ظلم الحبيب
وفي الحب وحده يحلو الظلم، حتى لتحكم عُلية بنت المهدي بأن المحب بُني عليه،
وتقول:
وُضع الحب على الجور فلو
أنصف المعشوق فيه لسمُج
ليس يستحسن في شرع الهوى
عاشقٌ يُحسن تأليف الحُجَج
وقال النميري:
راحتي في مقالة العُذالِ
وشفائي في قيلهم بعد قالِ
لا يطيب الهوى ولا يحسن الحـ
ـب لصبٍّ إلا بخمس خصال
بسماع الأذى وعذل نصيحٍ
وعتابٍ وهجرةٍ وتَقال
ويعلل بعضهم جمال الظلم في الحب بقوله:
لولا اطِّراد الصيد لم تكُ لذةٌ
فتطاردي لي في الوصال قليلا
هذا الشراب أخو الحياة وما له
من لذة حتى يصيبَ غليلا
ومثله قول الآخر:
دع الصبَّ يصلى بالأذى من حبيبه
فإن الأذى ممن تُحب سرور
غبار قطيع الشاءِ في عين ذئبها
إذا ما تلا آثارهن ذرور
وأنشد الأصمعي:
لا خير في الحب وقفًا لا تحركه
عوامل اليأس أو يقتاده الطمعُ
لو كان لي صبرها أو عندها جزعي
لكنت أملك ما آتي وما أدع
إذا دعا باسمها داعٍ ليحزنني
كادت له شعبةٌ من مهجتي تقع
لا أحمل اللوم فيها والغرام بها
ما كلف الله نفسا فوق ما تسع
ومن جيد الشعر في ظلم الحبيب قول أبي حية النميري:
رمتني وسِتر الله بيني وبينها
ونحن بأكناف الحجاز رميم
رميم التي قالت لجارات بيتها
ضمنت لكم أن لا يزال يهيمُ
ألا رب يوم لو رمتني رميتها
ولكنَّ عهدي بالنضال قديم
فيا عجبًا من قاتلٍ لي أوده
أشاط دمي شخص علي كريم
يرى الناس أني قد سلوت وإنني
لمدنف أحشاء الضلوع سقيم
وهذا الشعر غاية في رقة المعنى وجزالة الألفاظ.
وما أجمل الرفق في قول ابن الرومي:
أصبحت مملوكًا لأحسن مالك
لو كان كمل حسنَه إسجاحه
لم يَعنهِ أرَقي وفيه لقيتهُ
حتى أضر بمقلتي إلحاحهُ
كلا ولا دمعي وفيه سفحته
حق أضر بوجنتي تَسفاحه
لا مسَّه بعقوبةٍ من ربه
إقلاقه قلبي ولا إتراحه
يا ليت شعري هل يبيت مُعانقي
ويداي من دون الوشاح وشاحه
هل أنت مُنصف عاشقٍ متظلمٍ
طول النحيب شكاته وصياحه
قَسَما لقد خيمت منك بمنزلٍ
لي حَرفهُ ولمن سِوايَ بطاحهُ
ما بال ثغركَ مشرَبًا لي سُكرهُ
ولمن سواي فدتك نفسي راحه
نفسي معذبةٌ به من دونه
ويُباحه دوني ولست أباحه
وأحب لو تأمل القارئ قول الشريف:
ولي ناظرٌ بعد بين الخليـ
ـط مات من الدمع إنسانه
رواءٌ من الماء آماقُه
ظِماءٌ من النوم أجفانه
فيا ظالمًا طيبًا ظلمُه
كثيرًا على القلب أعوانه
وشر الإساءة من مالك
أساء وما نيلَ إحسانه
وقال نُوَيب:
أيا ثارات من قتلته سُعدى
دمي لا تطلبوه لها حلالُ
أرق لها وأشفق بعد قتلي
على سُعدى وإن قلَّ النوال
وما جادت لنا يومًا ببذل
يمينٌ من سعادَ ولا شمال
ونوَيب هذا هو الذي يقول:
ألا في سبيل الله نفس تقسَّمت
شعاعًا وقلب للحصان صديقُ
أفاقت قلوبٌ كن عُذِّبن بالهوى
زمانًا وقلبي ما أراه يفُيق
عصيت بك الناهين حتى لوَ انني
أموت لما أرعى عليَّ شفيق