القسم الثاني والعشرون

نبَّه الرجل ذو وجه الجُرَذ بيتر إلى أنه يجب أن يكون حذرًا فيما يتعلق بإنفاق هذا المال. لن يكون ثمَّة شيءٌ أكثر تأكيدًا للشكوك التي تدور حوله من أن يُقال عنه إنه «ميسور الحال». يجب أن يكون قادرًا على إثبات كيفية حصوله على ما لديه من مال بنزاهة. ووافقَه بيتر على ذلك، وقال إنه سيُخفي المال في مكانٍ آمن حتى ينتهي من مهمته.

ثم بدأ بدوره ينبِّه ماكجيفني. إذا طردوا إيبيتس من وظيفته، فسيتسبَّب ذلك بالتأكيد في القيل والقال، وقد يثير الشكوك حول بيتر. أجابه ماكجيفني بابتسامة بأنه ليس غرًّا. «سيُرقُّون» جاك إيبيتس، ويمنحونه وظيفة لا يمكنه معها الوصول إلى أي أخبار تتعلق بقضية جوبر؛ ثم، بعد فترةٍ قصيرة، سيتصيَّدون له بعض الأخطاء، أو يُوقِعونه في بعض المشاكل، ويطردونه.

خلال هذا الاجتماع، والاجتماعات اللاحقة، تحدَّث بيتر والرجل ذو وجه الجُرَذ عن جميع جوانب قضية جوبر، التي كانت تزداد تعقيدًا وانتشارًا كونها قضية رأيٍ عام. كان عدد المتورطين الجدد فيها يزداد باستمرار، وكانت مشكلاتٌ جديدة تظهر باستمرار؛ كانت القضية أكثر إثارةً من مباراة شطرنج. ولم يكذب ماكجيفني عندما قال إن الشركات الكبرى في المدينة الأمريكية قد خصَّصت مليون دولار لشنق جوبر ورفاقه. عُرِض في البداية سبعة عشر ألف دولار مكافآت مقابل المعلومات، وبطبيعة الحال، كان كثيرون قادرين على الحصول على هذه المكافآت. ولكن كانت المشكلة تكمُن في أن الأشخاص الذين يريدون هذا المال عادةً لا تكون سجلاتهم الإجرامية جيدةً في نظر هيئة المحلَّفين؛ كان يتضح دائمًا تقريبًا أن النساء عاهرات، وأن الرجال إما مدانون سابقون، وإما مزورون، وإما مقامرون، أو ما شابه. وفي بعض الأحيان، كانوا لا يكشفون عن سجلاتهم الإجرامية الماضية حتى يكشف عنها الجانب الآخر، وبناءً على ذلك، يصبح من الضروري تزوير سجلات المحكمة، والاستعانة بالمعارف في جميع أنحاء البلاد.

كان هناك عشرات الشهود على هذه الشاكلة في قضية جوبر. وقد أدلَوا بشهاداتهم أمام هيئة المحلَّفين الكبرى التي كشفت عن الكثير من العيوب والتناقُضات فيها؛ الأمر الذي تسبَّب في المزيد من الأعباء والمشاكل لجوفي ومساعديه. ومن سوء الطالع أنه تصادف أن جيم جوبر وزوجته كانا يشاهدان الموكب من فوق سطح أحد المباني يقع على بعد بضعة أميال من الموكب في الوقت نفسه الذي اتُّهِما فيه بأنهما وضعا حقيبةً تحتوي على القنبلة في الموكب. كان شخصٌ ما قد التقط من فوق هذا السطح صورةً للموكب ظهر فيها جوبر وزوجته يشاهدان الموكب من فوق السطح، وكذلك كانت هناك ساعةٌ كبيرة أمام متجر للمجوهرات تشير بوضوح إلى الوقت بدقة. لحسن الحظ، حصل الادعاء على هذه الصورة أولًا؛ ولكن علم الدفاع بوجودها وكان يحاول رؤيتها. لم يجرؤ الادعاء على تدميرها؛ لأنه يمكن إثبات وجودها، لكنهم صوَّروا الصورة فوتوغرافيًّا، وأعادوا تصويرها حتى أصبح وجه الساعة معتمًا ولا يمكن رؤية الوقت الذي تشير إليه. وكان الدفاع يحاول الحصول على دليل على أن هذه الخدعة قد حدثت.

ثم كان هناك جميع شهود الدفاع. فمن سوء الطالع أيضًا أن نصف دُزِّينة من أناسٍ مختلفين كانوا قد رأوا القنبلة تُلقى من فوق سطح متجر جوجنهايم؛ الأمر الذي تناقض تمامًا مع نظرية الحقيبة التي بنى عليها الادعاء قضيته. لذا، أصبح من الضروري «الوصول» إلى هؤلاء الشهود الكُثُر. ربما كان لأحدهم رهنٌ عقاري على منزله يمكن شراؤه وسحب ملكية المنزل منه، وربما كان لآخر زوجة ترغب في الطلاق منه ويمكن إقناعها بالمساعدة في إيقاعه في المتاعب. أو ربما كان على علاقة بزوجة رجلٍ آخر، أو ربما يمكن إرسال امرأة لتوريطه في علاقة معها.

علاوةً على ما سبق، تبيَّن أنه بعد حدوث الانفجار بفترةٍ قصيرة للغاية، استخدم بعضٌ من رجال جوفي مطارقَ كبيرة في تكسير الرصيف، وكذلك جدار المبنى الذي حدث الانفجار عنده. كان هذا بمثابة إعداد مسرح جريمةٍ يتناسب مع نظرية القنبلة الموضوعة في الحقيبة، كما أنهم التقطوا عددًا من الصور لما وقع من أضرار. ولكن تبيَّن أن شخصًا ما التقط صورةً للمكان قبل إحداث هذه الأضرار الإضافية، وأن هذه الصورة وصلت للدفاع. من التقط هذه الصورة، وكيف يمكن «تصحيح» موقفه؟ إن تمكَّن بيتر من تقديم يد المساعدة في مثل هذه الأمور، فسيخرج من قضية «جوبر» رجلًا ثريًّا.

كان بيتر ينصرف من هذه الاجتماعات مع ماكجيفني وذهنه مليء بالتخيُّلات وكان يركِّز كل قدراته على جمع المعلومات. كان هو وجيني وسادي يتحدثون عن القضية باستمرار، وكانت جيني وسادي تروِيان طواعيةً كل ما سمعتاه خارج المنزل. وكان آخرون يأتون؛ الشاب ماكورميك، وميريام يانكوفيتش، والسيدة نيبينز، سكرتيرة أندروز، ويروون ما عرفوه وما يشتبهون به، وما كان الدفاع يأمل في اكتشافه. تمكَّنت هيئة الدفاع من الوصول إلى أحد أقرباء الرجل الذي التقط الصورة على السطح، وكانوا يُحاولون معه ليقنع صاحب الصورة بقول الحقيقة. في اليوم التالي، أتى دونالد جوردون، مطأطئ الرأس من فرْط إحباطه؛ لأنه كان قد تبيَّن أن أحد أكثر شهود الدفاع قيمة، بائع البقالة، اعترف ذات مرة ببيع الجبن الفاسد! ومن ثَم، كان بيتر يدون ملاحظاته كل مساء قبل أن يخلد إلى النوم، ويَخيطُها داخل سترته، وكان يذهب للقاء ماكجيفني مرةً واحدة كل أسبوع، وكان الاثنان يتجادلان ويتفاوضان على قيمة الأخبار التي ينقلها بيتر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤