القسم الخامس والعشرون
أسرع بيتر عائدًا إلى منزل تود، ووجد الصغيرة جيني راقدة في فراشها بوجهٍ شاحب، وكانت لا تزال تبكي. قد يعتقد المرء أنها قد استنفدت مخزونها من العواطف الجياشة، ولكن لا، لا يُوجَد حد للعواطف التي يمكن للمرأة أن تسكبها من عينَيها. بمجرد أن بدأ بيتر اعترافَه المهين بأنه متزوج، قفزت جيني الصغيرة من فِراشها وأطلقت صرخةً مرتعبة وواجهته ووجهُها أشبه بوجه شبح مجنون هارب. حاول بيتر أن يوضِّح لها أن ما حدث لم يكن خطأه؛ فقد كان يتوقع أن يتحرر من هذا الزواج متى أراد. ولكن كل ما فعلته جيني هو أن وضعت يديها على جبينها وصرخت: «لقد خدعتَني! لقد خنتَني!» كانت أفعالها أشبه بمشهدٍ تمثيلي من السينما، وكان الشيطان الصغير المتململ داخل بيتر يوسوس له.
حاول أن يمسك يدها ويتفاهم معها، لكنها اندفعت بعيدًا عنه، وهُرعت إلى الجانب الآخر من الغرفة ووقفت في مكانها تحدق فيه بنظرات حيوانٍ برِّي محاصَر ومهدَّد بالقتل. أحدثت جلبةً عالية لدرجة أنه خشي أن يأتي الجيران ليتبيَّنوا ما يحدث، وكان عليه أن يوضِّح لها أنه إذا تسرَّبت هذه المسألة إلى العلن، فسينتهي دورُه كشاهد في القضية إلى الأبد، وربما تصبح هي السبب في إرسال جيم جوبر إلى حبل المشنقة.
على إثر ذلك، صمتت جيني، وتمكَّن بيتر من التحدُّث إليها. أخبرها عن الاستمالة التي يتعرض لها؛ فقد أرسل إليه الطرف الآخر من القضية شخصًا وعرض عليه عشرة آلاف دولار إذا تخلى عن هيئة الدفاع عن جوبر. ولأنه رفض، بدءوا يبتزُّونه باستخدام زوجته. لقد شكُّوا بطريقةٍ ما في أنه متورط في علاقةٍ عاطفية، وكانت تلك هي الوسيلة التي سيتَّبعونها في تدمير مصداقيته كشاهد.
كانت جيني لا تزال ترفُض أن يلمسها بيتر، ولكنها وافقت على الجلوس بهدوء في كرسي ومناقشة ما عليهما فعله. وقالت إنه بغضِّ النظر عما يحدث، يجب ألا يُعرِّضا قضية جوبر للخطر. وإن بيتر أخطأ في حقها بشكلٍ فظيع عندما أخفى الحقيقة عنها، ولكنها ستتحمل العواقب أيًّا كانت، ولن تورِّطه في الأمر.
بدأ بيتر يوضِّح لها أن الأمور قد لا تكون خطيرةً كما تخشى. كان قد أمعَن التفكير في الأمر؛ كان يعرف أين يعيش بيريكليس بريام، رب عمله القديم، وأصبح بيريكليس ثريًّا حاليًّا، وكان بيتر واثقًا من أنه يمكن أن يُقرضَه مائتَي دولار، وأن هناك أماكنَ يمكن أن تذهب إليها الصغيرة جيني؛ كانت ثمَّة طرق لحل هذه المشكلة …
ولكن أوقفته الصغيرة جيني عن إتمام حديثه. كانت طفلة في بعض جوانب شخصيتها، ولكنها كانت من جوانب أخرى امرأةً ناضجة. كانت تعتنق أفكارًا ثابتةً غريبة، وعندما تصطدم بها، يبدو وكأنك تصطدم بجدارٍ حجري. فأحجمت عن سماع الفكرة التي اقترحها بيتر؛ لأن ذلك سيُعَد قتلًا.
قال بيتر مكررًا ما قاله ماكجيفني: «محضُ هراء. الأمر بسيط، والجميع يفعلونه.» ولكن بدا أن جيني لم تكن منصتةً له. فقد كانت جالسةً تحدِّق فيه بعينَيها الجامحتَين المرتعبتَين، وتُنشِب أصابعها في فستانها. رأى بيتر ما تفعله أصابعها، وأتعب ذلك أعصابه. فقد كانت تتصرف كأصابعَ مجنونة، وظهرت عليها جميع العواطف التي كانت الصغيرة جيني تخنقها وتكبتها.
قال بيتر متوسلًا: «آهٍ لو لم تأخذي الأمر على محمل الجد لهذه الدرجة! إنه حادثٌ تعس، ولكنه حدث، والآن علينا أن نخرج منه بالاستفادة القصوى. يومًا ما سأتحرَّر من هذا الزواج؛ يومًا ما سأتزوَّجك.»
همست الفتاة، بصوتها المتوتر: «اصمت، يا بيتر! لا أريد أن أتحدث معك أكثر من ذلك، إذا كان هذا كل ما يمكنك قوله. لا أعرف إن كنتُ سأرغب في الزواج منك، بعدما عرفتُ أنك قادرٌ على خداعي، أنك قادرٌ على الاستمرار في خداعي يومًا بعد يوم لعدة أشهر.»
ظن بيتر أنها ستدخل في نوبةٍ هستيريةٍ أخرى، وكان خائفًا. حاوَل أن يتوسل إليها، لكنها قفزت فجأة، وقالت: «ابتعِد! أرجوك ابتعِد واتركني وحدي. سأفكِّر في الأمر وأقرِّر ما يجب فعله بنفسي. وأيًّا كان ما سأفعل، فلن أضعك في موقفٍ مخزٍ؛ لذا اتركني وحدي، أسرِع!»