الاكتفاء بالدموع
هو نوع من القناعة في الحب يكون عند القنوط، ومن جيد الشعر فيه قول بعض الأعراب:
وهى سذاجة طريفة تذكرنا بقول جحدر وهو في السجن:
وما الذي يضير أعداء المحب من أن يرى القمر كما تراه، ويعلوها النهار كما علاه، ما داموا قد أبعدوه عنها، وحرموه منها. وقد تنبه بعض الأعراب إلى تفاهة هذه القناعة فقال:
على أنه لا ينبغي ألا ينسينا جمال هذا الخيال ما في شعر جحدر وأمثاله من روعة الصدق، وجلال الوفاء. وماذا عسى أن تكون الصبابة إن لم يصبح البكاء أشهى من الحديث المعسول، حين يغدو المحب ولا أمل له في غير الوجد المشبوب، والدمع المسكوب، والصبر المغلوب!
من أجل هذا نخالف أستاذنا الجليل الشيخ سيد المرصفي، ونرجوه أن يصفح عن إعجابنا بقول قيس بن ذريح في الاكتفاء بدمعه الدائم، وحزنه المقيم:
وتمتاز هذه القطعة بتصويرها للنفس الإنسانية أجمل تصوير، وتمثيلها أدق تمثيل. ألم تر إلى الشاعر وقد أوجز في قناعته بالبكاء، ثم انطلق يشكو إلى الله لوعته، وحرقته، ولياليه الطوال! ألم تر إليه وقد كان يحسب الدمع نعمة سابقة يكبت بخلودها الأعداء، فعاد يرى الدمع آية الذل والمسكنة، وآخر ما يفزع إليه الأذِلَّاء المساكين!