إنجلز وماركس
كان إنجلز شريكًا في أحد الإسهامات الفكرية الأكثر شهرةً على مر التاريخ، وعلى الرغم من أنه وفقًا لاعترافه كان الشريكَ الأقل نصيبًا في هذا الإسهام، فلقد كان في واقع الأمر أكثرَ تأثيرًا من الناحية السياسية مقارَنةً بشريكه صاحب النصيب الأكبر في هذا الإسهام، ويأتي هذا التأثير من خلال شروحه لأفكار كارل ماركس التي أدَّتْ إلى انتشارها على نحو كبير.
غير أن إنجلز كانت له أيضًا أفكارٌ خاصة به، وفي هذا الكتاب، سوف أحاول التعريفَ بتلك الأفكار وتقييمها. اعترف ماركس نفسه بأنه قد تأثَّرَ إلى حدٍّ كبير بأعمال إنجلز، وتوجد بطبيعة الحال الأعمال الشهيرة التي كتبها إنجلز بالاشتراك مع ماركس، وسوف أقوم بمناقشة إسهام إنجلز في تلك الأعمال، بقدر ما يمكن تحديدها.
عكف إنجلز في معظم حياته على تأليف أعماله الخاصة ونشرها باسمه، وهنا نجد المشاكل الأكثر صعوبةً والأكثر أهميةً فيما يتعلَّق بفكره؛ فإلى أي مدًى كان إنجلز يدعم عملَ ماركس في النواحي التي كلَّفَه بها؟ وهل من الممكن قراءة أعمال إنجلز المستقلة كما لو كانت مكتوبةً بالاشتراك مع ماركس؟ وهل ماركس وإنجلز يتحدَّثان دائمًا بصوت واحد، حتى عندما يكتب كلٌّ منهما وينشر أعمالَه على نحوٍ مستقِلٍّ عن الآخَر؟ إجابات هذه الأسئلة مهمة؛ لأن إنجلز كان له تأثيرٌ هائل من خلال شخصه ومن خلال كتاباته عن تطوُّر الماركسية، لا سيما في الأعمال التي انتشرت على نطاق واسع بعد وفاة ماركس. وفي كثير من الحالات، كانت تلك الأعمال مصمَّمةً لتكون شروحًا لأعمال ماركس أو لأعمالٍ اشترك ماركس وإنجلز في تأليفها، أو اعتُبِر أنها شروح لأعمالهما. وكثير من الاشتراكيين اعتبروا أعمال إنجلز الأخيرة أعمالًا مرجعية ومُحكمة، وتحوَّلَ الكثيرون إلى الماركسية بالكامل بناءً على هذا الأساس.
ليس من التفاهة على الإطلاق التساؤل حول ما إذا كان ماركس وإنجلز قد اتَّفَقَا أو اختلفَا في أي موضوع من الموضوعات، أو حول ما إذا كانت أعمال كلٍّ منهما تناقض أعمال الآخر، أو تُظهِر أيَّ اختلاف واضح. وإذا كان هناك أيُّ اختلافات كبيرة بين الاثنين (كما أعتقد)، فعندها تصبح الماركسية ظاهرةً يصعب وصْفُها للغاية، ويصبح لزامًا أن تبوء بالفشل منذ البداية كلُّ محاولات تقديمها كنظرة عالمية موحدة منهجية.
لم يتجاهل كُتَّاب السِّيَر الذاتية تأليفَ أعمال تروي قصةَ حياة إنجلز؛ فقد قدَّموا لنا عملين مطوَّلين، بالإضافة إلى عددٍ من الأعمال المختصرة؛ بَيْدَ أن ما ينقص الأعمال التي تناولت إنجلز هو معالجتها لحياته الفكرية التي لا يسيطر عليها دائمًا شبح ماركس.