القلب الخافق
نذكر هنا ألوانًا من تصور الشعراء لخفوق القلب، فمنهم من يشبهه بتنزي الكرة، كما قال
بشار:
يروعه السِّرار بكل شيء
مخافة أن يكون به السرارُ
كأن فؤاده كُرة تنزَّى
حِذار البين لو نفع الحذارُ
ومنهن من يشبهه بالوشاح القلِق، فوق الخصر الدقيق، كقول مسلم بن الوليد:
أزكى من الماسك أنفاسًا وبهجتها
أرق ديباجة من رقة النفَس
كأن قلبي وشاحاها إذا خطرت
وقَلبها قُلبها في الصمت والخرس
١
تجري محبتها في قلب عاشقها
جري السلامة في أعضاء منتكس
وابن الأحنف يشبه القلب الخافق بيد القينة الهوجاء تضرب بالدف، ويقول:
يبين لساني عن فؤادي وربما
أسر لساني ما يبوح به طرفي
أعيذك أن تشقي بقتلي فإنني
أخاف عليك الله إن سِمتني حتفي
إذا القلب أوما أن يطير صبابة
ضربت له صدري وألزمته كفي
كأن جناحيه إذا هاج شوقه
يدا قينةٍ هوجاء تضرب بالدف
ومنهم من يشبهه بجناح الطير حين ينتفض، كقول أحد الأعراب:
ألا بأبي من ليس والله نافعي
بنيل ومن قلبي على النأي ذاكره
ومن كبدي تهفو إذا ذكر اسمه
كهفو جناح ينفض الطل طائره
وقد وضح هذا المعنى في قول نُصيب:
كأن القلب ليلة قيل يُغدى
بليلى العامرية أو يراحُ
قطاةٌ عزَّها شرَك فباتت
تجاذبه وقد علق الجناح
لها فرخان قد تُركا بوكرٍ
فعشهما تُصفقه الرياح
إذا سمعا هبوب الريح نصَّا
وقد أودى به القدر المتاح
٢
فلا في الليل نالت ما ترجي
ولا في الصبح كان لها براح
وابن ميادة يذكر أن قلبه أمسى وكأن يدًا خبثت به، أي قبضت عليه وسامته العذاب،
ويقول:
كأن فؤادي في يدٍ ضبثت به
محاذرة أن يقضب الحبل قاضبه
وأُشفق من وشك الفراق وإنني
أظن لمحمول عليه فراكبه
فوالله ما أدري أيغلبني الهوى
إذا جَدَّ جِدُّ البين أم أنا غالبه
فإن أستطع أغلب وأن يغلب الهوى
فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه