وليم شكسبير
دعي الدكتور حافظ عفيفي باشا، وزير مصر المفوض في إنكلترا، مع سفراء دول كثيرة إلى حفلة افتتاح مسرح شكسبير في سترافورد أون أفون، ورفع العلم المصري على المسرح في الوقت الذي رفع فيه سائر السفراء المدعوين أعلام دولهم عليه إلى جانب العلم البريطاني.
ومسرح الشاعر الإنجليزي مؤلف هملت وروميو وجوليت والملك لير، صرح إنكليزي دولي اشتركت فيه دول الأرض وكثير من الهيئات الأدبية اعترافًا بفضل شكسبير على الأدب والشعر و«المرسح». وكان لمصر نصيبها، إذ اشترك صاحب الجلالة الملك فؤاد بمبلغ مئتي جنيه في إقامة هذا الصرح الأدبي العظيم.
وليس شكسبير غريبًا عن مصر وأدبها الحديث، فقد نالت رواياته في مدارسنا و«مراسحنا» ما لم تنله روايات غيره من كتاب المسرح وشعرائه.
وإذا كان العامة من المصريين لا يعرفون شكسبير والخاصة لا يدركون أسرار رواياته؛ فإن الكل يعرفون هملت وعطيل.
وكان الأستاذ إبراهيم زكي بك، من كبار الموظفين بوزارة المالية، أول من عُني لسبع وثلاثين سنة ونيِّف بترجمة خلاصة ثمانٍ من روايات شكسبير عن تشارلس لامب.
ولنحو عشرين سنة نشر الأستاذ إسماعيل عبد المنعم كتيبًا في ١٢٠ صفحة صغيرة الحجم عنوانه «على مسرح التمثيل»، لخص فيه سبعًا من هذه الروايات، قال في وصفها إن شكسبير سطرها من أنفاس العاشقين وعَبَرَات البائسين، وأرانا فيها أشكالًا متضاربة من الطبائع وصورًا شتى من العادات، فهذَّب النفوس وقوَّم الأخلاق، وثَلَّ بها عروش الظلم، وقوَّض دعائم الاستبداد.
وأخيرًا عُني الأستاذ أمين الغريب صاحب مجلة «الحارس» في بيروت (والمحرر في جريدة الأهرام الآن)، بوضع كتاب «روايات شكسبير، للشاعر الإنكليزي الأكبر»، وصدَّره بمقال نقد بديع «في تاريخ حياة شكسبير، ودرس فيه، وفي شعره، وفي الأخلاق».
وقد جاء في خاتمة هذا المقال: «يوجد من يظن أن أول من فتح أعين العالم على أهمية شكسبير هم الألمان فقد ترجموه قبل سواهم إلى لغتهم. وقام نقاد كبار منهم يوضحون مزاياه الرائعة، ومراميه السامية، حتى انفتحت أعين الدنيا على معينه الفياض، وتجلَّى فضله وتفوقه للعيان. وهكذا تحول أعظم شاعر في إنكلترا إلى أعظم شاعر في العالم.»
وكانت رواية «أوتللو» أو القائد المغربي أول رواية لشكسبير مُثِّلت على «المراسح» العربية في مصر، ترجمت بإشارة سليمان القرداحي، ومثَّل فيها دور أوتللو، ثم اشتُهر بعده في تمثيله أحمد فهيم ومحمد بهجت.
ونقل المرحوم نجيب الحداد، أو على الأصح اقتبس، رواية «روميو وجوليت» عن الفرنسوية، وسماها «شهداء الغرام»، واشتُهر بقصائده التي خلدها الشيخ سلامة بصوته العذب، ومنها القصائد التي مطالعها: عليك سلام الله يا شبه من أهوى، وسلام على حسن يد الموت لم تكن، وأجوليت ما هذا السكوت ولم أكن.
وترجم غير واحد روايات شكسبير، وشُخِّص أكثرها. على أن أبلغها وأسماها وأرقاها ترجمات الأستاذ خليل مطران، وقد شخَّص بعضها جورج أبيض.
وهناك ترجمات كثيرة لروايات شكسبير مذيلة بشروح ليستعين بها طلبة المدارس على فهم الأصل الإنجليزي.
وقد «مسخ» الأستاذ أمين عطا الله رواية شهداء الغرام، ومثَّلها الشيخ سلامة حجازي ليلة ٢٨ مايو سنة ١٩٠٦.
ولم يسلم شكسبير من عبث صغار شارع عماد الدين، فقد أخذوا بعض رواياته وقلبوها مهازل باردة غنية.
ومع وفرة الأقلام التي عالجت روايات شكسبير ونقلتها إلى العربية، فإن الرجل لم يدرس بعدُ بالعربية دراسة تحليلية تعرفنا حقيقته ورواياته، وهو عمل نرجو أن يقوم به أحد رجال الجامعة المصرية خدمة للأدب العربي وتخليدًا لذكرى ذاك الشاعر في لغتنا.