قسوة التجني
أكثر الشعراء من شكوى الهجر والصدود، وأكثروا القول كذلك عن قسوة التجني، فمن ذلك قول ابن نُباتة السعدي:
وما أجمل قول ابن الرومي:
وقد كتبت الآنسة حياة فهمي كلمة عنوانها (لعن الله الحب) ونشرتها في الصباح، فأجابها الشاعر المبدع السيد حسن القاياتي بقوله:
يرى سيدي الشاعر أن الآنسة حياة جهلت الحب، فلامت المحبين، ولو قال غير ذلك لأصاب شاكلة الصواب؛ لأن المرأة كالسياسي سواء بسواء، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، والله أعلم بما يكتمون. فإذا قال السياسي (لا) فاعلم أنه يريد (نعم) وإذا قال (نعم) فاعلم أنه يريد (لا)، وإذا قالت المرأة (لا أحب) فاعلم أنها (تحب) وإذا زعمت أنها (كارهة) فاعلم أنها (راضية)، فإن كنت في ريب من ذلك يا صديقي الأديب فإني أذكرك بقولك من قصيدة نشرتها لك في جريدة الأفكار سنة ١٩١٩:
وقد قال (تاسو) أحد شعراء إيطاليا: إن المرأة تفر، وتود أن تُلحق وهي فارَّة، وتأبى، وتود في إبائها أن تُسرق، وتناضل، وترغب أن يُظفر بها في النضال!
فقول الآنسة حياة: «لست ممن تغلب الحب على قلوبهم» معناه أن الحب صيرها باكية العين، دامية الفؤاد! وقولها: «الحب عدو لدود للإنسان؛ فيجب أن يُبعد عن القلوب» معناه أن الحب مادة الحياة؛ فيجب أن تزود به القلوب!
وقولها «تباعدوا عن الحب» معناه أقبلوا على الحب بسمعكم وبصركم، أيها الشباب!
هذا يا صديقي ما تريده الآنسة حياة فهمي، فهي حين تقول «لعن الله الحب» إنما تريد «حيا الله الحب»، وأنت بما تريد عليم.
ولا يفوتني قبل ختام هذه الكلمة أن أوجه للآنسة حياة هذا السؤال: إنك تأمريننا بأن لا نحب (سمعًا وطاعة!) ولو أني سمعت هذه النصيحة قبل خمسة عشر عامًا لنجوت من الحب، ولاسترحت الآن من تسطير مدامع العشاق، ولكني يا مولاتي لسوء الحظ قد أحببت، وقد ضُربت بمحبتي الأمثال، وأريد أن أسلم من الحب على يدك الطاهرة، جعل الله في يمناك الشفاء، من كل داء، فهل لك أن تصفي لي طريق الخلاص من هذا الضلال القديم، ومن أسماء الحب الضلال؟
أنا في انتظار الجواب!
ملحوظة: أرجو أن تحترس الآنسة حياة، وهي تكتب أنواع العقاقير، من أن تنهاني عن التطلع إلى العيون، والخدود، والثغور، والنحور، والنهود؛ فإنه لا سبيل إلى مثل هذا المتاب! وإنما أريد أن أسلو وأنا أعبث بأفنان الجمال، كما يرُد الشارب الكأس وهي تتوهج بين أنامل الساقي الجميل!
وقد رد السيد حسن القاياتي على هذه الكلمة بخطاب شائق، ولولا الرغبة في الإيجاز لأمتعنا به القارئ، ومن السهل الرجوع إليه في كتاب البدائع.
وقد حَسُن التجني في قول أحد الشعراء: