القسم السابع عشر
كان بيتر قد رتَّب مع جوفي أن يحضر اجتماعًا سريًّا مع أحد رجال كبير المحققين نهاية الأسبوع. فقال بيتر للفتاتَين إنه قد ملَّ من بقائه في المنزل طوال الوقت ويجب أن يتنشَّق بعض الهواء النقي.
صاحت سادي وقد ازداد وجهها النحيل القلق نحولًا وقلقًا: «أرجوك يا سيد جادج، لا تُقدِم على هذه المغامرة! ألا تعرف أن هذا المنزل مُراقَب؟ إنهم يأملون في أن يقبضوا عليك بمفردك، وستكون هذه نهايتك.»
قال بيتر: «أنا لستُ مهمًّا لهذه الدرجة»، ولكنها أصرَّت على أنه مهم، وكان بيتر سعيدًا؛ فعلى الرغم من ملله، كان يُحب أن يسمعها تُصِر على أهميته.
صاحت قائلة: «أوه! ألم تدرك بعدُ كَم يعتمد عليك الدفاع عن جوبر كشاهد؟ هذه القضية تهم ملايين الناس في جميع أنحاء العالم! إنها قضية اختبار يا سيد جادج؛ هل نسمح لهم بقتل قادة الطبقة العاملة دون قتال؟ لا، يجب أن نريهم أن هناك حركةً كبيرة، ونهضةً عالمية للعمال، وكفاحًا من أجل حرية عبيد الأجر …»
ولكن بيتر لم يكن قادرًا على تحمُّل المزيد من هذه الشعارات، فقال فجأةً مقاطعًا استرسال سادي في الحديث: «حسنًا، أظن أن من واجبي أن أبقى في المنزل حتى لو قتلني مرض السُّل بسبب سَجْني في المنزل من دون هواءٍ نقي.» كان يتظاهر بأنه شهيد؛ الأمر الذي لم يكن صعبًا بالنسبة إليه؛ لأنه كان كذلك بالفعل، وكان يبدو شهيدًا بالفعل بهيئته النحيلة وملابسه البالية. فرمقته كلٌّ من سادي وجيني بإعجاب وتنهَّدتا في ارتياح.
ولكن بعد ذلك واتت بيتر فكرة. فقال لسادي إنه يمكنه الخروج ليلًا والتسلل عبر المدخل الخلفي للمنزل بحيث لا يراه أحد؛ ولن يتجول بين الحشود أو يسير في الشوارع المضاءة بأضواءٍ مبهرة؛ لذا، لن تكون ثمَّة فرصة لأن يتعرف عليه أحد. ثمَّة رجل يجب أن يلتقيه؛ فهو مدين له ببعض المال، ويعيش في الجانب الآخر من المدينة؛ وكان هذا هو سبب رفضه عرْض جيني لمرافقته.
ومن ثَم، في تلك الليلة، تسلق بيتر سورًا خلفيًّا، وتسلَّل عَبْر حظيرة دجاج أحد الجيران وابتعد. قضى وقتًا ممتعًا في استخدام الحشود في الاختباء والتملص ليضمن أنْ لا أحد يتعقبه إلى اجتماعه السري؛ يجب ألا يشُك أي «أحمر» في «ولائه». كان الاجتماع في فندق «البيت الأمريكي»، وهو فندقٌ غير معروف، وكان من المفتَرض أن يستقل بيتر المصعد إلى الطابق الرابع، دون أن يتحدث إلى أي شخص، وأن يطرق باب الغرفة ٤٢٧ ثلاث مرات. فعل بيتر ذلك، وفُتح الباب، فانسل عبْره إلى داخل الغرفة حيث التقى جيري ماكجيفني بوجهه الذي يشبه وجه الجُرَذ.
سأله ماكجيفني: «حسنًا، علامَ حصلت؟» جلس بيتر وبدأ في إخباره بما لديه من معلومات. وبأصابعَ مرتعشة، فك الخياطة غير المتقَنة في بطانة معطفه وأخرج ملاحظاته التي تحمل أسماء وأوصاف الأشخاص الذين جاءوا لرؤيته.
ألقى ماكجيفني نظرةً سريعة على الملاحظات، ثم قال: «يا إلهي! ما فائدة كل هذا؟»
صاح بيتر: «جميعهم من الحُمر!»
قال الرجل الآخر: «أعرف ذلك، ولكن ما فائدة هذه المعلومات؟ يمكننا الذهاب لسماعهم يتحدثون في الاجتماعات كل ليلة. ولدينا قوائمُ بأعضاء في هذه المنظَّمات على اختلافها. ولكن ماذا عن قضية جوبر؟»
قال بيتر: «إنهم يتحدثون عنها طوال الوقت، وكانوا يطبعون منشوراتٍ تتحدث عني.»
قال ماكجيفني: «نعرف ذلك بالطبع. لقد قصصتَ عليهم قصةً رائعة للغاية؛ لا بد أنك استمتعتَ بسماع نفسك تتحدث. ولكن كيف سيُفيدنا ذلك؟»
صاح بيتر في ذعر: «ماذا تريد أن تعرف؟»
قال الآخر: «نريد أن نعرف خططَهم السرية، ونريد أن نعرف ماذا يفعلون لمعرفة هويات شهودنا؛ ونريد أن نعرف الخائن بيننا، وهوية الجاسوس في السجن. ألم تكتشف أيًّا من ذلك؟»
قال بيتر: «ﻟ… لا، لم يقل أحدٌ شيئًا عن ذلك.»
قال المحقق: «يا إلهي! هل تتوقع منهم أن يقدموا لك المعلومات على صينية من الفضة؟» بدأ يتصفَّح ملاحظات بيتر مجددًا، ثم ألقاها على السرير في نهاية المطاف مشمئزًّا. بدأ في استجواب بيتر، وتحوَّل الذعر الذي يشعر به بيتر إلى يأس. لم يكن يعرف أيًّا من المعلومات التي يريدها ماكجيفني. كان قد أضاع أسبوع «التجسس» بأكمله هباءً!
لم يحاول المحقق تجميل الكلمات وهو يقول: «من الواضح أنك غبي، ولكن ليس لدينا غيرك، وعلينا أن نحقق أفضل النتائج الممكنة باستخدامك. والآن، فكِّر في الأمر وحاوِل أن تستوعبه بالشكل الصحيح؛ نحن نعرف من يكونون هؤلاء الحُمْر، ونعرف ما يُبَشرون به، ولكن لا يمكننا سَجنُهم لهذا السبب. ما نريد منك أن تكتشفَه هو اسم جاسوسهم، وأسماء شهودهم في قضية جوبر، وما الشهادات التي سيُدْلون بها.»
صاح بيتر: «ولكن كيف يمكنني معرفة مثل هذه المعلومات؟»
قال ماكجيفني: «عليك أن تستخدم ذكاءك، ولكني سأنصحك بشيء، اجعل فتاةً تُحبك.»
صاح بيتر في دهشة: «فتاة؟»
قال الرجل الآخر: «بالتأكيد. هذه هي الطريقة التي نستخدمها دائمًا. يقول جوفي إن هناك ثلاثَ حالاتٍ لا رابع لها يُفصِح الناس فيها عن أسرارهم؛ الأولى عندما يكونون في حالة سُكْر، والثانية عندما يكونون في حالة حُب …»
ثم صمت ماكجيفني، فسأله بيتر الذي أراد أن يتعلم الدرس كاملًا: «والثالثة؟»
أجابه: «الثالثة هي عندما يكونون في حالة سُكر وحُب.» ظل بيتر صامتًا وقد ألجم الانبهار لسانه. كانت عملية التجسُّس تُفصِح عن نفسها بأنها تزداد تعقيدًا وتشويقًا كلما مرَّ الوقت.
سأله الرجل الآخر: «ألم تجد فتاةً تُعجِبك في تلك المجموعة؟»
قال بيتر في خجل: «حسنًا … ربما …»
استطرد المحقق قائلًا: «الأمر بسيط، الحُمْر جميعهم عشاقٌ أحرار، ألم تكن تعرف ذلك؟»
صاح بيتر: «عشاقٌ أحرار! ماذا تعني؟»
ضحك الرجل الآخر وقال: «ألم تكن تعرف ذلك عنهم؟»
جلس بيتر يحدِّق في وجهه. كانت جميع النساء اللاتي عرفهن بيتر أو سمع عنهن يأخذن المال مقابل حبهن. إما يأخذنه مباشرةً، أو يأخذنه في شكل رحلات بالسيارة، وزهور، وحلوى، وتذاكر لركوب الألعاب الغريبة. ألا تُوجَد نساء لا يأخذن المال في أي صورة، ويكون حُبهن مجانيًّا تمامًا؟
أكَّد المحقق له أن هذه هي حالهم، قائلًا: «إنهم يتفاخرون بذلك، ويعتقدون أنه التصرُّف الصائب.» وبالنسبة إلى بيتر، كان هذا أكثر شيءٍ صادم سمعه عن الحُمْر.
في واقع الأمر، عندما أمعَن التفكير في الأمر رأى بعض الجوانب الإيجابية؛ كان مريحًا من وجهة نظر الرجال بكل تأكيد، فكان يعني المزيد من النساء في جَعْبته. إن اختارت نساءٌ أن يكُنَّ بذلك الحمق … ووجد بيتر نفسه يفكر فجأةً في الصغيرة جيني تود. نعم، ستكون حمقاء بهذا القَدْر، كان الأمر شديد الوضوح. لقد تخلت عن كل ما تملك؛ فلا شك في أنها ستكون «عاشقة حرة!»
غادر بيتر اجتماعه مع ماكجيفني متحمسًا لفكرة جديدة ورائعة. لم يكن بإمكان أحد أن يحمله على التخلي عن وظيفته الآن. أصبح التحري هو العمل المناسب له!
كان الوقت متأخرًا عندما عاد بيتر إلى المنزل، لكنَّ الفتاتَين كانتا تجلسان في انتظاره، وبدت عليهما الراحة عندما عاد إلى المنزل آمنًا. لاحظ أن القلق كان باديًا على وجه جيني أكثر من أختها، الأمر الذي غرَس في نفسه مشاعرَ فجائيةً جديدة. كانت أنفاسُ جيني تتسارع لأنه دخل الغرفة، وأثَّر هذا على تنفُّسه بالطريقة نفسها. كان يشعُر باندفاعٍ نحوها، ورغبةٍ إيثارية تمامًا في طمأنتها والتخفيف من قلقها؛ ولكن بفهمٍ غريزي للعبة الجنس لم يكن يعرف من قبلُ أنه يمتلكه، كبح هذا الدافع والتفت بدلًا من ذلك إلى الشقيقة الكبرى وطمأنها أنه لم يتبعْه أحد. وقصَّ عليها قصةً معقَّدة، أعدَّها في الطريق، عن أنه عمل لمدة عشرة أيام لدى رجل في قطع الخشب؛ عمل شاق، بلا شك، ثم حاول الرجل التهرُّب من دفْع أجره! فاجأه بيتر في منزله تلك الليلة ونجح في أن يحصل منه على خمسة دولارات، ووعدَه بمنحه بضعة دولاراتٍ أخرى كل أسبوع. كان ذلك لتغطية زياراته المستقبلية لماكجيفني.