عبده حسن خضر
مئة وثمانون ألف جنيه …
ثروة ولا كل الثروات، جاءت سافرة لم تتبرقع، منقادة تجر أذيالها إلى السيد حسن عبده خضر نزيل إصلاحية الرجال بقناطر الدلتا.
بشره بها مأمور السجن، وقال إنه قد أوصى له بها ابن عمه الذي توفي أخيرًا بجنوب أفريقيا.
ومهما يكن من قوانين مصلحة السجون وشدة مدير السجون، فلا جدال في أن السجين الثري «على سن ورمح» أصبح موضع تكريم السجانين ورؤساء السجانين، وقد يتقدم إليه هذا وذاك بعرض «أية خدمة تلزم» في دائرة القانون.
والسجين المحترم ليس غريبًا عن قراء الصحف وإن نسيه بعضهم، وهو صاحب قضية شركة تصدير الخضر إلى أوروبا، التي اشتهر خبرها منذ سنتين، واتُّهم فيها صاحبنا بالنصب على فئة من التجار والشبان طالبي الاستخدام في هذه الشركة الفالصو.
وهذه الشركة هي إحدى المحاولات الجريئة التي حاول بها صاحبنا الوصول إلى العز والمراتب العالية.
وإلى القراء بعضًا من كل من تاريخ هذه الشخصية الغريبة:
حسن عبده خضر من أولاد الناس الطيبين في مدينة المنصورة.
تلقى دروسه الابتدائية في المنصورة.
ثم أرسله أهله إلى الإسكندرية فدرس في إحدى مدارسها الثانوية، وامتاز على أقرانه بالتفوق في اللغة الإنكليزية ومعرفة اللغتين الفرنسوية والإيطالية.
وقضى ثلاث سنوات بين إيطاليا وإنكلترا، وعاد إلى مصر في سنة ١٩١٢.
ونال شهادة البكالوريا، وسافر إلى إنكلترا للتخصص في التربية والتعليم.
وقضى ثلاث سنوات بين إيطاليا وإنكلترا، وعاد إلى مصر في سنة ١٩١٢.
وعين سكرتيرًا لجورج موريس بك مدير قسم الضبط في نظارة الداخلية.
وأحيل موريس بك إلى المعاش، وأوصى بسكرتيره فأُبقي سكرتيرًا للمرحوم محمد بدر الدين بك.
واصطحبه بدر الدين بك في رحلته إلى إستانبول وسويسرا وإيطاليا للتحقيق في قضية الاعتداء على صاحب السمو الخديوي السابق في سنة ١٩١٤.
ثم نشبت الحرب العظمى، واشتبهت السلطة العسكرية في أمر حسن عبده خضر فأقيل من خدمة الحكومة المصرية.
ولطشت الدنيا به، فارتكب جريمة احتيال بكوم الدكة في الإسكندرية، وحكمت عليه محكمة العطارين بالسجن ستة أشهر.
وأعقبها بتزوير شيك في المنصورة فحكم ابتدائيًّا بسجنه سنة، ثم عدلت محكمة الجنح المستأنفة الحكم فجعلته ستة أشهر.
واستُخدم مدرسًا في مدرسة الرشاد الأهلية في المنصورة أيام وزارة محمد محمود باشا.
وأخذ يناصر الوزارة بمقالات يكتبها في جريدة الإجبشيان ثم مقالات كان يرسلها إلى التيمس.
فلما تغيرت الوزارة أبى تلاميذ مدرسة الرشاد أن يتلقوا درسًا على الأستاذ حسن عبده خضر، وهو الرجل الذي يعادي الوفد والوفديين.
وأوصى عليه أحد أصدقائه من الإنكليز فعُيِّن في سنة ١٩٣٠ سكرتيرًا عربيًّا للقنصلية البريطانية في جدة، ولكن الحياة في هذه المدينة القاحلة لم ترقه فغادرها.
ورجع إلى مصر، وعَلِق بغانية إيطالية فطلق زوجته، وكان له منها ولد اسمه عبد الفتاح وبنت اسمها سعاد، وتزوج صاحبته الإيطالية بعد أن أعلنت إسلامها.
واستُخدم في شركة نترات الشيلي براتب أربعين جنيهًا.
ثم كان ما كان من أمر شركة الخضر، وكانت لعبة على المكشوف، مثل كثير من الشركات المالية التي تؤلَّف في مصر وغير مصر دون رأس مال، وتصيب مبلغًا كبيرًا أو صغيرًا من النجاح.
نرجع بعد ذلك إلى ابن عمه، الذي ورَّثه المال، فقد اقترف جريمة لعشرين سنة خلت، وكان حسن عبده خضر حينذاك سكرتيرًا لموريس بك فسهَّل له بحكم وظيفته الهرب من مصر.
وحفظ ابن عمه الجميل فورَّثه هذا الميراث الفخم الذي طرب له غير واحد من أصدقاء الوارث الجليل وعملائه ودائنيه وضامنيه.
ومن هؤلاء الضُّمَّان صديقنا الأستاذ أنطون يعقوب (مكاتب شركة إيتمو التلغرافية)، وكان يضمن الوارث في ثلاثين جنيهًا، وتنقلت الكمبيالة من البنك إلى المحامي إلى المحكمة فصارت قيمتها الآن ٤٧ جنيهًا.
مئة وثمانون ألفًا، قد تصل إلى المليون، تتبخر وتصبح صفرًا مفردًا ما دام السيد خضر من طلاب المجد ولو على مشنقة إذا كان الخبر صحيحًا والمبلغ بالقدر الذي عدوه ولم تكن الرواية مختلفة من أولها إلى آخرها.
والآن ونحن أمام الأمر الواقع أحيي صاحب المئة والثمانين ألفًا، وأناديه من راديو شكمبري مغنيًا مع الآنسة بثينة: «مليكي أنا عبدك!»