الأستاذ براشيا
في رسالة أخيرة لمكاتب «الأهرام» في الإسكندرية أن الأستاذ براشيا، مدير المتحف البلدي، ينوي التقاعد إذا هو عومل بمقتضى التشريع الجديد.
والأستاذ براشيا أحد الشخصيات العاملة في خدمة الآثار المصرية دون ضجة أو تهويش أو إعلان.
ترى اسمه مقترنًا على الدوام بكل بحث خاص بالإسكندرية اليونانية الرومانية وآثارها وتخطيطها ومكتشفاتها وجمعية الآثار اليونانية الرومانية ومتحف الإسكندرية البلدي.
بقيت آثار الإسكندرية القديمة مطمورة حتى جاء بونابرت إلى مصر، فعهد إلى العالم سان جنيس بالتنقيب والحفر في مدينة الإسكندر المقدوني.
ثم أُهمل البحث حتى سنة ١٨٦٣، ففي تلك السنة عُني الإمبراطور نابوليون الثالث بوضع تاريخ لمدينة ذي القرنين، وسأل الخديو إسماعيل معاونته على إتمام هذا الغرض، فعهد الخديو إلى المرحوم محمود الفلكي باشا بالكشف عن آثار تلك المدينة العظيمة.
فكانت مباحث هذا العالم المصري العظيم فاتحة التنقيب العلمي عن آثار العصر اليوناني الروماني. وكثر عدد المشتغلين بالموضوع والمهتمين به، وأغلبهم من اليونان والطليان والإنكليز، فألفوا جمعية أطلقوا عليها اسم جمعية «الإثنيوم» للدرس والحفر.
وكان لهذه الجمعية اليد الطولى في إعانة مجلس الإسكندرية البلدي على إنشاء متحف الآثار اليونانية الرومانية، فاستأجر لذلك في سنة ١٨٩٢ دارًا ذات خمس غرف في شارع باب رشيد لم تلبث حتى ازدحمت بالآثار، فأفرد لها في سنة ١٨٩٥ جناحًا في الدار الجديدة للمجلس وعمد إلى توسيعها شيئًا فشيئًا، ومنذ سنوات رأى أن يقيم للمتحف سرايا خاصة، وأقام مسابقة لعمارتها.
وكان المسيو جوزيبي بوتي أول مدير لدار الآثار اليونانية، فنشط للجمع والترتيب والتنظيم، ووضع أول كتالوج علمي للمتحف في مجلدين.
وخلفه في وظيفته الدكتور براشيا، وفي أيامه اتسعت دائرة الكشف عن الآثار، فألف لذلك جمعية اشترك فيها غير واحد، ليس فيهم من المصريين إلا أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة، وليس لهم شيء يذكر من مباحث الجمعية ومحاضراتها بالنسبة إلى غيرهم من الأجانب.
وللسنيور براشيا كتاب بديع اسمه «مصر والإسكندرية»، فصَّل في الثلث الأول منه حالة الإسكندرية أيام البطالسة، تقرؤه فكأنك تعايش القوم وتجول في مؤسساتهم العلمية والصناعية والأدبية والتجارية. وخصص الثلثين للكلام عن المتحف.
وطبعه في إيطاليا قبل الحرب طبعًا فنيًّا؛ نسخة بالإنكليزية وأخرى بالفرنسوية.
وجرى ذكر هذا الكتاب في إحدى جلسات مجلس إسكندرية البلدي، فطلب أحد الأعضاء الوطنيين ترجمته إلى اللغة العربية، وعُهد في ذلك إلى شابين مصريين، قضيا في العمل شهورًا طويلة ثم ظهر أن الترجمة مليئة بالأغلاط، فكفوا «على الخبر ماجور» وحُفظت الترجمة، ولا تزال حتى اليوم مقبورة في «الدوسيهات»!
وألف السنيور براشيا كتابًا ثانيًا عن حركة الآثار والمتحف من سنة ١٩٢٦ إلى اليوم، وطبعه في إيطاليا.
مئات من الشبيبة المصرية المنورة تصطاف في الإسكندرية سنويًّا، وتنعم بمياه البحر في ذاك «البلاج» البديع و«الكابينات»، وتقضي سهراتها في «الكازينات» و«الكاباريهات» المختلفة مقامِرة راقصة؛ فهل تظن أن هناك عشرة فكروا في زيارة المتحف أو الآثار أو قراءة كتب بوتي وبراشيا وريتي وجرانفيل والأب ملحه؟