الأستاذ حسن حسين
نعت الصحف المرحوم حسن حسين أحد موظفي إدارة المطبوعات.
كان الفقيد كاتبًا أدبيًّا وباحثًا مدققًا.
تلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدارس المرسلين الإنكليز، وأحرز فيها البكالوريا المصرية.
ثم اشتغل بالتعليم في المدارس الأهلية، وانتظم في سلك الجامعة المصرية في نشأتها الأولى.
واشتغل كذلك بالكتابة في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية.
ولم يلبث حتى عاف التعليم.
وكان كثير الاتصال والاختلاط بالمشتغلين بالحركات السياسية.
فلازم سنوات طويلة سيد أفندي محمد الذي انتهى به الأمر إلى الوقوف أمام المحاكم العسكرية والحكم عليه بالسجن.
وكان كثير الترداد على دار البرنسيسة ألكسندره أفرينوه بعد انتقالها من الإسكندرية واشتراكها في الأعمال السياسية والتجارية مع رجال السلطة العسكرية الإنكليزية.
ثم ألقى عصا التسيار في إدارة المطبوعات بواسطة صديقه وزميله في الدراسة بالجامعة الأستاذ فريد رفاعي.
ولم يكن قبل دخوله في الجامعة مقتصرًا على الكتابة والتحرير في الصحف، بل وضع وترجم بعض كتب في مواضيع عدة بين تاريخية وفلسفية وعلمية، وساعد بعض المؤلفين والمترجمين البارزين في ما ظهر لهم من كتب ومباحث مؤلفة ومترجمة.
وقد امتاز على زملائه من الكتاب والمحررين بدراسة الفلسفة الهندية.
وترجم منها كتابًا اسمه «الرجا يوجا» على ما أذكر.
ولم يكتف بالنظر في هذا الضرب من الفلسفة، بل كان يطبقها على نفسه تطبيقًا عمليًّا.
فقد كان — رحمه الله — من العبَّاد الزهاد.
يكره النقود، ولا يعرف كيف تصرف.
فكل ما كان يتناوله من هذا أو ذاك أجرة أو مكافأة لتحرير أو ترجمة.
وكل ما كان يأخذه مرتبًا من إدارة المطبوعات كان يكتفي منه بأن يعده ثم يختزنه ولا يمس قرشًا واحدًا منه.
كان إذا مر بجماعة من إخوانه جالسين في قهوة أو بار يكتفي بتبادل التحية معهم، فإن أرغموه على الجلوس وتناول أي شيء من المشروب فلا يزيد ما يطلبه على ماء بارد أو فنجان قهوة.
وهكذا قل عن أكله، فهناك عزائم دورية منتظمة، وأكلات متقطعة عند هذا وذاك من موظفين، وتجار كتب، وأدباء، وعلماء، وأخصهم الشيخ طنطاوي جوهري.
وكان يكتفي عند هذا وذاك بأبسط أنواع الأكل وأقلها دسمًا.
كان يحمل تذكرة اشتراك في الترامواي، يأخذها من أحد أصحاب الصحف مقابل مقالات يكتبها له السنة بطولها.
ويحمل كذلك تذكرة من مصلحة التنظيم يدخل بها مجانًا إلى حديقة الأزبكية وحديقة الحيوانات في الجيزة، حيث يتمتع بجمال الطبيعة وينصرف إلى القراءة والكتابة منفردًا.
وأصيب بمرض عضال منذ سنوات، وأبت عليه فلسفته أن يقصد طبيبًا أو يشتري دواء.
ومات فزالت بموته صورة الأديب الذي يجمع بين حب المال لجمعه وادخاره، وقضاء الحياة غير مشارك الناس في شيء من لذاتهم وشهواتهم الطبيعية.