غربة المحب
نتكلم قليلًا عن غربة المحب، وكل مهجور غريب، لأن الأمر كما قال الشريف:
ليس الغريب الذي تنأى الديار به
إن الغريب قريب غير مودود
فمن الشعراء من يغترب في سبيل حبه، كما قال حذيفة الغنوي:
يقولون من هذا الغريب بأرضنا
أما والهدايا إنني والغريب
غريب دعاه الشوق واقتاده الهوى
كما قيدَ عود بالزمام أديب
١
وماذا عليكم إن أطاف بأرضكم
مطالب دين أو نفته حروب
أمشي بأعطان المياه وأبتغي
قلائص منها صعبة وركوب
ومن شجي الشعر في غربة المحب قول بعض الأعراب:
وفي الجيرة الغادين من بطن وجرة
غزال كحيل المقلتين ربيب
فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى
ولكن من تنأين عنه غريب
ومما يتصل بهذا المعنى قول بعض الأعراب يذكر اختصاصه بالبلوى في اغتراب محبوبته:
أرى كل أرض دمنتها وإن مضت
لها حججٌ يزداد طيبًا ترابها
٢
ألم تعلمن يا رب أن رُب دعوة
دعوتك فيها مخلصًا لو أجابها
وأقسم لَوَ انِّي أرى نسبًا لها
ذئاب الفلا حُبت إليَّ ذئابها
لعمر أبي ليلى لئن هي أصبحت
بوادي القرى ما ضر غيري اغترابها
وغربة المحب تتمثل في حرمانه، وكيف لا يكون غريبًا من يقول:
أيا منشر الموتى أقدني من التي
بها نهِلت نفسي سقامًا وعلتِ
لقد بخلت حتى لَوَ انِّي سألتها
قذى العين من ساقي التراب لضنت
وما أم بَوٍّ هالك بتنوفة
إذا ذكرته آخر الليل حنتِ
بأكثر مني لوعة غير أنني
أطامن أحشائي على ما أجنَّت
ويظهر أن قذى العين كان في أنفس العرب مثلًا لما لا يضن به، فقد رددوا ذكره في أشعارهم،
كما قال بعض بني أسد:
وكيف طلابي وصل من لو سألته
قذى العين لم يطلب وذاك زهيد
٣
ومن لو رأى نفسي تسيل لقال لي
أراك صحيحًا والفؤاد جليدُ