رؤية الضمير
ومن المحبين من يرى محبوبه في ضميره، كلما اشتاق إليه، كما قال الحكم بن قنبرة:
إن كنت لست معي فالذكر منك معي
يرعاك قلبي وأن غُيِّبت عن بصري
العين تبصر من تهوى وتفقده
وناظر القلب لا يخلو من النظر
وقال آخر:
أما والذي لو شاء لم يخلق الهوى
لئن غبت عن عيني ما غبت عن قلبي
تُرينيكَ عين الوهم حتى كأنني
أناجيك من قربٍ وإن لم تكن قربي
وقال أبو عثمان الناجم:
لئن كان من عيني أحمدُ غائبًا
فما هو عن عين الضمير بغائب
له صورةٌ في القلب لم يقصها النوى
ولم تتخطفها أكف النوائبِ
إذا ساءني يومًا شحوط مزاره
وضاقت بقلبي في نواه مذاهبي
عطفت على شخصٍ له غير نازحٍ
محِلتهُ بين الحشا والترائب
ويقرب من هذا المعنى قول الآخر في الاستعانة باسم الحبيب:
وليل وصلنا بين قُطريه بالسرى
وقد جد شوقٌ مُطمعٌ في وصالك
أطلت علينا من دجاه حنادس
أعدن الطريق النهجَ وَعْرَ المسالكِ
فناديت يا أسماء باسمك فانجلت
وأسفر منها كل أسودَ حالك
بنا أنت من هاد نجونا بذكره
وقد نشبت فينا أكف المهالك
منحتك إخلاصي وأصفيتك الهوى
وإن كنتِ لما تُخطريني ببالك
وفي مثل هذا المعنى يقول إسحاق الموصلي:
صبٌّ يحثُّ مطاياه بذكركمُ
وليس ينساكمُ إن حلَّ أو سارا
لو يستطيع طوى الأيام نحوكم
حتى يبيع بعمر القرب أعمارا
يرجو النجاة من البلوى بقربكم
والقرب يُلهب في أحشائه النارا