ألتسست
:
هل هذا كلام أكيد؟
صاحب الفندق
:
أكيد.
ألتسست
(لنفسه وهو يخرج)
:
أظن أن هناك خطأ!
المشهد الرابع
صاحب الفندق
(يقرأ ويعلِّق أثناء
القراءة)
:
«ويا صاحب الفضل» … هل خرج؟ … «أرجو أن يشملني كرمك
الكبير بالعفو هذه المرة أيضًا كما شملني مرارًا من
قبل وغفرَ لي زلاتي الكثيرة.» … ما هذا الذي يستوجب
العفو؟ … «وأنا أعرف يا سيدي الكريم أنك سوف تفرح معي»
… هذا جميل … «اليوم أفاءت السماء عليَّ بسعادة، اتجه
فيها قلبي أول ما اتجه إليك وهو العارف لك فضلك، اليوم
وضعت زوجتي الحبيبة الابن السادس!» … أكاد أموت! …
«لقد خرج إلى الدنيا في ساعة مبكِّرة، هذا الولد» …
هذا اللعين … ليتهم أغرقوه. ليتهم خنقوه! … «وإن سعة
صدرك يا سيدي لتعطيني الجرأة» … أكاد أختنق! هل قدر
عليَّ أن يحدث لي أمر من هذا في أواخر أيامي؟ لا أقوى
على احتمال هذه الضربة! صبرك عليَّ يا ألتسست، والله
لن تفوت هذه الفعلة دون انتقام! أريدك الآن! … اخرج من
بيتي! أتسخر مني على هذا النحو المهين، وأنا صديقك
الحميم؟! لو تمكنت من معاملته بما يستحق! ولكن ابنتي!
آه! لا سبيل إلى إنزال النقمة به! وأنا أفضح ابنتي
لقاء خطاب به كلام فارغ! (يعقد يدَيه على باروكته). ما أنت إلا
رأس ثور غبية! ولقد علاك الشيب إلى هذا الحد! الخطاب!
المال! المقلب! ليتني أقتل نفسي! كيف أتصرف؟ إلى أين
أذهب؟ كيف أنتقم من هذا المقلب؟ (يمسك عصا ويلف ويدور فوق
المسرح) والله لو اعترض طريقي أحدٌ
لانهلتُ عليه ضربًا حتى جعلته أطرى من الجلد. ليت مَن
يغيظونني كانوا أمامي الآن، إذَن لغلبتهم وتمكنت منهم
ولعرفت كيف أعالجهم وأشفيهم! سأموت إن لم … لو كسر لي
الصبي الآن كأسًا واحدة، لأعطيته … لا أعرف ماذا … لا
بد أن أنتقم! (يصطدم بكرسي
وثير وينهال عليه ضربًا) ها! ما أكثر ما
بك من غبار! تعال! سأشفي غليلي فيك!
المشهد الخامس
(صاحب الفندق لا يزال ينهال على الكرسي ضربًا. زولَّر يدخل فيفرغ. زولَّر يرتدي معطف التنكُّر ويربط القناع على ذراعه، ويظهر أنه سكران نوعًا ما.)
زولَّر
:
ما هنالك؟ ما هذا؟ هل جُن الرجل؟ احترس الآن! فما
أجملها فعلة، إذا أحلك محل الكرسي! أي عفريت هذا يا
ترى الذي تملك الشيخ؟ الأفضل أن أنصرف، فليس في البقاء
أمان.
صاحب الفندق
(دون أن يرى زولَّر)
:
لقد خارت قواي! آه! ظهري وذراعي يؤلماني! (يرتمي في الكرسي)
والعرق يتصبَّب من كل جسمي.
زولَّر
(لنفسه)
:
نعم، نعم، الانفعال يولِّد حرارة. (يظهر على صاحب الفندق)
أبي.
صاحب الفندق
:
نعم يا مسيو! أنت تقضي الليل في المتعة، وأنا
أتعذَّب حتى أشرف على الهلاك، ثم تهرب من البيت؟ صاحب
المهرجان يحمل المال إلى الرقص والقمار، ويضحك بينما
الشيطان يقيم هنا في البيت مهرجانًا.٣
زولَّر
:
هكذا.
صاحب الفندق
:
لكن صبرًا ولن أستمر هكذا في تعذيب نفسي!
زولَّر
:
ماذا حدث؟
صاحب الفندق
:
ألتسست. زوفيه، هل أحكي لك القصة؟
زولَّر
:
لا! لا!
صاحب الفندق
:
لو أخذك الشيطان لارتحت وهدأت! وليته يأخذ الرجل
الملعون وخطابه أيضًا. (يخرج).
المشهد السادس
زولَّر
(هازل خائف)
:
ماذا حدث؟ ويحك! ربما دفعت جمجمتك بعد قليل الثمن!
حافظ على ظهرك! ربما اكتشف الأمر! يا للمصيبة، ما أشد
رعبي، أنا المسكين! سأنالها ساخنة تفور! لم يحس
الدكتور فاوست بنصف ما أحس به الآن من الرعب٤ ولا أحس بنصف ما أحس به من الرعب الملك
ريتشارد الثالث.٥ يا للنكبة! سيفتح لي الجحيم، وفيه
المشنقة، وأقف أنا الزوج المخدوع في الوسط! (يجري هنا وهناك كالمخبول، ثم
يفيق إلى نفسه) آه! المال المسروق لا
يسعد أحدًا! يا جبان! يا شرير! فيمَ فزعك هذا؟ قد لا
يكون الأمر بهذه الخطورة! سأعرف الخبر حالًا! (يرى
ألتسست فيجري) ويلاه! إنه هو! إنه هو سيجرني من
شعري.
المشهد السابع
ألتسست
(في ملابسه، يضع القبعة
والسيف)
:
لم يتمَّلك قلبي مثل هذا الصراع قبل الآن قط. هذه
المخلوقة الفريدة التي مجَّد فيها خيال ألتسست الولهان
صورة الفضيلة، والتي علَّمَتْه أعلى مراتب الحب
وأجمله، والتي كانت في نظره تجمع في ذاتها الربة
والفتاة والصديقة، وكل شيء … تنحدر إلى هذا الدرك
الآن. إني أحس بقشعريرة تسري في بدني. حقيقة إن المُثل
العليا قد ضاعت كلها أو جلها، وإني أعتبرها واحدة مثل
غيرها من النساء … ولكن هذا الانحدار العميق، العميق …
إن هذا الأمر ليدفع بالإنسان إلى الجنون! فإن قلبي
الثائر لا يزال في صفها! يا لدناءتك؟ ألا تستطيع
التصرُّف مع نفسك؟ لقد أتاك الحظ الجميل يسعى فانتهزه!
إنه حيالك! امرأة لا مثيل لها ملكت عليك حبك، واحتاجت
مالًا. ألا فأسرع إليها يا ألتسست! فإن الحبة التي
تقدمها إليها ستنبت مائة حبة. ولقد أخذت هي حاجتها
بيدها، عظيم! ليتها تأتيني الآن بحديث عن الفضيلة!
لأذهب إليها وأجمع شجاعتي، وأقول لها بهدوء: تراك
تحتاجين إلى نقود؟ حسنًا! لا عليك أن تُخفي عليَّ
حاجتك. خذي من القليل الذي بقي لديَّ ولا تخافي! فإن
مالي مالكِ أيضًا، إنها تأتي! ها قد ودعتني السكينة
الكاذبة! أتظن أنها أخذت المال؟ أو تحسبها قادرة على
ذلك؟
المشهد الثامن
(ألتسست – زوفيه)
زوفيه
:
ماذا تفعل يا ألتسست؟ يبدو أنك تفرُّ مني أم هل
تستهويك العزلة؟
ألتسست
:
لست أعرف ما يستهويني هذه المرة، ورب حديث إلى النفس
جرى بلا سبب كبير.
زوفيه
:
حقيقة إن الخسارة كبيرة وإنها جديرة بأن تؤلمك
…
ألتسست
:
آه! إنها خسارة لا معنى لها ولا تمس قلبي في قليل أو
كثير. والمال متوفِّر لدينا فماذا يحدث إذا قليل منه
ضاع. ومَن يعلم لعلَّ ما ضاع تحتفظ به الآن أيد
أمينة.
زوفيه
:
نعم، إن طيبتك لن تجعلنا نقاسي من هذه
المحنة.
ألتسست
:
كان يمكن بقليل من الصراحة تحاشي الكثير.
زوفيه
:
كيف أفهم هذا؟
ألتسست
(مبتسمًا)
:
هذا؟
زوفيه
:
ما مكان هذا هنا؟
ألتسست
:
إنك تعرفيني يا زوفيه، فكوني صريحة معي. لقد راح
المال، ولا بأس أن يبقى حيث بقي. ولو كنت أعلم بالأمر،
للزمت الصمت. وما دام الموضوع على هذا النحو …
زوفيه
(مندهشة)
:
إذَن فأنت تعلم؟
ألتسست
(بعطف، يمسك يدها
ويُقبِّلها)
:
أبوك! نعم، أنا أعرف يا حبيبتي زوفيه.
زوفيه
(مندهشة وخجلة)
:
وأنت تصفح؟
ألتسست
:
عن الدعابة، فمَن يحيل الدعابة إلى جريمة؟
زوفيه
:
يلوح لي …
ألتسست
:
اسمحي لي أن نتكلم بصراحة، إنك تعلمين أن ألتسست لا
يزال يهواكِ، ولقد انتزعك القدر مني، ولكنه لم يفرق
بيننا: فقد ظلَّ قلبك لي، وقلبي لا يزال لكِ. ومالي
مالك كأنما كتبتُه لكِ. ولكِ على أملاكي الحق الذي لي
عليها. خذي يا زوفيه ما تحبين وأحبيني! (يُعانقها.
تصمت) مُري! تجديني على الفور رهن إشارتك في كل
أمر.
زوفيه
(معتدة بنفسها، وهي تتملَّص
منه)
:
مع احترامي لمالك، لست بحاجة إليه. ما هذه اللهجة؟
لست أعرف إذا كنت أفهم مقصدك؟ ها! إنك تهينني!
ألتسست
(متأثرًا)
:
أوه، إن عبدك المطيع يعرفك حق المعرفة، ويعرف ماذا
يطلب، ولا يفهم لماذا تتأجَّج نيران غضبك بهذا العنف.
إن مَن يجرم إلى هذه الدرجة …
زوفيه
(مندهشة)
:
يُجرم؟ كيف هذا؟
ألتسست
:
سيدتي!
زوفيه
(غاضبة)
:
ما معنى هذا؟ يا سيدي؟
ألتسست
:
لا تلوميني على حيائي: فإن مقدار حبي لكِ يمنعني من
أن أصرِّح بهذا.
زوفيه
(غاضبة)
:
ألتسست!
ألتسست
:
فتكرَّمي بسؤال والدكِ! يبدو أنه يعلم …
زوفيه
(تنطلق بعنفٍ)
:
يعلم ماذا؟ أريد أن أعرف ماذا؟ أنا لا أهزل يا
سيدي.
ألتسست
:
لقد قال إن هذا …
زوفيه
(بالعنف نفسه)
:
نعم! ما هذا؟
ألتسست
:
إذَن سأتكلم! قال إنك … إنك أخذتِ المال.
زوفيه
(حانقة ثائرة دامعة، وهي تشيح
عنه)
:
أيليق منه هذا؟ رباه! هل بلغ هذه الدرجة؟
ألتسست
(متوسِّلًا)
:
زوفيه!
زوفيه
(وقد أشاحت عنه)
:
لست خليقًا …
ألتسست
(متوسِّلًا)
:
زوفيه!
زوفيه
:
اغرب عن وجهي.
ألتسست
:
سامحيني!
زوفيه
:
ابعد عني! لا لن أسامحك! إن أبي لا يتورَّع عن تجريح
شرفي! أنا زوفيه؟ كيف؟ فهل تمكنت يا ألتسست من تصديقه؟
والله ما كنت لأتكلم ولو أوتيت نعم الأرض جميعًا ولكن
لا بد أن يستبين الأمر! المال عند أبي! (تخرج مسرعة.)
المشهد التاسع
(ألتسست – ثم زولَّر)
ألتسست
:
وهكذا نريد فهمًا! يا لها من مسألة عجيبة! لا يستطيع
إلا الشيطان أن يحلها. شخصانِ طيِّبان مخلصان طول
حياتهما، يتهم أحدهما الآخَر — إني لأخاف على عقلي.
هذه هي المرة الأولى التي يعرض لي فيها شيء من هذا
النوع، وأنا أعرف الاثنين سنين طوالًا. تلك قضية لا
يصل الإنسان فيها بعقله إلى شيء. كلما زاد الإنسان
التفكير فيها، زاد إحساسه بغبائه! زوفيه! الرجل الهرم!
أحدهما سرقني؟ لو كان المتهم زولَّر، لكان الأمر
قابلًا للتصديق. ليت بصيصًا من الشك يقع على هذا
الأبله. ولكنه كان طوال الليلة الحبيبة في
المرقص.
زولَّر
(في ملابسه العادية، في حالة من
السُّكر)
:
ها هو ذا الرجل الشيطان يجلس ليستريح من المتعة،
ليتني أتمكَّن من رقبته، فكم أود أن أمزِّقه
إربًا!
ألتسست
(لنفسه)
:
أتى كأنه على موعد. (بصوتٍ
عالٍ) كيف الحال يا سيد زولَّر؟
زولَّر
:
حال سمجة! ما زالت الموسيقى تطن في رأسي! (يمسح على جبهته) بي
ألم فظيع.
ألتسست
:
هل كنت في حفلة الرقص؟ هل كانت هناك نساء
كثيرات؟
زولَّر
:
كالمعتاد؛ فالفئران تسعى إلى المصيدة لأن فيها
شحمًا.
ألتسست
:
وهل سارت الأمور على ما يرام؟
زولَّر
:
جدًّا.
ألتسست
:
وماذا رقصت؟
زولَّر
:
لقد اكتفيت بالنظر. (لنفسه) إلى رقصة فجر اليوم.
ألتسست
:
ألم ترقص يا سيد زولَّر؟ وما سبب هذا؟
زولَّر
:
كنت قد نويتُ على الرقص جديًّا.
ألتسست
:
ولم تُوفَّق؟
زولَّر
:
لا أحسست في رأسي بشيءٍ مُقبض فظيع، فضاع ميلي إلى
الرقص.
ألتسست
:
آه!
زولَّر
:
وأكثر ما آلمني هو أني لم أستطع أن أفعل شيئًا: كلما
سمعت وأبصرت، ولَّى عني السمع والإبصار!
ألتسست
:
إلى هذا الحد؟ إن هذا ليسوءني! ما أسرع ما ينزل
الضر!
زولَّر
:
لا، فإني أحس بهذا منذ نزلتَ عندنا، بل وقبل
ذلك.
ألتسست
:
شيء عجيب!
زولَّر
:
ولا سبيل إلى التخلُّص منه.
ألتسست
:
آه، دلِّك رأسك بكمادات دافئة. ربما انصرف عنك ما
بك.
زولَّر
(لنفسه)
:
أظن أنه لا يزال يسخر مني. (بصوتٍ عالٍ) ليس البلاء بهذه
البساطة.
ألتسست
:
ولكنه سينصرف في النهاية. وستصلح حالك، وستجد فائدة؟
ولماذا لم تأخذ زوجكَ المسكينة معك إلى الرقص؟ ليس هذا
تصرُّفًا جميلًا يا سيد، ما بالك تترك الشابة في
الشتاء وحدها؟
زولَّر
:
آه! إنها تحب البقاء في البيت، وتتركني لحال سبيلي،
لأنها تعرف كيف تتدفأ بدوني!
ألتسست
:
ما أعجب هذا!
زولَّر
:
آه نعم، مَن يحب لعق الأطباق، يعرف دون إشارة أو
تنبيه، موطن الأطعمة العظيمة.
ألتسست
(مغتاظًا)
:
ما هذا الكلام المتخفي؟
زولَّر
:
ما أعنيه واضح جدًّا! خُذ مثلًا: أنا أحب أن أشرب من
خمر أبي المعتقة، ولكنه شحيح بها، محافظ عليها، لذا
فأنا أشرب خارج البيت.
ألتسست
(وقد فهم)
:
فاعلم يا سيدي …
زولَّر
(متهكِّمًا)
:
يا محامي النساء! إنها زوجتي، فما يحزنك عليها؟ حتى
لو كانت هي تعتبر زوجها ما شاءت!
ألتسست
(يكتم غيظه)
:
زوجها! زوجها أو غيره. أنا أتحدى الدنيا كلها، وإذا
سمحتَ لنفسك بأن تقول شيئًا مرة أخرى …
زولَّر
(فزعًا، لنفسه)
:
هذا شيء جميل! هل ينبغي عليَّ بعد ما حدث أن أساله
عن تمسُّكها بالفضيلة؟ (بصوتٍ عالٍ) إن فرني يبقى فرني، برغم
كل طباخ غريب.
ألتسست
:
أنت لست جديرًا بهذه المرأة ذات الجمال، والعفة،
وسحر الروح. كل هذه الخِصال أتتك بها. ولا ينقصها شيء
مما ينقص الملائكة.
زولَّر
:
نعم لقد لاحظت أنها ذات سحر خاص يكمن في دمها. وأنها
أتتني بحلية لرأسي ضمن ما أتتني به،٦ لقد خلقت منذ خلقت لمثل هذه المرأة! وتوج
رأسي بحليتها وأنا بعدُ في بطن أمي دون أن يؤخذ
رأيي!
ألتسست
(ثائرًا)
:
يا سيد زولَّر!
زولَّر
(وقحًا)
:
تريد منه شيئًا؟
ألتسست
(يكبح جماح نفسه)
:
أقول لك، اسكت!
زولَّر
:
أريد أن أرى ذلك الذي يريد أن يسد حلقي؟
ألتسست
:
لو كنت في مكان آخَر غير هذا، لأريتك مَن
تكون.
زولَّر
(بصوتٍ لا عالٍ ولا منخفضٍ)
:
لعله يتشاجر من أجل شرف زوجتي.
ألتسست
:
بلا شك.
زولَّر
(بصوتٍ لا عالٍ ولا منخفضٍ)
:
لا يعرف إنسان مداه.
ألتسست
:
ملعون.
زولَّر
:
يا سيد ألتسست. لقد علمنا كلانا الأمر. فالزم
الهدوء. عليك بالهدوء قليلًا. لنضرب لحالتنا مثلًا حتى
تتضح للفهم: إن السادة أمثالك يحصدون لأنفسهم غالبًا
حقل القمح كله، ثم يتركون للزوج النفاية.
ألتسست
:
إني أدهش يا سيدي على تجرؤك.
زولَّر
:
أوه، كثيرًا ما فاضت عيناي بالدمع، وكنت كلَّ يوم
كمَن لا يفتأ يشم بصلًا!
ألتسست
(غاضبًا، صلبًا)
:
ماذا تقول؟ لقد تجاوزت الحدود يا سيدي! تكلم! قل
ماذا تريد؟ الظاهر أنه لا بد أن أحل لك عقدة من
لسانك.
زولَّر
(متشجِّعًا)
:
أظن أن على الإنسان يا سيدي أن يعتبر ما يراه
بعينَيه واقعًا معلومًا؟
ألتسست
:
كيف ما يراه؟ ما هي الرؤية في تقديرك؟
زولَّر
:
في تقديري كما في تقدير الناس! لقد سمعتُ
ورأيتُ.
ألتسست
:
ها!
زولَّر
:
لا تغضب إلى هذه الدرجة.
ألتسست
(غاضبًا غضبًا يتسم
بالتصميم)
:
ماذا سمعت؟ وماذا رأيت؟
زولَّر
(فزعًا، يريد أن ينصرف)
:
بعد إذنك يا سيدي.
ألتسست
:
إلى أين؟
زولَّر
:
إلى جانب …
ألتسست
:
لن تخرج من هنا.
زولَّر
(لنفسه)
:
هل يعذبه الشيطان؟!
ألتسست
:
ماذا سمعت؟
زولَّر
:
أنا؟ لا شيء! إنما نقل إليَّ البعض …
ألتسست
(غاضبًا مُلِحًّا)
:
مَن هذا «البعض»؟
زولَّر
:
البعض! أعني رجلًا …
ألتسست
(بعنف زائد، يهجم عليه)
:
تكلم بسرعة!
زولَّر
(خائفًا)
:
أعني مَن رأى بعينَيه. (يتشجع) سأنادي الخدم.
ألتسست
(يمسك بتلابيبه)
:
مَن هذا؟
زولَّر
(حاول التملص)
:
ما هذا؟ يا للمصيبة!
ألتسست
(يضيق خناقه)
:
قل لي من؟ إنك تستفزني أشد الاستفزاز (يسحب سيفه) مَن هذا
الوغد؟ مَن هذا الخبيث؟ مَن هذا الكاذب؟
زولَّر
(يخرُّ من الخوف راكعًا)
:
أنا!
ألتسست
(مهدِّدًا)
:
ماذا رأيت؟
زولَّر
(خائفًا)
:
آه، ما يراه الناس دائمًا: السيد رجل، وزوفيه
امرأة.
ألتسست
(مهدِّدًا)
:
ثم ماذا؟
زولَّر
:
ثم تسير الأمور كما تسير في الدنيا، كما تسير، كما
ترضيك وترضي السيد.
ألتسست
:
وما معنى هذا؟
زولَّر
:
كنت أعتقد أنك ستفهم دون حاجة إلى مزيد من
الأسئلة.
ألتسست
:
قل!
زولَّر
:
لا يطاوعني قلبي على النطق بمثل هذا.
ألتسست
:
مثل هذا؟ وضِّح!
زولَّر
:
دعني وشأني.
ألتسست
(مهدِّدًا)
:
يعني؟ أستحلفك بالشيطان!
زولَّر
:
يعني كان لقاء أحِبَّة.
ألتسست
(فزعًا)
:
أنت تكذب!
زولَّر
(لنفسه)
:
لقد أصابه الفزع.
ألتسست
(لنفسه)
:
كيف علم هذا؟ (يعيد السيف
إلى الجراب.)
زولَّر
(لنفسه)
:
تشجَّع!
ألتسست
(لنفسه)
:
مَن نقل إليه أننا كنا معًا؟ (يستريح) ماذا تعني
بقولك لقاء أحِبَّة؟
زولَّر
(عنيدًا)
:
أنا أفهم وأنت تفهم! أعني التمثيلية المضحكة التي
جَرَت مساء اليوم، فلم أكُن أقف بعيدًا.
ألتسست
(مندهشًا)
:
أين؟
زولَّر
:
في الحجرة.
ألتسست
:
هكذا كنت في حفلة الرقص؟
زولَّر
:
ومن كان في الوليمة؟ أريد أن أقول لك كلمتين موجزتين
بهدوء ودون غضب: اعلموا يا سادة أن ما يفعله الإنسان
خفية، ينكشف في النهاية.
ألتسست
:
وسوف يتبيَّن أيضًا أنك أنت اللص الذي سرقني. إنني
قد أحتمل وجود غربان وحِدَّاءات في بيتي، أما وجودك
فيه فلا يمكنني احتماله! أفٍّ لك أيها الرجل
الشرير!
زولَّر
:
نعم، نعم، أنا شرير! ولكنكم، أيها السادة العظام،
على حق دائمًا. إنكم تريدون التصرُّف في ملكنا حسب
هواكم. وإنكم لا تلتزمون بقانون، فكيف يلتزم به غيركم؟
ما أشد تشابه شهوة اللحم، وشهوة المال. إذا كنتم
تريدون عقابنا، فلا تفعلوا ما يجعلكم أولى
بالعقاب.
ألتسست
:
إنك ما زلتَ تتجاوز حدودك …
زولَّر
:
آنَ لي أن أفعل ذلك، فليس من الدعابة أن أسير وقد
نما لي قرنان. والخلاصة: ألا تحاسبني حسابًا عسيرًا،
لقد سرقتُ من سيادتك مالك، وسرقتَ أنت مني
زوجي.
ألتسست
(مهدِّدًا)
:
ماذا سرقت أنا؟
زولَّر
:
لا شيء، يا سيدي! كانت ملكك حتى قبل أن أعتقد أنها
لي …
ألتسست
:
هل ينبغي …
زولَّر
:
لا بد أن أصمت.
ألتسست
:
إلى المشنقة أيها اللص!
زولَّر
:
ألا تذكر أن هناك قانونًا أشد قسوة ينطبق على
آخَرين؟
ألتسست
:
يا سيد زولَّر.
زولَّر
(يأتي بحركة قطع الرقبة)
:
نعم، حتى الخبز نمدكم به يا جشعون؟
ألتسست
:
هل أنت من أرباب السوابق؟ وهل تحترف هذه الحرفة؟
فإما أن تُشنق وإما أن تُجلد على الأقل.
زولَّر
(يشير إلى جبينه)
:
لقد وُصم جبيني.
المشهد العاشر
(السابقان – صاحب الفندق – زوفيه)
زوفيه
(في الخلف)
:
أبي القاسي يردِّد النغمة الكريهة.
صاحب الفندق
(في الخلف)
:
البنت لا تلين.
زوفيه
:
هذا هو ألتسست.
صاحب الفندق
(يبصر ألتسست)
:
أها!
زوفيه
:
لا بد، لا بد أن تظهر الحقيقة.
صاحب الفندق
(إلى ألتسست)
:
يا سيدي، هي التي سرقت.
زوفيه
(في الجانب الآخر)
:
بل هو السارق يا سيدي.
ألتسست
(ينظر إلى الاثنين ضاحكًا، ثم يقول
بلهجة كلهجتها، مشيرًا إلى زولَّر)
:
هذا هو اللص!
زولَّر
(لنفسه)
:
استعد يا جلدي؟٧
زوفيه
:
هو؟
صاحب الفندق
:
هو؟
ألتسست
:
ليس المال عندكِ وليس عنده! المال أخذه هذا!
صاحب الفندق
:
فدقوا إسفينًا في رأسه، وخذوه فعذِّبوه على عجلة
التعذيب.
زوفيه
:
أنت؟
زولَّر
(لنفسه)
:
يا للمصيبة!
صاحب الفندق
:
أريدك …
ألتسست
:
أيْ سيدي! أرجوك أن تتذرَّع بالصبر! لقد حامت الشبهة
حول زوفيه، دون ذنب منها. فقد أتت وزارتني، وكانت خطوة
جريئة. ولكن عِفَّتها (إلى
زولَّر) فقد كنت حاضرًا. (زوفيه مندهشة) لم نكن
نعلم بوجودك، وكان الليل صامتًا يفيض بالود والثقة،
ولكن … عفتها …
زولَّر
:
نعم، لقد أكالت لي وأسخنت!
ألتسست
(إلى صاحب الفندق)
:
فما خطبك أنت؟
صاحب الفندق
:
دخلت الحجرة يدفعني الفضول، وقد ملك الخطاب اللعين
عليَّ نفسي. ولكني يا سيد ألتسست، لم أكن أعتقد أنك
تسمح لنفسك بالاستهزاء بي. وما زلت حتى هذه اللحظة لا
أستطيع أن أهضم فعلة الخطاب ومرسله.
ألتسست
:
لا تؤاخذني على هذه الدعابة! وأنت يا زوفيه لا شك
تسامحيني.
زوفيه
:
ألتسست!
ألتسست
:
لن أشك في فضيلتكِ ما حييتُ. سامحيني على هذه
الفعلة. وإن طيبتكِ وفضيلتكِ …
زولَّر
:
أكاد أصدق هذا أنا أيضًا!
ألتسست
(إلى زوفيه)
:
وهل تغفرين لزولَّر أيضًا؟
زوفيه
(تمد إليه يدها)
:
بكل سرور!
ألتسست
(إلى صاحب الفندق)
:
هيا بنا!
صاحب الفندق
(يصافح زولَّر)
:
لا ترجع إلى السرقة مرة أخرى. زولَّر: الزمن كفيل
بتقريب البعيد!
ألتسست
:
ولكن أين مالي؟
زولَّر
:
أيْ سيدي، لقد أخذتُه لأني كنت في محنة، كان غريمي
في القمار يعذِّبني حتى أوشك بي على الموت. فلم أعرف
لي مخرجًا، وسرقت وسددتُ ديوني. وهذا هو ما به، لا
أعرف بالضبط كم جولدن.
ألتسست
:
ما صرفته هدية مني إليك.
زولَّر
:
ولقد تبت!
ألتسست
:
ولكني أرجو أن تصبح رقيقًا لطيفًا هادئًا مخلصًا،
وأحذِّرك من أن تتجرأ مرة أخرى على …
زولَّر
:
هكذا … لقد قُضي الأمر ولم ينَل أحدٌ منا عقاب
المشنقة.
١
في الأصل حرفيًّا: وحياتي! (المترجم)
٢
عُملة قديمة. (المترجم)
٣
المهرجان المقصود هنا هو الكرنفال واسمه
بالألمانية
Fastnacht
أي ليلة الصيام ونظرًا لأن مهرجانًا يُقام في
هذا الوقت فيكون المقصود = مهرجان ليلة
الصيام. وليلة الصيام هذه هي ما يُسمى أيضًا
(ثلاثاء المرفع) وتعني الليلة السابقة على
الصيام عند المسيحيين ثم عُنِي بها ثلاثة
الأيام السابقة عليه. وقد اعتاد الأوروبيون
التنكُّر في شكل «مهابيل» (هنا = أصحاب
المهرجان) وارتداء معاطف وملابس وأقنعة تنكرية
وإحداث صخب وإطلاق العِنان في الرقص واللعب
والشرب. (المترجم)
٤
إشارة إلى أسطورة الدكتور فاوست الذي باع
نفسه للشيطان لقاء متعة الدنيا حينًا، على أن
يكون ملكًا للشيطان عند انتهاء الأجل، فأتاه
الشيطان وعذَّبه وقطَّعَه إربًا إربًا ودقَّ
عنقه. (المترجم)
٥
إشارة إلى الملك الإنجليزي ريتشارد الثالث
وقد تملَّكه اليأس عندما أيقن من الموت الزؤام
في المعركة. (المترجم)
٦
يقصد القرنين اللذين يميِّزان الزوج
المخدوع. (المترجم)
٧
يقصد أنه يتوقع العقاب ربما بالسوط.
(المترجم)