ليالي سنتريس
وقد أكثر صاحب البدائع من الحنين إلى سنتريس،١ وهي مَهوى قلبه، ومُنيةُ روحه، إذ كانت
مَلعب صباه، وميدان لهوه، في أيامه السوالف، ولياليه الخوالي!
وانظر كيف يقول:
لياليَ النيل واللذات ذاهبةٌ
وجدي عليكن أشجاني فأضناني
لو يرجع الدهر لي منكن واحدةً
في سِنتريس ويُدني بعض خلاني
إذن تبيَّن دهري كيف يرحمني
من ظلم همي ومن عدوان أحزاني
كم ليلةٍ لي بذاك النهر سالفةٍ
قضيتها بين غاداتٍ ووُلدانِ
•••
وذي دلالٍ هو الدنيا وزينتها
يُردي الأسود بطرفٍ منه نعسانِ
كأنما فعل عينيهِ بعاشقهِ
فعل المدامة في أعطاف نشوان
شربت من ريقه راحًا مشعشعةً
بخالص الوُدِّ لم تمزج بسُلوان
وكم حبيبٍ براح الريق أسكرني
وكم جميلٍ بورد الخد حيَّاني
•••
يا مُوقد النار في قلبي مؤججةً
وقاطنًا بين أنهار وريحانِ
عَرِّج عليَّ فما نفسي بصابرةٍ
على نواك وما طرفي بوسنان
وإليك قوله من كلمة ثانية:
إيهِ يا فتنة الوجود سلامٌ
من مَشوقٍ متيَّم القلب عانِ
لو يشاء الهوى حوتكِ ضلوعٌ
حائماتٌ على صِباكِ حواني
فارحمي فانيًا من الوجد يشقى
بغرامٍ مؤجَّجٍ غير فان
رنَّقت وَرِدَهُ الليالي فأمسى
يرقب الصفوَ من خِلال الأماني
•••
آه لو يسمح الزمان ونلقى
من طوى قربهم عِناد الزمانِ
وترى سِنتريس والدهر غافٍ
ما قضينا من الليالي الحسان
حين كنا من السرور نشاوى
في نجاةٍ من النوى وأمان
نتساقى الحديث عذبًا شهيًّا
وقطوف المنى رِطابٌ دواني
•••
يا خليليَّ والرفيق معينٌ
أسعفاني ببعض ما تملكانِ
أبتغي آسيا فقد عيلَ صبري
من توالي الوَجيب والخفقان
أبتغي صاحبًا تولهَ قبلي
وشجاه من الجوى ما شجاني
فلقد يُسعف الجريح أخاهُ
ويواسي الزميل في الأحزان
وقد لحن هذه القصيدة البلبل الغِرِّيد الشيخ عبد السميع عيسى الباجوري، وما أروع شعر الوجدان إذا غُنيَ بمثل صوته العذب الجميل!
١
في مقدمة كتاب (حب ابن ربيعة وشعره) وصف شائق لهذا البلد الطيب الجميل.