القسم السادس عشر

كانت مغامرات بيتر العاطفية حتى ذلك الوقت مماثلةً تقريبًا لبقية تجارب حياته؛ كانت مفعمة بالأمل والأحلام الوردية، ولكن دون الكثير من الإنجازات. كان بيتر يعرف الكثير عن هذه الأمور، وفي دار الأيتام، كانت تحدث بضع ممارسات خبيثة لم يشهدها بنفسه مطلقًا، والقليل من التخيُّلات الفاحشة التي لم يكن يألفها. كما أن بيريكليس بريام كان رجلًا أشبه ببحَّارٍ تقليدي يرتبط بفتاة في كل ميناء؛ وعادةً، لم يكن في هذه البلدات والقرى مكانٌ يذهب إليه بيتر إلا في صحبة بيريكليس؛ لذا، كان بيتر شاهدًا على العديد من علاقات سيده العاطفية وكاتمًا لأسراره. ولكن لم تُبد أيٌّ من تلك الفتيات والنساء اهتمامًا ببيتر. كان بيتر مجرد «صبي»، وعندما كبر ولم يعُد طفلًا، بل شابًّا معذبًا بالرغبات الجامحة، ظلِلْن لا يُعِرنه اهتمامًا؛ ولماذا يفعلن ذلك؟ كان بيتر نكرة، لم يكن ذا منصب، أو ثروة، أو جاذبية، بل كان ضعيف الجسم ضئيل الحجم، وكانت أسنانه معوجَّة، وإحدى كتفَيه أعلى من الأخرى. فماذا كان يتوقَّع من النساء والفتيات إلا السخرية والرفض؟

انتقل بيتر بعد ذلك إلى معبد جيمجامبو، وهناك مَر بتجربةٍ مدمرة؛ وقع في الحب بشكلٍ مؤلم ومفاجئ. كانت هناك خادمة في المعبد، فتاةٌ متألقة من بلدة إميرالد آيلز ذات شعر بلون الشروق ووجنتَين كالتفاح، وضحكة كانت ترجُّ الأطباق المعلَّقة على جدران المطبخ. كانت تسخر من بيتر، وتسخر من الكاهن الأكبر، وتسخر من جميع الرجال في المعبد الذين حاولوا الإمساك بها من الخصر. ربما كانت تسمح لهم بفعل ذلك مرةً أو مرتَين في الشهر، فقط لكيلا يفقدوا اهتمامهم بها، ولتصقل مهاراتها.

الوحيد الذي كانت تفضِّله حقًّا كان عامل توصيل المغسلة، وسرعان ما أدرك بيتر السبب. كان لعامل المغسلة هذا إمكانية استخدام سيارة في أيام الأحد، وكانت نيل ترتدي أكثر ملابسها إغراءً، وتخرج معه في فَخار. وكان ينفق كل ما جناه على مدار الأسبوع في سبيل الترفيه عنها على الشاطئ؛ كان بيتر يعرف؛ لأنها كانت تُخبر المؤسسة بأكملها صباح الإثنين. كانت تقول: «يا إلهي، لقد قضيتُ وقتًا رائعًا!» وكانت تعدِّد عدد مرات شرائه للمثلجات، وعدد مرات ركوبها دوارة الخيل، وعدد مراوح الأطفال وكل الأشياء الغريبة التي اشتراها لها. وكانت تتحدث عن الرجال الموشومين والعِجْل ذي الأرجل الخمس والمرأة التي نصفُها رجل، وكانت تضحك طوال الوقت والأطباقُ المعلقة على جدران المطبخ ترتَج.

كانت مخلوقةً رائعة بلا شك، وأدرك بيتر فجأةً أن أعظم رغباته في الحياة هي الحصول على «صديقة رائعة» مثل نيل. ولكنه أدرك أن ثمَّة شرطًا أساسيًّا، المال. لن تلتفت أيُّ امرأة إليك إن لم تكن تملك المال. خرجت نيل معه مرةً واحدة فقط أنفق فيها مدخرات ستة أشهر، ولم يتمكَّن بيتر من إخفاء كم كان صعبًا عليه إنفاقُها بالكامل. لذا صنَّفته كرجل «بخيل»، ولم يحرز أي تقدُّم معها.

اختفت نيل، وكذلك الجميع عندما داهمت الشرطة المعبد. لم يعرف بيتر مطلقًا ما حدث لها، ولكن كان شوقُه القديم لها لا يزال يتملكه، وكان يجد نفسه يتخيل؛ لنفترض أن الشرطة قد أمسكت بها؛ أو لنفترض أنها في السجن، سيُمكِّنه «وضعه» الجديد من إخراجها من السجن وإبعادِها عن رجُل المغسلة وإخفائها عن عينَيه!

كانت تلك أضغاثَ أحلام؛ ولكنه في الوقت نفسه كان يعيش الواقع، كان يعيش في عالم جديد. كان بيتر قد استقر في منزل الأختَين تود، فما هو موقفهما من ألغاز الحب الرهيبة تلك؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤