عبد الرحمن الكواكبي
روت إحدى صحفنا المحلية أن صاحب السعادة محمود صدقي باشا محافظ العاصمة، قد اهتم اهتمامًا يشكر عليه بأمر قبر المرحوم العلَّامة عبد الرحمن الكواكبي بعدما اتصل به من أن القبر متداعٍ إلى الخراب، فذهب مهندس لجنة الجبانات مع جماعة من أعضاء الرابطة الشرقية إلى جبانة باب الوزير وشاهدوا القبر، فاستقر رأي المهندس على وجوب نقل الرفات منه إلى جبانة المجاورين وأن توضع في مدفن مناسب ولائق.
لم يُطِقْ السيد الكواكبي الحياة في حلب، وهي مسقط رأسه، لما كان يشعر به من ظلم الأتراك، فتركها غير عابئ بالمنصب والجاه والمال، وطاف البلاد العربية، ثم ألقت به خاتمة المطاف إلى مصر فاستقر بها ونشر مقالاته التي جُمعت بعد في كتابي «أم القرى» و«طبائع الاستبداد». وشارك إخوانه من أنصار الحرية في مصر في المطالبة بحقوق العرب وإنارة أذهانهم وشق طريق المجد لهم.
وتوفي لنحو ثلاثين سنة خلت، وكنت أساهره ليلة موته حتى منتصف الليل في سماع الموسيقى الإنجليزية بحديقة الأزبكية، وكان معنا في تلك الليلة ولده والأستاذ محمد كرد علي.
وفي صباح اليوم التالي نعاه إليَّ الأستاذ كرد علي.
وتناقلت الألسنة همسًا أن الرجل مات مسمومًا، وأن قاتليه جماعة من أنصار المستبدين، وأعداء الحرية الذين يأبون أن يعيش الناس أحرارًا كما وُلدوا أحرارًا.
وتوالت السنوات، وانقلبت حكومات، ووُجدت حكومات، وتغيرت الدنيا ومن عليها، وكاد اسم الكواكبي يُنسى، إلى أن فكر بعضهم في جثته وفي قبره.
وكان هذا التفكير من ثلاث سنوات، والمفكرون من أهل الوجاهة. وانتهى التفكير بكتابة مقالات على صفحات الجرائد.
وهكذا يخلد المتمدنون خدامهم، ونترك نحن رفات كبارنا ومفكرينا.