الزجال عزت صقر
مات عزت صقر أمير الزجالين ومجدد فن ابن قزمان والغباري ومدغيس، وتلميذ القوصي والنجار وزميل إمام ونظير.
مات عزت صقر، فنعته صحفنا كما تنعي كل من لا يُعرف إلا بذويه وعشيرته، وسكت الأدباء والشعراء والزجالون، كأن عزت نكرة تُطوى صحيفتُه ولا تقال كلمة في أدبه وفنه الخالد.
قال المرحوم محمد دياب: «يجيء الزجل على أوزان الشعر والموشح، إلا أنه يخرج من بابيهما بكونه بلسان العامة حتى إنه يشترط فيه اللحن.»
فالزجل ضرب من شعر العامة يمتاز فيه الأديب وتتجلى قدرة الناظم ورسوخ قدمه في الأدب، إلى جانب حلاوة لفظه ومعرفته بلهجة أولاد البلد وأمثالهم ونكاتهم وتعبيراتهم التي لها بلاغتها وسحرها.
لخمسين سنة كان للزجل في مصر أبطاله وفرسانه، وفي مقدمتهم المرحوم محمد عثمان جلال، والسيد عبد الله نديم، والشيخ حسن الآلاتي.
ثم حمل علم الزجل بعدهم الشيخ محمد النجار صاحب «الأرغول»، وحفني بك ناصف، والشيخ أحمد القوصي، وعبد الباسط الجوي.
وعن الفئة الأخيرة أخذ المرحومان محمد توفيق صاحب «الحمارة» وإمام العبد، وخليل نظير وعزت صقر.
وكان لكل واحد من هؤلاء ميزته وعلمه وأدبه وعلاقته بالعامة.
وقد امتاز عزت صقر على زملائه بوجاهة عائلته وطيب أرومته.
كان أبوه المرحوم أحمد صقر كبير الكتاب في مصلحة سكة الحديد.
وعُني بتربية ولديه عزت وحافظ.
فلما أتم عزت دروسه في مدرسة النحاسين الابتدائية أدخله معه في سكة الحديد.
ولكن ذاك الفتى لم يُطِقْ العمل في الحسابات أرقامها، والتذاكر وإحصائها، فهجرها وانصرف إلى الأدب والتاريخ، وارتمى في حظيرة الأدباء والزجالين والشعراء، وقضى بينهم نهاره وليله.
وليل أهل الأدب الخالص اللَّف والبَرْم وارتشاف الملاذِّ كلها بريئه وآثمه.
وفي هذه الليالي الملاح تأدب عزت صقر وتمرَّس، وعرف ما لم يعرفه أبناء البيوتات الكبيرة من شقاء الشعب وذلته، فكان خير مثال في رقة الطبع والعطف على الأدباء اليائسين والبر بهم.
وسجل صقر أول أزجاله في جرائد المرحوم محمد توفيق صاحب «الحمارة» و«الأرنب»، ثم في جريدة «سر الليل» التي أصدرها المرحوم إمام العبد، وغيرها من تلك الوريقات الطيارة التي كانت تذيع شعر العامة الكبار الخاصة بأسمائهم، ومنهم المرحومان أحمد عاشور وخليل نظير، وشعبان عوني، ولغيرهم بتوقيعات رمزية.
وحمل عزت صقر علم الزجل، وصار زعيم الزجالين بعد وفاة الشيخ النجار، وأدخل على الفن كثيرًا من الأوزان والتفاعيل.
وكان لا يلذ له غير جلسة وسط هؤلاء الأدباء المفاليك يباسطهم، وكان نديمه المرحوم خليل نظير الأسود، ومن قوله:
واتخذ أحد بيوته في العباسية مقرًا له، وأنشأ وسط حديقته كوخًا دعاه «عشة اليابان» يجتمع فيه وأصدقاؤه الأدباء، والزجالون يتنادمون ويتناشدون القديم والحديث من الشعر والزجل. وبين الكاس والطاس يبتكرون الأزجال ويهتفون بالدعاء لأميرهم عزت إعجابًا بما يقرع به آذانهم من روائع الكلم.
وأزجال عزت صقر منثورة في الصحف والمجلات، ويحفظها غير واحد من أدباء العصر. ومن أطلاها وأحلاها زجله الذي عاتب فيه السيدة منيرة المهدية، لخروجها من دائرة الغناء والرقص إلى تمثيل أدوار الرجال.
ومطلع هذا الزجل:
ومنه:
ومنها رثاؤه للمرحوم إمام العبد، ومنها مقطوعات صغيرة جمة تدل على الذكاء المتوقد والقريحة الفياضة، مثل قوله في رثاء المرحوم أحمد عباس صاحب جريدة الخلاعة:
إن موت عزت صقر نكبة أدبية، لا يعزينا فيها إلا الأمل في ابنه علي عزت صقر الذي ورث عنه الأدب والزجل، والبقية الباقية في زجالي مصر الأدباء رمزي نظيم، وحسين مظلوم، ومحمد عبد النبي، ويونس القاضي، وعيسى صبري، ومحمد عبد المنعم، وحسين الحلبي. أطال الله حياتهم، وأعز بهم دولة الأدب.