أهوال الصدود
ولقد أطال الشعراء في شكوى الصد، وما يقاسون فيه من أهوال، فمن ذلك قول الشريف:
وبين ذوائب العقدات ظبيٌ
قصير الخطو في المرط المذالِ
ربيبٌ إن أريغ إلى حديث
نوار إن أُريد إلى وصال
فهل لي والمطامع مُرديات
دنوٌ من لمى ذاك الغزال
لقد سلبت ظباءُ الدار لبي
ألا ما للظباء بها ومالي
تنغصني بأيام التلاقي
معاجلتي بأيام الزيال
تحيفني الصدود وكنت دهرًا
أروَّع بالصدود فلا أبالي
وكيف أفيق لا جسدي بناءٍ
عن البلوى ولا قلبي بسالي
يرنحني إليك الشوق حتى
أميلَ من اليمين إلى الشمال
كما مال المعاقر عاودته
حُميا الكأس حالا بعد حال
ويأخذني لذكركم ارتياحٌ
كما نشط الأسير من العقال
وعبد الله بن مصعب يأسى على أن لم يعده أحبابه في مرضه، مع أنه يعود كلبهم إذا مرض!
ولهذا
لقب (عائد الكلب) حين قال:
ما لي مرضت فلم يعدني عائدٌ
منكم ويمرض كلبكم فأعودُ
وأشد من مرضي علي صدودكم
وصدود عبدكم عليَّ شديد
ويرى أبو النواس أن قرب الدار لا ينفع مع الصدود، ويقول:
لقد عاجلتْ قلبي جنانٌ بهجرها
وقد كان يكفيني بذاك وعيدُ
رأيت تداني الدار ليس بنافع
إذا كان ما بين القلوب بعيد
وابن الأحنف يترك العتب على الصدأ، لئلا يُرزأ بصدٍّ جديد، ويقول:
تركت صدودها وصبرت نفسي
بطول تجرع الغيظ الشديدِ
مخافة أن تجدد لي صدودًا
وكنت حديث عهد بالصدود
وقد وضح هذا المعنى من قبل في قول أبي صخر الهُذلي:
ويمنعني من بعض إنكاري ظلمها
إذا ظلمت يومًا وإن كان لي عذرُ
مخافة أني قد علمت لئن بدا
لي الهجر منها ما على هجرها صبر
والبحتري يمزج الشكوى بالعتاب في قوله:
ظلمتني تجنيًا وصدودًا
غير مرتاعة الجنان لظلمي
ويسير عند القتول إذا ما
أثمت في أن تبوء بإثمي
أجد النار تستعار من النا
ر وينشو
١ من سقم عينيك سقمي
لعب ما أتيتِ من ذلك الصَّد
فنرضاه أم حقيقة عزمِ
وبحقٍّ إن السيوف لتنبو
تارة والعيون باللحظ تُدمي
ويروقني الندم على الصدود في قول صاحب البدائع:
لقد صددناكم كما صددتم
فهل ندمتم كما ندمنا