الأب جريجوار
بينما كان الأهالي والعامة والخاصة في إسبانيا هائجين على رجال الدين يقتلون الرهبان ويهينون الأساقفة ويحرقون الديارات، وبينما كانت الحرب ناشبة في إيطاليا بين الفاشيست والفاتيكان؛ رأيناهم في فرنسا يحتفلون بالعيد المئيني لوفاة راهب جليل هو «أبونا جريجوار».
و«أبونا جريجوار» أو «الراهب جريجوار» علم من أعلام الثورة الفرنسوية يعرفه أبناء المدارس كما يعرفون أسماء بقية أبطال هذه الثورة.
توفي في ٢٨ مايو سنة ١٨٣١ بعد أن لعب دوره خطيبًا، وثائرًا، وناقمًا على زملائه حَمَلَة القلانس السوداء، وداعيًا إلى تحطيم دعائم الملكية ودك حصون الاستبداد، فحفظ المفكرون للرجل جميله وخدمته، وألفوا جمعية أطلقوا عليها اسم «جمعية أصدقاء الأب جريجوار».
وبدءوا منذ يوم ٢٨ مايو بإقامة الحفلات التذكارية له، وأولها حفلة حول جَدَثه في مقبرة مونبارناس، وثانية في قاعة السوربون اشترك فيها كبار رجال الحكومة والعلماء، ثم حفلة أمام تمثاله في لونفيل، وثانية في فينو لوضع لوحة تذكارية على المنزل الذي وُلد فيه الراهب.
وفي يوم ٢٨ يونيو أقيمت له حفلة عظيمة في المعرض الاستعماري بباريس.
واليهود الفرنسويون في طليعة المشتركين في هذه الحفلات التذكارية، كما أن مفكريهم وعلماءهم يقيمون حفلات خاصة في فرنسا وخارج فرنسا اعترافًا بالشكر لذاك الراهب المسيحي الذي دافع عنهم، واستطاع بعد خطبته البليغة في الجمعية التأسيسية في سنة ١٧٩١ أن يرغم تلك الهيئة على منح اليهود سائر حقوقهم أسوة بإخوانهم الفرنسويين.
ولو لم تكن مصر رازحة تحت أعباء همومها السياسية، لدعوت إلى الاشتراك في تكريم «الأب جريجوار» بصفته من رسل الإنسانية، وأكبر بنَّاء وداعٍ إلى وضع مبادئ «حقوق الإنسان».
ولكن من يدرينا أن تكون هذه الدعوة سببًا في نكبة؛ لأنه محكوم علينا أن لا نتمتع بحق الإنسان، ولأن رجال الدين في طليعة من يقاومون هذا الحق؟