أسعد خليل داغر
نُعي أمس المرحوم أسعد خليل داغر.
مات الرجل الذي كان يجمع بين كثير من صفات وأخلاق وعلم وأدب قلَّ أن اجتمعت لغيره من رجال القلم في هذا العصر.
اشتغل في شبابه بالتدريس في مدارس الأمريكان في صيدا بعد أن أتم علومه في كليتهم المشهورة في بيروت.
ولم يقتصر على التدريس، بل عمد إلى التأليف والترجمة.
وأنت تطالع قائمة مطبعة الأمريكان في بيروت، فتجد فيها أكثر من كتاب ورسالة بقلم أسعد داغر.
وله كتب كثيرة ترجمها ونشرت دون أن يذكر اسمه عليها.
ونشر وهو في لبنان تاريخ وليم الظافر، وكتاب «حالة الأمم وبني إسرائيل في سنة ميلاد عمانوئيل».
وأتى إلينا لخمس وثلاثين سنة للعمل في الصحافة.
وكانت مقالاته في المقطم عنوان النزاهة والأدب والدعوة إلى الأخلاق الكريمة، ولكنه لم يلبث في خدمة صاحبة الجلالة إلا ثلاث سنوات.
ودخل في وكالة حكومة السودان، فوجد لديه سعة من الوقت للعمل في الأدب والترجمة والتأليف ونظم الشعر، وله من المؤلفات نحو ٢٠ كتابًا ورسالة بين مترجَم ومؤلف.
فمن مؤلفاته اللغوية: كتاب «تذكرة الكاتب في أغلاط الكتَّاب والمحررين وتصحيحها».
ومن رواياته: رواية «راسبوتين الراهب والمحتال» لوليم ليكيه، و«مذكرات اللادي اسكويث» التي ترجمتها بعده الآنسة منيرة صبري.
ومن قصائده الممتعة: «تاريخ الحرب الكبرى» شعر.
وأخيرًا كتاب «مثلث الدمار في مساوئ الخمر والدعارة والقمار».
وتتسم مؤلفات الأستاذ داغر بطلاوة الإنشاء والتدقيق في اللغة مع بساطة العبارة وحلاوتها.
وصفة أخرى تعد اليوم نادرة في كتَّاب وأدباء العصر، فإن ما يسمونه الأدب المكشوف لم يعرفه أسعد داغر في كتابته، بل كل ما خطه قلمه كان مهذبًا جديرًا بأن تقرأه الفتيات والسيدات.
وقد ظهرت مقدرة الأستاذ داغر وفنه الصحافي في مجلة «المضمار» التي أنشأها بعد أن ترك خدمة حكومة السودان، وهي صحيفة عربية خدمت الفنون الجميلة والألعاب الرياضية وأذاعت أخبارها بعبارة رصينة ولغة مهذبة وصور أنيقة.
وخافها بعض الزملاء ولم يقوُوا على منافستها فعمدوا إلى محاربتها محاربة غير مشروعة، بأن اتفقوا مع باعة الصحف على ألا يحملوها فقضوا عليها، وهي في السنة الثانية من حياتها المباركة.
كان الأستاذ داغر من زبائن الاسبلندد بار عندما كان ندوة للأدباء ورجال القلم وكتاب الصحف.
وأخيرًا عمد إلى بيته، فكان قليلًا ما يزايله إلا إلى نزهة قصيرة أو زيارة عائلية أو الذهاب إلى إحدى المطابع أو المكتبات.
وكانت آخر صدمة أصابته وفاة السيدة قرينته، فرثاها بقصيدة تعد فريدة في بابها بين ما نظمه شعراء العصر في مراثي ذويهم.
وفي السنوات الأخيرة كانت داره مجمعًا لبعض الأنسباء والأدباء مساء كل خميس.
كانت جلسات بريئة ليس فيها خمر ولا بوكر ولا بريدج.
لثلاثة أسابيع زرته حسب العادة، فقابلني ولداه وسألتهما عنه، فقالا لي إنه متوعِّك المزاج، فدعوت له بالشفاء.
إن سيرة أسعد خليل داغر من أعمر سير أدباء العصر وأحفلها بالمآثر الطيبة.
وهكذا يجب أن تكون حياة خدام الأدب والصحافة.