مداراة الرقباء
للعشاق أساليب مختلفة في معاملة الرقباء والوشاة، فمنهم من يداريهم ويرصد غفلتهم،
كقول
ابن المعتز:
أردُّ الطرف من حَذري عليه
وأمنحه التجنُّبَ والصدودا
وأرصد غفلة الرقباء عنه
لتسرقَ مقلتي نظرًا جديدا
وكقول السري الرفاء:
ونواظرٍ وجد المحب فتورها
لما استقلَّ الحيُّ في أعضائه
ما كان هذا البين أول جمرة
أذكت لهيب الشوق في أحشائه
لولا مساعدة الدموع ودفعها
خوف الفراق أتى على حوبائه
١
وأنا الفداءُ لمن مَخيلةُ برقهِ
حظي وحظ سوايَ من أنوائه
قمرٌ إذا ما الوشي صِين أذاله
خفِرُ الشمائل لو ملكت عِناقه
يومَ الوداع وهبته لحيائه
ضعُفتْ معاقد خصره وعهوده
فكأن عقد الخصر عقد وفائه
أدنو إلى الرقباء لا من حبهم
وأصد عنه وليس من بغضائه
وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن كعب العُميري:
أيا نخلتَيْ مَرَّانَ هل لي إليكما
على غفلات الكاشحين سبيلُ
أمنيكما نفسي إذا كنت خاليًا
وَنفعكما إلا العناءَ قليل
وما ليَ شيءٌ منكما غير أنني
أمني الصدى ظلِيكما فأطيل
ومن المتيمين من يرجو من محبيه مقارعة الوشاة، كقول أحد الشعراء:
تبَّدل هذا السِّدر أهلًا وليتني
أرى السدر بعدي كيف كان بدائلهْ
وعهدي به عذبَ الجنى ناعم الذُّرى
تطيب وتندى بالعشيِّ أصائله
فما لك من سدرٍ ونحن نحبه
إذا ما وشى الواشي بنا لا تجادله
كما لو وشى بالسدر واش رددته
كئيبًا ولم تصلُح لدينا شمائله
وكقول كثيِّر:
فيا عزَّ إن واشٍ وشى بيَ عندكم
فلا تكرميهِ أن تقولي له أهلا
كما لو وشى واشٍ بعزةَ عندنا
لقلنا: تزحزحْ لا قريبًا ولا سهلا
وقد يُعنى المحب بتكذيب الوشاة، فيما ادعوا من سلوانه، كقول أبي حية النميري:
وخبَّركِ الواشون أن لن أحبكم
بلى وستور الله ذات المحارمِ
وإن دمًا لو تعلمين جنيتِه
على الحيِّ جاني مثله غيرُ سالم
أصد وما الصد الذي تعلمينه
عزاءً بنا إلا ابتلاع العلاقم
حياءً وتُقيا أن تشيع نميمةٌ
بنا وبكم، أفٍّ لأهل النمائم
ومن المعذبين من يشجيه أن لا ينفع العذل عنده، في حين أن من يهواه يأتمر بأمر الوشاة،
ويسمع نُصح اللائمين.
فمن ذلك قول الأبيوردي:
رمتني بسهم راشه الكحل بالردى
وأقتل ألحاظ المِلاح كحيلها
مريضة أرجاء الجفون وإنما
أصحُّ عيون الغانيات عليلها
فولت وقد أبقت بقلبي علاقة
تمر بها الأيام وهي مقيلها
وقلت لأدنى صاحبيَّ وقد وشى
بسريَ دمعي إذ تراءت حُمولها
ذر اللوم إني لست أرعيك مسمعي
فتلك هوى نفسي وأنت خليلها
وليت لسانًا أرهف العذل غربه
على الصب مفلول الشياة كليلها
أردُّ عذولي وهو يمحضني الهوى
بغيط، ويحظى بالقبول عذولها
ويعتادني ذكر العقيق وأهله
بحيث الحمام الوُرْقُ شادٍ هديلها
تنوح وتبكي فوق أفنان أيكةٍ
فِداهنَّ من أرض العراق نخيلها
ولولا تباريح الصبابة لم أُبَلْ
بكاها ولا أذرى دموعي عويلها
ومن بديع الشعر في مدافعة الوشاة، قول الرصافي الأندلسي في غلام حائك:
قالوا وقد أكثروا في حبه عذَلي
لو لم تهم بمُذال القدر مبتذلِ
فقلت لو كان أمري في الصبابة لي
لاخترت ذاك ولكن ليس ذلك لي
علقتهُ حَبَبِيَّ الثغر عاطِرَهُ
حلو اللَّمى ساحرَ الأجفان والمُقَل
غُزَيِّلٌ لم تزل في الغزل جائلةً
بنانه جوَلان الفكر في الغزَل
جزلان تلعبُ بالِمحواك أنمله
على السدى لعب الأيام بالأجل
ضمًّا بكفيه أو فحصًا بأخمصهِ
تخبُّط الظبي في أشراك محُتبل
وأحب لو تأمل القارئ هذه (الصورة الشعرية) التي تمثل هذا الحائك الجميل بالظبي يتخبط
في
الأشراك، وإنها لوثبة من وثبات الخيال.