مثال الحبيب
ومن العشاق من يرى مثال حبيبته كلما هب من نومه، أو أوى إلى فراشه كالذي يقول:
أآخر شيء أنت في كل هجعة
وأول شيء أنت عند هبوبي
مزيدكِ عندي أن أقيك من الردى
وود كماء المزن غير مَشوبِ
والمنى تمثل الحبيب في قول راشد بن أرشد:
تحيرت في أمري وإني لواقف
أجيل وجوه الرأي فيك وما أدري
أأعزم عزم اليأس فالموت راحة
أو أقنع بالإعراض والنظر الشزرِ
وإني وإن أعرضت عنك لمنطوٍ
على حُرَقٍ بين الجوانب والصدر
إذا هاج شوقي مثلتكِ لي المنى
فألقاكِ ما بيني وبينك في السر
فمن ذاك لم أصبر ولي فيك حيلة
ولكن دعاني اليأس منكِ إلى الصبر
تصبرت مغلوبًا وإني لموجع
كما يصبر الظمآن في البلد القفر
وراشد بن أرشد هذا هو الذي يقول:
ضحكتِ ولو تدرين ما بي من الهوى
بكيتِ لمحزون الفؤاد كئيبِ
لمن لم تُرح عيناه من فيض عبرة
ولا قلبه من زفرة ونحيب
لمستأنس بالهمِّ في دار وحشة
غريب الهوى باكٍ لكل غريب
ألا بأبي العيش الذي بان وانقضى
وما كان من حسن هناك وطيب
وترداد مستور الأحاديث بيننا
على غفلة من كاشح ورقيب
ليالي يدعونا الصبا فنجيبه
ونأخذ من لذاته بنصيب
إلى أن جرى صرف الحوادث في الهوى
فبدل منا مشهدٌ بمغيبِ
وقد ضاع شعر هذا الشاعر المجيد، وحرَمنا منه صاحب زهر الآداب حين قال: «وله مذهب استفرغ
فيه أكثر شعره، وصنت الكتاب عن ذكره.» وبهذه الصيانة فقدت الآداب شعر هذا الشاعر، وكم
نتمنى
أن لا يخلط المؤلفون بين الأدب والأخلاق.
وأجود ما قيل في مثال الحبيب قول كثير:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثلُ لي ليلى بكل سبيلِ