اللورد إدوارد جراي
نُعي إلينا اللورد إدوارد جراي أوف فالدورن.
إن رجال السياسة والإدارة الذين يعالجون مشكلات لا يجدون متسعًا من الوقت ولا يملكون قسطًا من المعرفة، يمكنانهم من التصرف في قوى الحياة التي تطلقها معامل البحث العلمي.
وليس معنى هذا القول إن رجال الإدارة والسياسة بعيدون كلهم عن البحث والاستقصاء لمشاغلهم وانصرافهم لمعالجة المشكلات، بل قد عرفنا — وعلى الأخص في إنكلترا — غير واحد كانوا يجمعون بين السياسة والعلم والأدب.
لما بلغ اليونان والرومان قمة مجدهم السياسي الأدبي، كان معظم مناصب الدولة وقفًا على العلماء والأدباء.
وتقلبت الدنيا وإذا بنا نراهم في أمريكا لا ينتخبون رؤساء الجمهورية والحكام والقضاة وغيرهم إلا من مديري الجامعات وأساتذتهم.
وأنت تقلب أسماء أعضاء الوزارات الإنكليزية، فلا تجد فيهم غير خريجي أوكسفرد وكمبريدج، ومن كان لهم ماضٍ مجيد في الفوت بول والتنس والكريكت. وقلَّ منهم من لم يكن أديبًا له من المؤلفات القيمة في السياسة والعلم والأدب.
وقد عُنيت صحفنا بتفصيل نشأة اللورد إدوارد جراي حتى يوم وفاته، سياسيًّا، ولعبه أكبر الأدوار في سياسة إنكلترا الخارجية والتطورات العالمية الدولية.
وغفل الكاتبون عن ناحية أخرى من حياة اللورد جراي لها مكانتها، وهي حياة اللورد الفنان الأديب واللاعب الرياضي المعروف.
كان اللورد كاتبًا أديبًا، وكان «مَعْلَمة» في الطيور والحيوانات والأزهار، فكتب بقلمه الساحر كتابه المشهور «خمس وعشرون سنة من ١٨٩٢ إلى ١٩١٦»، وضمَّنه تاريخ الحوادث والشئون السياسية في بريطانيا العظمى والعالم وعلاقة ممالك أوروبا وجمهورياتها ببريطانيا في هذه الحقبة التاريخية.
وله كتاب آخر موضوعه «الثورات»، بحث فيه أهم الثورات العالمية وأسبابها ونتائجها السياسية والاجتماعية. وكتاب آخر نشر في سنة ١٩٢٠ عنوانه «أريكسون مكتشف أمريكا».
أما كتبه عن الطبيعة ومباهجها والطيور والأسماك فهي: وثائق فالدون، وفنون الطيور، وصيد السمك بالسنارة.
وتعد هذه الكتب من عيون الأدب الحديث يقدمها الآباء للأبناء، والأساتذة للطلبة، هدية للمطالعة وقضاء الوقت في التلذذ بأبلغ أسلوب رقيق دقيق.
ولم يكتفِ اللورد جراي بالكتابة عن الطير، بل جمع منها في داره عددًا كبيرًا مختلف الأنواع. وكان خير الأوقات عنده ما قضاه في رعاية هذه الطيور وتدجينها ومراقبة أطوار حياتها.
ولما زار الرئيس روزفلت إنكلترا خصص آخر أيامه فيها لزيارة اللورد جراي في ضَيْعته بفالدون، وقضى اليوم إلى جانب أعشاش الأطيار ممتِّعًا نظره بألوانها، مشنِّفًا أذنيه بسماع:
هذا هو اللورد جراي الذي أضاف صفحة جديدة إلى تاريخ الأدب الإنكليزي، مقتفيًا أثر غير واحد من الوزراء الإنكليز ورؤساء الوزراء العلماء الأدباء.