القسم الثامن والعشرون
كان ثمَّة شخصٌ واحد فقط يمكن لبيتر أن يثق به، وهو ماكجيفني. لم يستطع بيتر أن يُخفي عن ماكجيفني حقيقة أن حزنه يؤرقه، فاحتواه ماكجيفني وأعطاه «تحفيزًا». كانت مهمة قمع الحُمْر خطرة، وكانت خطورتها تكمن في كون مبادئهم غامضةً للغاية، وكانوا بارعين للغاية في التأثير على عقول الناس. رأى ماكجيفني كثيرين ينخدعون بأفكارهم ويتحوَّلون إلى أعضاء في جماعاتهم. وعلى بيتر أن ينتبه لهذا الخطر.
قال بيتر موضحًا: «ليس الأمر كذلك. ليست أفكارهم. إنما كنتُ أشفق على تلك الصغيرة.»
قال ماكجيفني: «حسنًا، سنصل إلى النتيجة نفسها. ستشعُر بالأسف عليهم، ثم فجأة، تجد نفسك تستمع إلى حججهم. بيتر، أنت الآن أحد أفضل الرجال الذين يعملون معي على هذه القضية؛ وهذا شرفٌ كبير؛ لأني أتولى مسئولية سبعة عشر رجلًا آخرين.» كان الرجل ذو وجه الجُرَذ يراقب بيتر ورأى وجهه يتورد سرورًا. فواصل حديثه قائلًا إنه صحيح أن أمام بيتر مستقبلًا، وسيكسب الكثير من المال، وسيُمنح مسئولياتٍ، ووظيفةً دائمة. ولكنه قد يُضيع كل شيء إذا ما انخدع بمبادئ الحُمْر. وعليه أن يدرك أيضًا أنه لن يستطيعَ خداعَ ماكجيفني أبدًا؛ لأن ماكجيفني كلَّف جواسيس بمراقبته!
وهكذا، شبَّك بيتر بيدَيه معًا وشدَّ من أزر نفسه. كان بيتر «رجلًا صُلبًا»، ولن يضيع مستقبله. قال موضحًا: «كل ما في الأمر أني لا أستطيع منع نفسي عن الاشتياق للفتاة!» فرد الآخر عليه قائلًا: «هذا طبيعي. كل ما عليك فعله هو الارتباط بفتاةٍ أخرى.»
واصل بيتر عمله في مكتب لجنة الدفاع عن جوبر. وبحلول موعد المحاكمة، كان الصراع بين الكيانَين العملاقَين قد وصل إلى ذروته. كان المدعي العام، الذي كان يتولى القضية، والذي كان يتوقع أن يصبح حاكم الولاية بفضل أهمية تلك القضية، يحظى بدعم نصف دُزِّينة من ألمع المحامين في المدينة الذين كانوا يتقاضَون أتعابهم من كبار رجال الأعمال. كان يعمل على القضية جيشٌ صغير من المحققين، وكانت قاعة المحكمة التي تُجرى فيها المحاكمة تعجُّ بالجواسيس والعملاء. وتم التحقُّق من صلاحية كل شخص من مئات المحلَّفين المحتملين وتنصيفهم، وسُجِّلت جميع نقاط ضعفهم وميولهم، ولم يكتفوا بدراسة حالاتهم النفسية، فدرَسوا أوضاعهم المالية، والأوضاع المالية لأقاربهم وأصدقائهم. قابل بيتر نصف دُزِّينة من العملاء الآخرين بالإضافة إلى ماكجيفني، والذين كانوا قد جاءوا لسؤاله عن بعض التفاصيل، واستشف من أحاديث هؤلاء الرجال لمحاتٍ من التفرعات اللانهائية للقضية. بدا له أن المدينة الأمريكية بأكملها قد وُظِّفت للمساعدة في إرسال جيم جوبر إلى المشنقة.
أصبح بيتر يتقاضى خمسين دولارًا في الأسبوع علاوةً على المصروفات، بالإضافة إلى إكرامياتٍ خاصة مقابل الأخبار ذات القيمة العالية. لم يكن يمُر يوم من دون أن يتبادر إلى علمه تطوُّر مهم، وكان عليه أن يتواصل مع ماكجيفني كل ليلة. كان لدى الادعاء مكتبٌ سري حيث كان يعمل مشغل هاتف وسعاة يتنقلون ما بين مكتب المدعي العام ومكتب جوفي؛ لجئوا إلى هذه الطريقة لتجنُّب التنصُّت على الهاتف. كان بيتر يذهب من مقر لجنة الدفاع عن جوبر إلى كشك هاتفٍ في أحد الفنادق، وهناك كان يذكُر الرقم السري، ثم رقمه الخاص، الذي كان ستة وأربعين. كان جميع المعنيين معروفين بأرقام، الأشخاص الرئيسيون، سواء من جانب الادعاء أو الدفاع؛ لم يكن اسم «جوبر» يُذكر عبْر الهاتف مطلقًا.
بعد بداية المحاكمة، كان من الصعب إقناع أحد بالعمل في مكتب لجنة الدفاع؛ أراد الجميع أن يكونوا في قاعة المحكمة! كان يأتي شخص كل بضع دقائق حاملًا أحدث التقارير عن المستجدَّات. كان الادعاء قد نجح في التخلُّص من سجلات المحكمة الابتدائية التي أدانت شاهدَهم الرئيسي بإدارة بيت دعارة للزنوج. وقدَّم الادعاء العديد من الأدلة التي زُعِمَ أن الشرطة وجدتها في الشارع بعد الانفجار؛ وكان من بينها زنبرك، من المفترض أن يدخل في صنع القنابل، لكن اتضح أنه يخُص أحد الهواتف! كما قدَّموا أجزاء من ساعة، لكن تبيَّن أنهم قدَّموا أجزاء من ساعتَين مختلفتَين بسبب تحمُّسهم الزائد! كانت هناك إثارةٌ على هذه الشاكلة كل يوم.