القسم الحادي والثلاثون

وهكذا، عاد بيتر إلى الحضيض مجددًا. ولكن القدَر كان رءوفًا به. في اليوم نفسه، وصله خطابٌ مُذيَّل بالرقم «مائتان وثلاثة وأربعون»، وهو رقم ماكجيفني. كان «مائتان وثلاثة وأربعون» يريد تكليف بيتر ببعض الأعمال المهمة، فهل يمكنه الحضور على الفور؟ باع بيتر آخر قطعةٍ من المجوهرات يملكها لكي يشتريَ تذكرةَ السفر إلى المدينة الأمريكية، والتقى ماكجيفني في المكان المعتاد.

شرح ماكجيفني الهدف من الاجتماع بسرعة. كانت أمريكا في حالة حرب، وقد حان الوقت لإسكات هؤلاء الحُمْر بشكلٍ نهائي. يمكن للمرء فعل أمور في زمن الحرب لا يمكنه فعلها في زمن السلام، ومن بين تلك الأمور التي كنتَ ستفعلها أن تضع حدًّا للتحريض ضد الممتلكات. لعقَ بيتر شفتَيه، بالمعنى المجازي. فقد كان هذا أحد الأمور التي ظل يُلِح على ماكجيفني لفعلها. لا بد من التخلص من بات ماكورميك بشكلٍ نهائي. إنهم جماعةٌ خطرة، أولئك الحُمْر، وكان ماك هو أسوأهم. كان من واجب الجميع أن يقدموا يد المساعدة، وماذا بمقدور بيتر أن يفعل؟

أجابه ماكجيفني بأن السلطات كانت تُعِد قائمةً كاملة تتضمَّن جميع المنظماتِ الراديكالية وأعضائِها، وتجمع الأدلة استعدادًا للقبض عليهم. وكان جوفي هو المسئول عن تلك المهمة؛ مثلما كان الحال في قضية جوبر، كانت الشركات التجارية الكُبرى في المدينة تمضي قدمًا بينما كانت الحكومة لا تزال تمسح آثار النوم من عينَيها وتستفيق. هل يقبل بيتر بوظيفة التجسس على الحُمْر في المدينة الأمريكية؟

صاح بيتر: «لا أستطيع! جميعهم غاضبون مني لأنني لم أشهد في قضية جوبر.»

رد عليه الرجل ذو وجه الجُرَذ: «يمكننا إصلاحُ ذلك بسهولة. قد يعني ذلك التسبُّب لك في بعض الإزعاج. وقد تُضطر إلى أن تدخل السجن لبضعة أيام.»

صاح بيتر مذعورًا: «أدخل السجن!»

قال الآخر: «نعم، يجب أن يُقبضَ عليك، وتتحوَّل إلى شهيد. ثم، كما تعلم، سيتأكَّدون جميعُهم من نزاهتك، وسيُعيدونك بينهم مرةً أخرى ويرحِّبون بك.»

لم يكن بيتر يُحب فكرة دخول السجن؛ فقد كانت ذكرياتُه عن السجن في المدينة الأمريكية مؤلمة للغاية. ولكن ماكجيفني أوضَح له أن هذا وقتٌ لا يملك فيه الرجال رفاهية التفكير في مشاعرهم؛ فالبلاد في خطر، ويجب حماية الأمن العام، ومن المتوقَّع من الجميع أن يقدِّموا بعض التضحيات الوطنية. كان جميع الأثرياء يشترون سندات الحرية، وكان الفقراء يُضحُّون بحياتهم، وماذا سيقدِّم بيتر جادج؟ قال بيتر: «ربما سأُجنَّد في الجيش.»

قال ماكجيفني: «لا، لن تُجند؛ ليس إذا قبلتَ بهذه المهمة. يمكننا تدبير الأمر. إن رجلًا مثلك، يملك ما تملكه من قدراتٍ خاصة، سيكون ثمينًا للغاية ولا يجبُ التفريط فيه.» قرَّر بيتر على الفَور أن يقبل العَرض. كان قضاء بضعة أيام في السجن أفضل بكثير من قضاء بضع سنوات في الخنادق، وربما قضاء ما تبقى من أيام هذا العالم تحت التراب في فرنسا.

رُتبت الأمور سريعًا. خلع بيتر ملابسه الأنيقة، وارتدى ملابسَ عامل، وذهب إلى غرفة الطعام حيث كان دونالد جوردون، الصبي التابع لجماعة الأصدقاء، يتناول غداءه دائمًا. كان بيتر واثقًا تمامًا من أن دونالد سيكون أحد المعارضين الرئيسيين للتجنيد الإجباري، ولم يُجانبه الصواب في ذلك.

لم يبدُ على دونالد الود وهو يستقبل بيتر؛ ودون أن يتفوَّه بكلمةٍ واحدة، جعل الشاب المنتمي إلى جماعة الأصدقاء بيتر يدرك أنه خائن، جبان «تخلى» عن الدفاع عن جوبر. ولكن بيتر كان صبورًا ودبلوماسيًّا، فلم يُحاول الدفاع عن نفسه، ولم يطرح أي أسئلة عن دونالد ونشاطاته. ولم يقُل سوى إنه كان يدرس موضوع العسكرية وإنه توصَّل إلى وجهة نظر نهائية. كان اشتراكيًّا ودوليًّا؛ وكان يرى أن دخول أمريكا الحرب جريمة، وكان مستعدًّا للمشاركة في التحريض ضدها. كان سيتخذ موقف المعترِض على أداء الخدمة العسكرية الإلزامية بدافع الضمير؛ قد يرسلونه إلى السجن إذا أرادوا، أو حتى يوقفونه أمام جدار ويطلقون عليه الرصاص، لكنهم لن يجبروه أبدًا على ارتداء الزي العسكري.

كان من المستحيل أن يعارض دونالد جوردون رجلًا يتحدث بهذه الطريقة؛ رجلًا ينظر في عينَيه مباشرة ويعبِّر عن قناعاته ببساطة وصدق. وفي ذلك المساء، ذهب بيتر لحضور اجتماع محليات المدينة الأمريكية للحزب الاشتراكي وجدَّد معرفته بجميع الرفاق. لم يُلقِ خطبة أو يفعل أي شيءٍ بارز، ولكنه ببساطة أصبح داخل مطبخ الأحداث، وفي اليوم التالي، تمكَّن من مقابلة بعض الأعضاء، وكلما وأينما سُئل، كان يعبِّر عن قناعاته بصفته معترضًا على أداء الخدمة العسكرية الإلزامية بدافع الضمير. لذا، وقبل أن يمُر أسبوعٌ واحد، وجد بيتر أنه يتلقى قبولًا، وأنْ لا أحد سينعتُه بأنه خائن أو يطرده من المكان.

في الاجتماع الأسبوعي التالي لمحليات المدينة الأمريكية، تجرأ بيتر على قول بضع كلمات. كان اجتماعًا محمومًا، وكانت الحرب والتجنيد الإجباري هما الموضوعَين الوحيدَين المطروحَين للنقاش. كان هناك بعض الألمان في الاجتماع، وبعض الأيرلنديين، وهنديٌّ واحد أو اثنان، وكانوا جميعهم، بطبيعة الحال، معترضين سلميين متحمسين. كما كان هناك محرضون مما سيُطلق عليه اسم «التيار اليساري»؛ الجماعة داخل الحزب التي اعتبرته محافظًا بإفراط، وكانت تطالب دائمًا ببياناتٍ أكثر راديكالية تدعو إلى «العمل الجماهيري» والإضرابات العامة ومناشدة البروليتاريا للنهوض دون إبطاء وكسر قيودهم. كانت تقع في تلك الأيام أحداثٌ جُلَّى؛ فقد أثَّرت الثورة الروسية تأثيرًا كبيرًا في العالم، وشعر هؤلاء الرفاق من «التيار اليساري» أنهم يطيرون بأجنحة الأمل.

تحدث بيتر كشخص من الشارع يلتقي بالجمهور، ويمكنه التحدث نيابة عنهم. ما الفائدة من معارضة التجنيد الإجباري هنا في قاعة، في مكانٍ لا يُوجَد فيه أحدٌ سوى أعضاء الحزب؟ كان المطلوب هو أن يرفعوا أصواتهم في الشوارع لإيقاظ الناس قبل فوات الأوان! هل هناك شخصٌ في هذا التجمع يمتلك الجرأة الكافية لتنظيم اجتماع في الشارع؟

لم يستطع بعض الحضور تجاهُل هذا التحدي، وفي غضون دقائقَ قليلة، كان بيتر قد حصل على تعهُّدات من نصف دُزِّينة من الشباب المتهورين، ومن بينهم دونالد جوردون، بتنظيم هذا الاجتماع. وقبل أن يمُر المساء وُضعت الخطة بحيث يستأجر هؤلاء الشهداء المحتملون شاحنة ولا يظهرون في الشارع الرئيسي إلا في الليلة التالية. وحذَّرهم قدامى الحركة من أن الشرطة ستحطم رءوسهم. ولكن ردهم على ذلك كان واضحًا؛ أنهم يفضِّلون أن تحطِّم الشرطة رءوسهم بدلًا من أن تفجِّرها المدفعية الألمانية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤