ويصا واصف
احتُفل بمرور سنتين على وفاة ويصا واصف.
ونقل جثمانه من مقابر الجبل الأحمر إلى المقبرة الخاصة التي شيدها له ذووه في جبانة الأقباط بهليوبوليس.
مضى ويصا كما مضى محمد عبده ومصطفى كامل وقاسم أمين ومحمد فريد وسعد زغلول، ولم يُعْنَ أحد بتدوين سيرته أو نشر ترجمته.
وويصا من الشخصيات البارزة النادرة.
ويصا الطالب الذكي، ويصا المعلم الحاذق، ويصا البار بأهله، ويصا المحامي البارع، ويصا السياسي الديمقراطي، وأخيرًا ويصا محب الفنون وخادمها.
كان ويصا تلميذًا في مدرسة النورمال التوفيقية في سنة ١٨٨٧.
وكانت التوفيقية حينذاك في درب الجنينة، حيث توجد الآن دار محكمة الموسكي الجزئية.
وكان ناظرها المسيو بلتيه بك.
ومن تلاميذها الأحياء الوزير حافظ حسن باشا، وحسين طلعت بك، والأستاذ مرقس فهمي، وشقيقه الأستاذ يوسف صبري، وفهمي العمروسي، والمحامي رزق الله مكسي، ومحمد علي دولار بك، والأرخن جرجس فيلوثاوس، والأستاذ ميخائيل فرج، والأستاذ إسكندر سعد.
ولاحظ المسيو بلتيه بك أن التلميذ ويصا واصف أكثر إخوانه ذكاء واجتهادًا، ولكن والده عاجز عن دفع مصاريف تعليمه، فسهَّل له السفر في بعثة حكومية إلى فرنسا، فأتم فيها علومه وحصل على شهادة أستاذ في العلوم من مدرسة سان كلو.
ولما عاد إلى مصر كان المستر دجلس دانلوب قد أنشب مخالبه في وزارة المعارف، وشرع يحارب اللغة الفرنسوية ومعلميها في مدارس الحكومة.
وكان ويصا ممن أصابتهم سهام دانلوب ومقذوفاته، فشمَّر عن ساعد الجد وحصل على ليسانس الحقوق الفرنسوية، وبدأ عمله في المحاماة بمكتب الأستاذ أنطون سلامة. ثم أتى إلى العاصمة، واشترك مع المرحومين مرقس حنا باشا وأنطون يزبك، ثم تفرقوا وعمل كل منهم منفردًا.
جانب من جوانب ويصا لم يعرفه الكثيرون هو حبه للفنون الجميلة وشغفه بها.
كان كثير الألم لعدم قدرته على اقتناء التحف الفنية الثمينة، يذكر الفنون لأخصائه ممتعضًا لجهل عامة المصريين وخاصتهم لها، والتمتع بسحرها.
وظهر حبه للفن وغرامه به في الجلسة التي عقدها مجلس النواب يوم ١٤ يونيو سنة ١٩٢٤ تحت رياسة المرحوم أحمد مظلوم باشا.
في هذه الجلسة ألقى الأستاذ ويصا واصف خطبته المشهورة في الدعاية للفنون، ومطالبته بتقرير عشرة آلاف جنيه في ميزانية وزارة المعارف لتنشيط الفنون ونشرها.
لست في حاجة لِأَنْ أبين لكم أهمية الفنون الجميلة، ويكفي أن أقول إن الفنون الجميلة سواء كانت مصرية أو أوروبية نشأت ونمت في مصر، ثم أهملناها نحن واهتمت بها أوروبا، فأخذت تدرسها في مدارسها كما وضعها المصريون القدماء.
يقولون إن أحسن نحت في العالم هو النحت المصري، ومع ذلك نجد أن هذا النحت يدرس في أوروبا دون مصر. ولست في حاجة لِأَنْ أقول لكم إذا تركتم الحاضر ونظرتم إلى الماضي، فإنكم لا تجدون من أعمالنا شيئًا دام على الدهر إلا الفنون الجميلة.
إننا نستطيع أن نقدم للتاريخ شيئًا، وأن نتخذ فيه أثرًا. ولذا أطلب من حضراتكم اعتماد عشرة آلاف جنيه لتنفق على الفنون الجميلة، وهذا مبلغ لا يكاد يُذكر إذا قورن بما تنفقه البلاد الأوروبية على هذه الفنون، مع العلم بأن ميزانية المعارف في أكثر تلك البلاد قد يُنفق نصفها أحيانًا على تعليم هذه الفنون، وكثيرًا ما تدفع الحكومات في شراء رسم جميل ٢٠ أو ٣٠ ألف جنيه. وحسبي أن أقول لكم إن النحات في أوروبا إذا ذاع صيته كانت له منزلة لا تقل عن منزلة رئيس الجمهورية، وإذا مات مشى الوزراء والسفراء في جنازته.
إن أمامنا طلبًا، ولكن هذا الطلب غير مبني على برنامج، وكان يجب أن يقدم البرنامج إما إلى لجنة المعارف أو لجنة الميزانية لدرسه. وعلى كل حال إن هذا الطلب سابق لأوانه، ويمكن للمجلس أن ينظره بعد أن ينتهي من الطلبات التي ستقدم إليه من وزارة المواصلات بخصوص التليفونات، حتى إذا بقي شيء فإن اللجنة لا تعارض فيه.
فشرح الأستاذ ويصا واصف في إيجاز ما يقصد أن يصرف فيه المبلغ لتنشيط الموسيقى والتمثيل والرسم والزخرفة والفنون التطبيقية.
وانتهت المناقشة بأن وافق المجلس على تقرير المبلغ الذي طلبه المرحوم ويصا واصف، فكان نواة لما يقرر سنويًّا في ميزانية وزارة المعارف للفنون.
فإذا ذكر التلاميذ ويصا واصف معلمًا.
وإذا ذكر المحامون ويصا زميلًا.
وإذا ذكر الوطنيون ويصا وطنيًّا مخلصًا.
وإذا ذكر الدستوريون ويصا نائبًا جريئًا.
فحريٌّ بالفنيين ومحبي الفنون أن يذكروه فنيًّا مخلصًا، أول نائب مصري قدَّر الفنون وعمل لترقيتها.