القسم التاسع عشر
كانت ثمَّة مسألة تتعلق بسادي يجب حلها. كان ثمَّة تعبيرٌ قاسٍ يظهر أحيانًا على شفتَي سادي، جعل بيتر واثقًا من أن الرفيقة سادي لا تملك أي تعاطف مع «العشق الحر»، بل تعاطفًا قليلًا للغاية مع أي حب غير حبها لجيني. فقد ظلت ترعى «أختها الصغيرة» وتعتني بها باعتبارها أمًّا لسنواتٍ عدة، وكانت تُخرِج الطعام من فمها لتعطي جيني أياه … وفي المقابل تمنح جيني حبها لأي مشاغبٍ عابر يأتي إلى منزلهما ويبقى حتى يحين موعد الطعام. لم يكن بيتر يريد أن تعرف سادي بما يحدث في غيابها، ولكنه كان يخشى أن يقترح على جيني أنها يجب أن تخدع أختها.
تعامل بيتر مع الأمر بلباقة. فعندما بدأت جيني تتوسل إليه مجددًا، قائلة: «لا يجدر بنا أن نفعل ذلك، أيها الرفيق بيتر!» وافقَها بيتر وقال إنه ربما يجب ألا يفعلا ذلك، ولن يفعلاه مجددًا. ومن ثَم، رتَّبت جيني شعرها، وعدلت سترتها، وأدرك عشيقها أنها لن تخبر سادي.
وفي اليوم التالي كانا يتبادلان القبل مجددًا ويتفقان مجددًا على أنه لا يجدر بهما أن يفعلا ذلك؛ وعليه، لم تُخبر جيني سادي مجددًا. ولم تمُر فترةٌ طويلة قبل أن يُلمحَ لها بيتر همسًا أن حبهما هو شأنهما الخاص، وأنه لا يجدر بهما أن يخبرا أي شخص في الوقت الحالي، وأنهما سيحتفظان بسرهما اللذيذ لنفسَيهما، ولن يضُرَّ ذلك أحدًا. كانت جيني قد قرأت في مكانٍ ما عن شاعرة تُدعى السيدة براونينج التي ظلت مريضة طوال حياتها، واستعادت صحتها بالكامل بفضل حبٍّ عظيم ورائع. وها قد جاءها هذا الحب الآن، ولكن قد لا تتفهَّم سادي الأمر؛ فقد تظن سادي أن أحدهما لا يعرف الآخر بما يكفي، وأنهما يجب أن ينتظرا. ولكنهما كانا يعرفان، بالطبع، أن أحدهما يعرف الآخر جيدًا؛ لذا لم يكن ثمَّة سببٌ للشك أو الخوف. تمكَّن بيتر ببراعة من غرس هذه الأفكار في ذهن جيني كما لو كانت أفكارها الخاصة.
وظل طوال تلك الفترة يُعبِّر لها عن حبه الشديد؛ طوال اليوم، بينما كان يساعدها في كتابة العناوين على أظرف الخطابات وإرسال النشرات الدعائية للجنة الدفاع عن جوبر. كان يعمل بجِدٍّ حقيقي؛ فهو لم يكن يمانع العمل عندما تكون جيني بجواره على الطاولة، فكان يمسِك بيدها من وقتٍ لآخر أو يضمها بين ذراعَيه ويهمس لها بكلماتٍ مفعَمة بالحب. لقد تملَّكته تلك المتع والنشوات اللذيذة، وكانت آماله ترتفع مثل المد العالي … ولكنها، للأسف، انحسرت مرةً أخرى! فقد كان يصل إلى هذا الحد في كل مرة، ولكن كان الأمر يبدو وكأنه قد اصطدم بجدارٍ حجري. التقدُّم أكثر من ذلك ممنوع!
أدرك بيتر أن حديث ماكجيفني عن «العشق الحر» كان خطأً كبيرًا. فقد كانت الصغيرة جيني مثل جميع النساء الأخريات — لم يكن حبها «حرًّا». كانت الصغيرة جيني تريد زوجًا، وكلما قبَّلتَها، يبدأ حديثها عن الزواج على الفور، ولم تكن لتجرؤ على التلميح إلى أي شيءٍ آخر لأنك تدرك أن ذلك سيُفسِد كل شيء. لذا، استعان بيتر بأساليبَ أقدمَ من تعاليم أيٍّ من جماعات «الحُمْر». لاحق بيتر الصغيرة جيني، ولكن ليس بأسلوب «العشاق الأحرار»، بل بأسلوب رجلٍ وحيد في منزل مع فتاة في السابعة عشرة من عمرها ويرغب في إغوائها. أقسم أنه يُحبها حبًّا جمًّا وأبديًّا. وأقسَم أنه سيلتحق بوظيفة ويعتني بها. ثم سمَح لها بأن تكتشف أنه يتعذَّب، ولا يستطيع العيش من دونها. لقد استغل تعاطُفها، واستغل براءتها الطفولية، واستغل تلك العاطفةَ الضعيفة المثيرة للشفقة التي جعلتها تؤمن بمناهضة العنف، والإيثار، والاشتراكية وجميع «المصطلحات» الأخرى المختلطة في ذهنها.
وهكذا، في غضون بضعة أسابيع، نجح بيتر في هدفه وتمكن من اقتحام قلب الصغيرة جيني بالقوة. وبعد ذلك، يا للبهجة التي شعر بها! وقرَّر بيتر، بعدما حصل على فتاته الأولى، أن وظيفة المحقق هي الوظيفة المناسبة له! أدرك بيتر أنه أصبح محققًا حقيقيًّا الآن يستخدم أساليبَ خفيةً حقيقية، وأنه أصبح على المسار الصحيح المؤدي إلى الأسرار الحقيقية لقضية جوبر!
لم يُضِع بيتر لحظةً واحدة ليحصل على تلك الأسرار. كانت جيني في حالة حب؛ كانت جيني، كما يمكنك أن تصفها، «ثملة بالحب»، ومن ثَمَّ استوفت كلا الشرطَين اللذَين وضعهما جوفي. لذا، أخبرته جيني بالحقيقة! كانت جيني جالسة على ركبة بيتر محيطة إياه بذراعَيها، وكانت تتحدث عن طفولتها، تلك الأيام السعيدة التي سبقت مقتل والدتها ووالدها في المصنع حيث كانا يعملان، وذكرت جيني الصغيرة اسم شاب، إيبيتس.
قال بيتر: «إيبيتس؟» فقد كان اسمًا غريبًا، ولكنه بدا مألوفًا.
قالت جيني: «إنه أحد أقربائنا.»
سألها بيتر، محاولًا التذكُّر: «هل التقيتُ به من قبل؟»
«لا، لم يأتِ إلى هذا المنزل من قبل.»
كرَّر الاسم، وهو لا يزال يحاول التذكر: «إيبيتس؟»، ثم تذكَّر فجأة. وقال: «هل اسمه الأول جاك؟»
لم تُجبه جيني للحظات. فنظر نحوها، والتقت عيناهما، ورأى أنها خائفة، ثم همست قائلة: «بيتر! لم يكن من المفترض أن أخبرك بذلك! لم يكن من المفترض أن أخبر أحدًا بذلك!»
كان هناك شيءٌ داخل بيتر يصيح طربًا. ولكي يُخفيَ مشاعره، كان عليه أن يدفنَ وجهَه في عنقها الأبيض الناعم. وهمس لها قائلًا: «حبيبتي! عزيزتي!»
فصاحت قائلة: «أوه، بيتر! أنت تعرف — أليس كذلك؟»
ضحك وهو يقول: «بالطبع أعرف! لكنني لن أخبر أحدًا. ثقي بي.»
قالت جيني: «أوه، لكن السيد أندروز كان حازمًا جدًّا! جعلني وسادي نُقسِم على أننا لن نتفوه بكلمةٍ واحدة عن هذا الأمر لأحد.»
قال بيتر: «حسنًا، إنكِ لم تخبريني بشيء، لقد اكتشفتُه بالصدفة. لا تقولي لأحد إني عرفت، ولن يعرف أحد بذلك. وإذا ما اكتشفوا أني أعرف، فلن يُلقوا باللوم عليك، وسيدركون أني أعرف جاك إيبيتس؛ فقد قضيتُ فترةً طويلة في السجن.»
ومن ثَم، نَسيت جيني كل شيء عن الموضوع، وواصَل بيتر تقبيلها ليجعلها تشعُر بالسعادة، وليُخفيَ سعادته بالنصر الذي حققه. لقد أنجز المهمة التي أرسله جوفي لإنجازها! لقد حل اللغز الأول الكبير في قضية جوبر! كان الجاسوس في سجن المدينة الأمريكية الذي ينقل الأخبار إلى لجنة الدفاع، هو جاك إيبيتس، أحد حراس السجن، وأحد أقرباء الأختين تود!