الرضى بالقليل
وقد يقنع المحب وهو راغم، فيرضى بالوعد، ويفرح بالأماني، وهي كواذب؛ لأن الوصل عزيز
المنال، فمن ذلك قول العباس بن الأحنف:
كفي حَزَنًا أني وفوزًا ببلدةِ
مقيمانِ في غير اجتماعٍ من الشملِ
أما والذي ناجى من الطور عبده
وأنزل فرقانًا وأوحى إلى النحل
لقد ولدت حواءُ منك بلية
عليَّ أقاسيها وخبلًا من الخبل
أرى الناس لا يرضى ذوو العشق منهم
بشيءٍ سوى حُسن المواتاةِ والبذل
وإني ليرضيني الذي ليس بالرضى
وتقنع نفسي بالمواعيد والمطل
وفي هذا المعنى يقول الشريف:
لكَ الله هل بعد الصدود تعطفٌ
وهل بعد رَيعانِ البعاد تدانِ
وما غرضي أني أسومك خطةً
كفاني قليلٌ من رضاك كفاني
وقال بعض الظرفاء:
أنا راضٍ منكم بأيسر شيءٍ
يرتضيه من عاشقٍ معشوق
بسلام على الطريق إذا ما
جمعتنا بالاتفاق الطريق
وقال توبة الحميري في ليلى الأخيلية:
وهل تبكيَنْ ليلى إذا مت قبلها
وقام على قبري النساء النوائحُ
كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها
وجاد لها دمعٌ من العين سافح
وأُغبطُ من ليلى بما لا أنالهُ
بلى كل ما قرت به العين صالح
وقد كثر القليل في قول ابن الطثرية:
أليس قليلًا نظرةٌ إن نظرتها
إليك؟ وكلا ليس منكِ قليلُ
وجاراه في هذا المعنى من قال:
إن ما قلَّ منك يكثر عندي
وكثيرٌ ممن تحبُّ القليلُ
وأبرع الشعر في هذا المعنى قول جميل:
وإني لأرضى من بثينة بالذي
لو أبصره الواشي لقرت بلابُله
بلا، وبأن لا أستطيع، وبالمنى،
وبالأمل المرجو قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى، وبالحول تنقضي
أواخرهُ لا نلتقي وأوائله
وفي مقابل هذا يقول ابن الفارض:
وإذا اكتفى غيري بطيف خيالهِ
فأنا الذي بوصاله لا أكتفي
وأبدع منه قول ابن الرومي:
أعانقه والنفس بعدُ مشوقةٌ
إليه وهل بعد العِناق تدان
وألثم فاهُ كي تزول حرارتي
فيشتد ما ألقى من الهيَمان
ولم يك مقدار الذي بي من الجوى
ليرويَهُ ما تلثم الشفتان
كأن فؤادي ليس يشفي غليلهُ
سوى أن يرى الروحين يمتزجان