القسم الرابع والعشرون
ذهب بيتر لزيارة أندروز المحامي، وطلب منه وظيفة؛ قال إنه يريد أن يشارك في القضية، فعُيِّن في مكاتب لجنة الدفاع؛ حيث كان يسمع الناس يتحدثون عن القضية طوال اليوم، وحيث يمكنه الحصول على قدْرٍ لا نهائي من المعلومات القيِّمة. جعل نفسه محبوبًا وكوَّن صداقات، ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى أصبح صديقًا مقربًا لأحد أهم شهود هيئة الدفاع، واكتشف أن هذا الرجل كان مدرجًا ذات مرة باعتباره شريكًا لامرأة في جريمة زنًا في قضية طلاق. توصَّل بيتر لاسم المرأة، وبدأ جوفي يعمل على إحضارها إلى المدينة الأمريكية. كان يجب أن يتم الأمر بمهارة، دون أن تعرف المرأة أنها كانت تُستغَل. ستعتقد أنها تقضي عطلةً قصيرة، وسيعود سحر الحب القديم إلى سابق عهده، وسيُجهِّز جوفي نصف دُزِّينة من الرجال لنصب الفخ؛ سيقضي على شاهد هيئة الدفاع عن جوبر المهم تمامًا ويُخرجه من الصورة! قال ماكجيفني: «هناك دائمًا شيءٌ اقترفوه يمكنك أن تستخدمه ضدهم!» ودفع بسعادة لبيتر جادج خمسمائة دولار مقابل المعلومات التي جلبها.
كان بيتر سيطير فرحًا من فرْط سعادته لولا أنه في نفس تلك اللحظة هبطت كارثةٌ كالصاعقة على رأسه. كان حديث جيني عن الزواج يزداد أكثر فأكثر، وكشفت له سبب كون الزواج أمرًا ضروريًّا. كشفت عن السبب بأن خفضت عينَيها ناظرةً إلى أسفل بوجهٍ مُحمَر وجسدٍ مرتجف؛ وألجم الرعبُ لسان بيتر لدرجة أنه لم يتمكَّن من أداء الدَّور المتوقَّع منه. حتى هذه اللحظة، كان في مثل هذه الأزمات العاطفية يضم جيني بين ذراعَيه ويواسيها، ولكنه تركها هذه المرة ترى مشاعره الحقيقية.
اجتاحت جيني على الفور نوبة هلع. ما الذي ألمَّ به؟ ألن يتزوَّجها كما وعدها؟ لا بد أن يدرك الآن أنه لم يعُد أمامهما مجالٌ للتأجيل! أما بيتر، الذي لم يكن معتادًا على أعراض الهستيريا، فقدْ فقدَ صوابه تمامًا ولم يستطع التفكير في أي شيءٍ سوى الخروج من المنزل وإغلاق الباب من خلفه بقوة.
كلما فكر في الأمر، زاد وضوحًا إدراكه أنه وقع في مأزقٍ شيطاني. من منطلق كونه أحد رجال شركة تراكشن تراست، كان يرى أنه محصَّن من جميع العقوبات والالتزامات القانونية؛ ولكنه شعر أنه في هذه الحالة قد وقع في مشكلة لن يتمكَّن أصحاب السلطة في المدينة من حماية عميلهم منها. هل هم قادرون على ترتيب الأمر بحيث يتزوَّج شخصٌ من فتاة، ثم ينهي زواجه منها عندما تنتهي مهمته؟
كان بيتر يشعر باضطرابٍ شديد لدرجة أنه اضطُر إلى الاتصال بمكتب جوفي والتحدث مع ماكجيفني. كان هذا التصرف خطرًا؛ لأن الادعاء كان يتنصَّت على أسلاك الهاتف، وكانوا يخشَون أن الدفاع ربما يفعل المثل. ولكن بيتر استغل الفرصة وأخبر ماكجيفني بأن يأتي ويلتقي به في المكان المعتاد؛ حيث ناقشا الموضوع، وتأكَّدت أسوأ مخاوف بيتر. عندما عرض الموضوع على ماكجيفني، فضحك الرجل ذو وجه الجرُذَ بصوتٍ عالٍ. وجد أن الأمر مضحكٌ لدرجة أنه لم يتوقف عن الضحك حتى رأى السخط باديًا على وجه جاسوسه.
سأله بيتر: «ما الذي يُضحِكك؟ إذا ما تهدَّم ما صنعتُ حتى الآن، فمن أين ستحصل على مزيد من المعلومات؟»
قال ماكجيفني: «ولكن، يا إلهي! ما الذي جعلك ترتبط بمثل هذه الفتاة؟»
أجابه بيتر: «كان عليَّ أن أتقبَّل ما أُتيح لي. بالإضافة إلى ذلك، جميعهن متشابهات؛ يقعن في المشكلات، ولا يمكنك فعل شيء.»
قال ماكجيفني: «بالطبع، يمكنك فعل شيءٍ ما! لِمَ لَم تسأل منذ فترة طويلة؟ إذا كنتَ قد ألزمتَ نفسك بالتقدم للزواج، فهذه مشكلتك أنت؛ لا يمكنك أن تلقي باللوم عليَّ.»
ظلا يتجادلان. كان الرجل ذو وجه الجُرَذ واثقًا من أنه لا تُوجَد طريقة تُمكِّن بيتر من التظاهر بأنه سيتزوَّج جيني من دون أن يتزوَّجها. وقد يتورط في مشكلاتٍ لا حصر لها، ولا شك في أن فائدته كجاسوسٍ ستنتهي. ما عليه فعله هو أن يُعطيَ الفتاة بعض المال ويرسلها إلى مكانٍ ما لتتخلص من الجنين. وسيكتشف ماكجيفني اسم الطبيب الذي سيؤدي العملية.
صاح بيتر: «حسنًا، ولكن ما العذر الذي سأخبرها به؟ أعني، ماذا يمنع زواجي منها!»
قال ماكجيفني: «اخترِع أي عذر. لماذا لم تتزوج حتى الآن؟» وعندما رأى الحَيْرة بادية على وجه بيتر: «لا شك في قدرتك على إصلاح الأمر. سأفكِّر لك في مبرر إذا كنتَ بحاجة إلى ذلك. ولكنك لست مضطرًّا لتحمُّل هذا العناء — أخبر فتاتك بقصةٍ تعسة. قل لها إنك متزوج، وكنتَ تعتقد أنك قادرٌ على إنهاء زواجك منها، ولكن اكتشفتَ الآن أنك لا تستطيع؛ وأن زوجتَك علمت بما تفعله هنا، وشَرعت في ابتزازك. رتِّب الأمر بحيث لا يمكن لفتاتك أن تفعل أي شيءٍ قد يضر بالدفاع عن جوبر. وإذا كان حبُّها لك صادقًا، فلن تضعك في موقفٍ مخزٍ، وربما تمتنع حتى عن إخبار أختها.»
كره بيتر فعل أي شيء من هذا القبيل. كان يتخيل جيني الصغيرة راقدة على الأريكة في حالةٍ هستيرية بعدما تركها، وكان يخشى المواجهة الطويلة المفعَمة بالمشاعر التي لا مفر منها. ولكن بدا أنه من المحتَّم أن تحدث؛ لم يتمكَّن من التفكير في طريقةٍ أفضل منها. علاوةً على ذلك، يجب أن ينتهي من هذا الأمر سريعًا؛ فبعد بضع ساعات ستعود سادي من عملها، وربما يكون الأوان قد فات.