اللورد جورج لويد
في تلغراف خاص من لندن أن الديلي إكسبرس عقدت فصلًا قالت فيه إن بعضًا من المعجبين باللورد لويد يرون أنه قد يكون ديكتاتورًا في المستقبل، فقد قبض على غاندي وقوَّض سلطة سعد زغلول.
قالت: «واللورد لويد وطني، شديد التعصب والمغالاة إذا قيس بغيره، وأصدقاؤه الذين يعاملهم معاملة الند للند قليلون. وكان يدع كبراء المصريين ينتظرون على بابه، وقد حكم هناك بيدٍ من حديد.»
وأنت تقرأ هذه الفقرة فلا تدري أمدحًا تقصد هذه الصحيفة أم ذمًّا، والوجه الأول أقرب. ولكن الحقيقة على العكس، فإن الديلي إكسبرس من أكبر صحف الإمبريالزم وغلاة المحافظين المستعمرين الذين يريدون أن تذل الشعوب ويروا أمم الأرض كلها وعلى رأسها «طرح سود»! فالديلي إكسبرس محافظة تمدح محافظًا.
كان المؤرخون في العصور القديمة يَتَجَافَوْن أن يذكروا عن ملوكهم وأَقْيَالهم ما يشير إلى فوزهم على ضعيف أو عبثهم بذليل، ولكنا عشنا ورأينا وسمعنا هؤلاء الإنكليز يفخرون بما يفخر به الأطفال والبهَّال.
وهل نسيت حديثهم عن كتشنر؟
كان يلقِّبونه بالأسد الهصور و«سبع البرمبة» وقاهر السند والهند! فإذا أنت بحثت عن أسباب هذه «الهيصة» لم تجد سببًا يدعو إلى مفخرة.
نعم كان صاحبنا بطلًا صنديدًا، ولكن أتعرف أين تجلت بطولته؟
كان على رأس جيوش قوية مسلحة بأقوى الأسلحة المدمرة، فهزم جماعة الدراويش حَمَلة البنادق المهشَّمة والقِسِيِّ والنبال والمرازيق المحطمة!
وكان على مثل هذه القوات الساحقة الماحقة في محاربة البوير من سكان بلاد الكاب وما حواليها!
وكان مسلحًا بالمتراليوزات في قمع ثورات الأفريد أو العفاريت من الهنود المساكين الذين سحقهم الجوع والفقر وأنواع المخدرات!
والله أعلم أين كان يضعه القوم لو انتصر في مثل المواقع التي فاز فيها نابليون وفوش.
وجاء القوم اليوم يمجدون اللورد لويد، ويدَّعون أنه قبض على غاندي وقوَّض سلطة سعد زغلول.
وليس غاندي الصائم ممن يُقبض عليه، وليس سعد زغلول الوطني ممن تُقوض سلطتهم؟
إن جنديًّا واحدًا يمكنه أن يمسك بتلابيب غاندي ويسوقه إلى السجن، ولكن الذي قبض عليه هو جسم غاندي، أما روحه التي تملأ فضاء الهند فليس في متناول يد لويد ومن هو أقوى من لويد.
وأربعة أو خمسة من الضباط المصريين ساقهم الإنجليز فأخرجوا سعدًا وصحبه من دورهم وأبعدوهم إلى سيشل، ثم أخذوا سعدًا إلى جبل طارق. ولكن روح سعد كانت في حياته، ولا تزال بعد موته، تملأ جوانح المصريين كلهم.
فانتصار لويد على غاندي وعلى سعد أكذوبة من أكاذيب القوم، ولو صدقت من الوجهة العملية فإنها لا تشرف مسلحًا يقهر مجردًا عن السلاح.
وليست الكبرياء من الصفات الطيبة، وليس مما يعلي قدر لويد في العيون أنه قل من كان يعاملهم معاملة الند للند، وأن المصريين كانوا ينتظرون على بابه.
ولو أن هذا اللويد خالط المصريين وتأدب بآدابهم وسمع كلام ربهم لاتَّعظ بقوله تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا.
ليس هذا عصر المفاخرة بإذلال أشخاص أو جماعات ولا بديكتاتوريات، فالظلم مرتعه وخيم.
وفي أكسفرد حيث درس جورج لويد وأمثاله يقرءون التاريخ وفلسفة التاريخ، ويعرفون كيف كانت آخرة الظالمين فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ.
عرف سعد الإنكليز بأنهم الأشراف المعقولون.
وليس من هؤلاء المعقولين مثل لويد بشهادة جريدة الديلي إكسبرس.