محمد مسعود
أحيل الأستاذ محمد مسعود، مدير قسم النشر والترجمة في مصلحة التجارة والصناعة، إلى المعاش لبلوغه السن القانونية.
الدكتور فارس نمر والأستاذان خليل زينيه ومحمد مسعود هم اليوم أقدم كتاب الصحف المصرية المعاصرين، ولكل منهم تاريخه وعمله وآثاره المجيدة في خدمة القمرة القمورة «صاحبة الجلالة».
بدأ الأستاذ مسعود حياته العملية فتى، فاشتغل مدرسًا في مدرسة رأس التين، وكان من تلاميذها في ذاك الحين من تزيد سنه على المسيو مسعود.
ويقول «الشهرستاني» إنه في سنة ١٨٨٩ أعلن عن وظيفة مغير في الكتبخانة الخديوية، فتقدم إليها الشاب (النونو) محمد مسعود، ولكنه لم يدخل الميري.
وانصرف إلى الدرس والمطالعة ومراجعة أجزاء الإنسكلوبيدية الفرنسوية (الكبرى) التي اشتراها حينذاك من «شبرقته».
وفي ذاك الحين أنشأ المرحومان الشيخان أحمد ماضي وعلي يوسف جريدة المؤيد، فتطوع الشاب محمد مسعود لمعاونتهما محررًا في المؤيد ومترجمًا وكاتبًا للسياسة الخارجية.
كان ذلك لأربعين سنة خلت بالكمال والتمام.
ومنذ انضم مسعود إلى الصحافة وهو بدرها اللامع ومترجمها البارع وأستاذها المحنك، صديق الجميع وأنس المجالس بالرغم من كل ما جرى من مخاصمات وحروب قلمية بين صاحب المؤيد وأصحاب المقطم، ثم بينه وبين صاحب اللواء، وأخيرًا بينه وبين أحمد لطفي السيد، وحزب الأمة أصحاب «الجريدة».
وأنت إذا رجعت إلى الخمسة عشر مجلدًا الأولى للمؤيد، فتأكد أن كل ما فيها من تلغرافات وفصول سياسية أجنبية من صنع الأستاذ مسعود، تتجلى فيها كلها الرقة والدقة والأمانة في النقل.
ولم يكتف مسعود بالكتابة في المؤيد، فأنشأ مجلة الآداب العربية وجريدة ممفيس الفرنسوية. واشترك (برضه منذ سبع وثلاثين سنة) كلٌّ من كامل إبراهيم بك (وزير الزراعة الحاضر) والمرحومين صالح نور الدين وعلي أبو الفتوح باشا (وكيل المعارف سابقًا)، وكان الثلاثة قد قدموا حديثًا من أوروبا بعد أن أحرزوا ليسانس الحقوق في جامعة مونبليه، فأنشئوا جمعية للتعريب وترجموا وطبعوا كتاب «أصول الاقتصاد السياسي» لجيوفنس، وأعلنوا عن ترجمة كتاب «التربية» لسبنسر ولكنهم لم يظهروه.
وتولى تحرير «المؤيد» الفرنسوي.
وترجم رواية «وردة» لإيبرس.
ونشر «تقويم المؤيد» الذي دعاه بعدئذ «تقويم مسعود»، وعطله في أول الحرب الدولية لارتفاع أسعار الورق.
واشترك مع زميله الأستاذ حافظ عوض بك في إصدار «المنبر»، ثم اختلفا فأنشأ الأستاذ مسعود جريدة «النظام».
ودخل في خدمة الحكومة ولكنه لم يترك الكتابة والأدب، فاستعان به سمو الأمير يوسف كمال الدين على ترجمة بعض أسفار تاريخية، ثم جذبته الصحافة فاشتغل موظفًا فمديرًا لإدارة المطبوعات فمديرًا للنشر والترجمة بمصلحة التجارة، وهنا جدد شبابه وأعلن فضله بإحياء مجلة المصلحة وإصدارها شهرية منتظمة ضخمة حاوية أحسن ما يكتب.
وعُهد إليه أخيرًا في تحرير مجلة «الرابطة الشرقية»، فألبسها حلة جديدة من الترتيب والتنسيق.
واليوم يجدد الأستاذ شبابه، فليستعد القراء لقراءة الفصول الشائقة والكتب الممتعة بقلم مسعود، أطال الله حياته ومتَّعه بالصحة والعافية!