القسم الثالث
توقَّفت تخيُّلات بيتر عندما سُحب الصندوق الذي كان يختبئ فيه من الجدار. وسمع صوتًا يقول: «مرحبًا!»
أنَّ بيتر ولكنه لم يرفَع بصره لأعلى، فسُحب الصندوق أكثر إلى الخارج، وأطلَّ وجهٌ داخله، وقال الصوت: «لماذا تختبئ هنا؟»
تلعثَم بيتر بضعف قائلًا: «ﻣ… ﻣ… ماذا؟»
سأله الصوت: «هل أنت مصاب؟»
تأوَّه بيتر وقال: «لا أعرف.»
سُحِبَ الصندوق إلى الخارج أكثر، فانزلَق ساكنه منه. نظر بيتر لأعلى، ورأى ثلاثة أو أربعة من رجال الشرطة ينحنون فوقه؛ فتأوَّه مرةً أخرى.
سأله أحدهم: «كيف دخلتَ الصندوق؟»
«زحفتُ إلى داخله.»
«لماذا؟»
«للاختباء من … ماذا كان ذلك؟»
قال أحد رجال الشرطة: «قنبلة»؛ فشعر بيتر بدهشةٍ مفرِطة لدرجة أنه نسي للحظة أنه يتظاهر بأنه محطَّم الأعصاب.
صاح قائلًا: «قنبلة!» وفي اللحظة نفسها رفع أحد رجال الشرطة بيتر لينهض واقفًا.
سأله الشرطي: «هل يمكنك الوقوف؟»؛ وحاول بيتر أن يقف، فوجد أنه قادرٌ على الوقوف، ونسي تظاهره بأنه لا يستطيع. كان مغطًّى بالدم والأوساخ، وكان مظهره غير مقبول على الإطلاق، ولكنه كان في واقع الأمر مرتاحًا لاكتشافه أن أطرافه سليمة.
سأله أحد رجال الشرطة: «ما اسمك؟» وعندما أجابه بيتر، سأله: «أين تعمل؟»
أجابه بيتر: «أنا عاطل.»
سأله الشرطي: «أين كانت وظيفتك الأخيرة؟» ثم قاطعهما شرطيٌّ آخر قائلًا: «لماذا زحفتَ إلى داخل الصندوق؟»
فصرخ بيتر قائلًا: «يا إلهي! أردتُ أن أختبئ!»
بدا أن رجال الشرطة شعروا بأن بقاءه مختبئًا لفترةٍ طويلة أمرٌ مثير للشبهات. وبدا أنهم كانوا منفعلين هم أيضًا؛ فقد ارتُكبت جريمةٌ شنيعة، وكانوا يبحثون عن أي أثَر لمرتكبها. ظهر رجل شرطة آخر، ولكنه لم يكن يرتدي زيًّا رسميًّا، ولكن كان يبدو أنه أعلى سلطةً من الآخرين، ووجَّه سيلًا من الأسئلة إلى بيتر، مطالبًا بمعرفة مَن يكون، ومن أين أتى، وماذا كان يفعل وسط هذا التجمهر. ولا شك في أن بيتر لم يكن يملك أي إجاباتٍ مرضية على أيٍّ من هذه الأسئلة. كانت المِهَن التي كان قد عمل فيها غير عادية، ولم يكن من السهل فهمُها تمامًا، وكان من الصعب تفسير أهدافه لمحققٍ مرتاب. كان الرجل ضخم الجثَّة قوي البِنية، وكان أطول من بيتر بقدمٍ كاملة على أقل تقدير، وعندما تحدَّث انحنى فوق بيتر وحدَّق في عينَيه كما لو كان يبحث عن أسرارٍ مظلمة مخبَّأة في أعماق جمجمته. تذكَّر بيتر أنه من المفترض أن يكون مريضًا، فأغمَض جفنيه، وترنَّح قليلًا بحيث تعيَّن على رجال الشرطة أن يسندوه.
قال المحقِّق: «أريد التحدث إلى ذلك الرجل. خُذاه إلى الداخل.» أمسَك أحد رجال الشرطة ببيتر من إحدى ذراعَيه، وأمسكَه الآخر من ذراعه الأخرى، وسار ثلاثتهم لنصف المسافة، ثم حملاه لنصفها الآخر عبْر الشارع ودخلا به إلى مبنًى.