القسم التاسع والعشرون

عندما حان وقت اختتام الادعاء لمرافعته، استُدعي بيتر إلى مكتب أندروز، ليتم تدريبه على دوره كشاهد. وأخبره المحامون أنه سيُطلب للشهادة في غضون يومَين أو ثلاثة.

لم يكن بيتر ينوي الظهور كشاهد على الإطلاق؛ فقد كان يخدع الدفاع طوال تلك الفترة؛ كان «يُجارِيهم»، على حد تعبيره، لكي يحافظ على علاقته الجيدة معهم حتى النهاية. وفي الوقت نفسه، كان يُحاول معرفة ما سيقوله كمبرِّر لرفضه النهائي. كان بيتر يتناول غداءه عندما طرأت على ذهنه تلك الخطة، وتحمَّس بشدة لدرجة أنه ابتلع قطعة من الفطيرة بطريقةٍ خاطئة وقفز خارجًا من غرفة الطعام. كانت الخطة أول فكرةٍ عبقرية تخطر على ذهنه؛ فحتى تلك اللحظة، كان ماكجيفني هو من يفكِّر في مثل هذه الأمور، ولكن بدأ بيتر حاليًّا يسلُك طريقَه نحو أن يصبح مدير نفسه! لماذا يواصل تلقي الأوامر من آخرين، بينما يملك عقلًا ذكيًّا؟ أخبر ماكجيفني بالخطة، ووصفها ماكجيفني بأنها «رائعة»، وكان بيتر فخورًا لدرجة أنه طلب زيادةً وحصل عليها.

كان لهذه الخطة ميزتان؛ لم تكن لتحافظ على مكانة بيتر وسمعته الطيبة بين الحُمْر فحسب، بل كانت أيضًا ستدمر ماكورميك، الذي كان أحد أنشط العاملين في فريق الدفاع، وأحد أخطر الحُمْر في المدينة الأمريكية، بالإضافة إلى كونه عدوًّا شخصيًّا لبيتر. تواصَل ماكجيفني مع بعض معارفه السريين، فذكَرت جريدة «تايمز» المدينة الأمريكية، في أحد تقاريرها عن القضية، شائعةً مفادُها أن الدفاع يعتزم وضْع رجلٍ على منصة الشهود يدَّعي أنه تعرَّض للتعذيب في سجن المدينة في محاولة لجعله يقدم شهادةً كاذبة ضد جوبر، وأن الادعاء تحقَّق من سجل هذا الرجل واكتشَف أنه أغوى أخيرًا فتاةً صغيرة انتحرت بسبب رفضه الزواج منها. أخذ بيتر نسخةً من صحيفة «تايمز» المدينة الأمريكية وذهب إلى مكتب ديفيد أندروز وأصَر على مقابلة المحامي قبل أن يذهب إلى قاعة المحكمة؛ وألقى بالجريدة على المكتب وقال إن هذه نهايةُ دوره كشاهد في قضية جوبر، وقال: «إنها كذبةٌ جبانةٌ حقيرة! والرجل المسئول عن نشرها هو بات ماكورميك.»

كانت تلك هي نوعية الأعباء التي تُلقى على عاتق المحامين في المحاكمات الجنائية الشعواء! بذل أندروز المسكين قُصارى جهده لتصحيح الأمور؛ فناشَد بيتر قائلًا إنه إذا كانت القصة كاذبة، فيجدُر ببيتر أن يكون سعيدًا بتوفُّر فرصة الرد على من أساءوا لسمعته. سيضع الدفاع شهودًا على المنصة لنفيها. بل سيجعلون سادي تود تنفيها.

«ولكن سادي أخبرتْني أنها تشُك بي!»

قال أندروز: «نعم، ولكنها أخبرتني أخيرًا أنها ليست متأكدة.»

قال بيتر: «ما الفائدة التي ستعود عليَّ من ذلك؟! سيسألونني إذا كان أحدٌ قد وجه لي اتهامًا، ومن يكون، وسأُضطر لذكر ماكورميك، وإذا وضعوه على منصة الشهود، فهل سينفي أنه اتهمني؟»

صب بيتر جام غضبه على ماكورميك الذي كان راديكاليًّا يدعي أنه مخلص للقضية، وأنه لا يملك حسًّا يمنعه عن تكرار تشويه سمعة أحد رفاقه بقسوة! كان بيتر يعمل على هذه القضية في هذا المكتب طوال حوالَي ستة أشهر، ولم يكن يحصل على مقابل إلا ما يسُد رمقه بالكاد، والآن يتوقَّعون منه أن يُوضَع على منصة الشهود ويُفصِح عن قصةٍ مثل هذه للصحافة، ويترك الادعاء يزيِّف شهاداتٍ لإثبات أنه شرير. قال بيتر: «لا، يا سيدي! لقد اكتفيتُ من هذه القضية. ضع ماكورميك على منصة الشهود ودَعه ينقذ حياة جوبر. لا يمكنك الاستعانة بي، لن أشارك!» وصمَّ أذنَيه عن توسُّلات المحامي، وخرج من المكتب ثائرًا، وذهب إلى مكتب لجنة الدفاع عن جوبر، حيث كرَّر المشهد نفسه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤