القسم الحادي عشر

مرةً أخرى، لم يعرف بيتر كم مضى عليه من الوقت وهو راقد يرتجف في الزنزانة السوداء. كان كل ما يعرفه هو أنهم أحضَروا له الخبز والماء ثلاث مرات، قبل أن يأتي جوفي مرةً أخرى ويستدعيه. جلس بيتر متجمدًا في كرسي، عاقدًا يدَيه المرتجفتين معًا، بينما كان المحقق الرئيسي في شركة تراكشن تراست يشرح له موقفه الجديد. كان موقف بيتر كشاهد في القضية قد ذهب دون رجعة. وكان المتآمرون من العمال قد جمعوا أموالًا ضخمة للدفاع عن أنفسهم؛ وكانت تؤازرهم جميع النقابات العمالية في المدينة، بل كانت تؤازرهم جميع النقابات العمالية في البلاد، في واقع الأمر، وكانوا يستأجرون جواسيس ومخبرين، ويُحاولون معرفة كل ما يمكنهم عن الادعاء، والأدلة التي جمعَها والخطوات التي كان يستعد لها. لم يُفصِح جوفي عن خوفه من ترك بيتر يذهب لأن بيتر قد يأخذ صفَّ جوبر ويُخبره بكل ما يعرف؛ ولكن توقَّع بيتر ذلك بينما كان يجلس يستمع إلى تفسير جوفي ويُدرِك متحمسًا أنه وصل أخيرًا إلى مكانةٍ على سلَّم الرخاء. لم تذهب إصبعه التي كادت تنكسر ومعصمه الذي كاد ينخلع هباءً!

قال جوفي: «والآن، إليك فكرتي: أصبح موقفك ضعيفًا كشاهد، ولكن كجاسوس، أنت أكثر شخصٍ مناسب. إنهم يعرفون أنك ثَرثَرت، وأني عرفتُ ذلك؛ ويعرفون أني وضعتُك في الحفرة. لذا ما أريد فعلَه الآن هو أن أحوِّلَك إلى شهيد. هل تفهم ما أقول؟»

أومأ بيتر برأسه أن نعم، كان يفهم. كان هذا ما يبرع فيه، أن يفهم أمورًا على هذه الشاكلة.

«أنت شاهد صادق، هل تفهم؟ حاولتُ أن أجعلك تكذب، ولكنك لم تفعل؛ لذا، والآن تنتقل إلى الجانب الآخر، وسيتقبَّلونك، وعليك أن تكتشف كل ما تستطيع، وسأرتب لقاءً بينك وبين شخصٍ ما من وقتٍ لآخر وستُرسِل لي معه ما عرفت. هل تفهمني؟»

قال بيتر متحمسًا: «أفهمك.» لم تكن الكلمات لتتمكَّن من وصف مدى ارتياحه. أصبحت لديه وظيفةٌ حقيقية الآن! كان سيصبح جاسوسًا، مثل جوفي نفسه.

قال جوفي: «والآن، أول ما أريد معرفته هو مَن الذي يُثرثر في هذا السجن؛ لا يُمكننا فعل أي شيء، لكن المعلومات تصلُهم. لديَّ شهود أريد أن أُبقيَهم مختفين، ولا أجرؤ على وضعهم هنا خوفًا من جماعة جوبر. أريد أن أعرف مَن هم الخوَنة. أريد أن أعرف الكثير من الأمور التي سأخبرك بها من وقتٍ لآخر. أريد منك أن تقترب من هؤلاء الحُمر، وتتعرَّف على أفكارهم حتى تتمكَّن من التحدث بلغتهم.»

قال بيتر: «سأفعل بالطبع.» لم يستطع أن يمنع ابتسامةً خفيفة من الارتسام على شفتَيه. كان من المفتَرض أن يكون أحد «الحُمر» بالفعل، أن يكون أحد قادة المؤامرة. لكن جوفي تخلى عن ذلك التظاهُر، أو ربما نسيه!

كانت المهمة التي تنتظر بيتر سهلة للغاية. لم يكن بحاجة إلى التظاهر بأنه مختلف عما هو عليه حقيقةً. سيدَّعي أنه ضحية للظروف وسيكون ناقمًا بحقٍّ على أولئك الذين سعَوا لاستخدامه لحياكة مؤامرة ضد جيم جوبر. وسيتبعه الباقون تلقائيًّا. سيكتسب ثقة العمال، وسيُخبره جوفي بما يجب فعله بعد ذلك.

قال كبير المحقِّقين: «سنضعك في إحدى زنازين هذا السجن، وسنتظاهر بأننا نعاملك «معاملةً قاسية». ستُرغي وتُزبد وتقول إنك لن تُخبرنا بشيء، وسنستسلم في نهاية المطاف ونُطلِق سراحك. كل ما عليك فعلُه بعد ذلك هو التجول. وهم من سيتقرَّبون منك، وإلا فسيكون تخميني خاطئًا.»

وهكذا، رُتِّبت المسرحية الصغيرة وبدأ تنفيذُها. أمسك جوفي ببيتر من ياقته وجرَّه إلى الجزء الرئيسي من السجن وألقى به داخل واحدة من صفٍّ من الزنازين المفتوحة. أمسَك ببيتر من معصمه وتظاهَر بأنه يلويه، وتظاهر بيتر بالاحتجاج على هذا الفعل. لم يحتج إلى الاعتماد على خياله؛ فقد كان يعرف هذا الشعور، وكيف من المفترض أن يتصرَّف، وقد فعل. بكى وصرخ، وأقسم مرارًا وتكرارًا أنه قد قال الحقيقة، وأنه لا يعرف شيئًا آخر غير ما أفصَح عنه بالفعل، وأنه لا يُوجَد شيءٌ من شأنه أن يجعله يقول أكثر مما قاله. تركَه جوفي في الزنزانة حتى عصر اليوم التالي، ثم جاء مجددًا، وأمسَكه من ياقته، وجرَّه إلى درَج السجن وركلَه إلى الخارج.

أصبح بيتر حرًّا! وما أروعَ الشعورَ بالحرية! يا إلهي! هل يوجد أي شيء يضاهي هذا الشعور؟ أراد أن يصرخ ويعوي فرحًا. ولكنه ظل يتعثر وهو يسير في الشارع، وانهار على حافةٍ حجريةٍ يبكي واضعًا رأسه بين يدَيه، ينتظر حدوث شيءٍ ما. وقد حدث بالطبع. ربما مرَّت ساعة قبل أن يشعر بلمسةٍ خفيفة على كتفه. وسمع صوتًا هادئًا يقول: «أيها الرفيق»، ورأى بيتر، من بين أصابعه، تنُّورة فتاة. وُضِعت ورقةٌ مطويةٌ في يده وقال الصوت الهادئ: «تعالَ إلى هذا العنوان.» انصرفت الفتاة وقفَز قلب بيتر في صدره من فرْط الانفعال. لقد أصبح بيتر مخبرًا سريًّا أخيرًا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤