القسم الثالث والثلاثون
كانت إحدى قصائد دوجان تتحدث عن رجلٍ فقير يُدعى اسْلِيم، كان «آكلًا للثلج»؛ أي إنه كان ضحية للكوكايين. كان اسْلِيم هذا يتجول في شوارع نيويورك في فصل الشتاء بلا مأوًى وكان يدخل مبنًى مكتبيًّا في وقتٍ متأخر من الظهيرة ويختبئ في أحد المراحيض ليقضيَ ليلته بها. إذا رقد على الأرض، فسيصبح ظاهرًا للعيان ويُطرد؛ لذا كانت فرصته الوحيدة في قضاء ليلته في الحمام هي الجلوس، ولكن عندما كان يغفو، كان يسقط من على مقعد الحمام؛ لذا كان يحمل في جيبه حبلًا، وكان يربط نفسه في وضع الجلوس.
ما الفائدة من قصة كهذه؟ لم يكن بيتر يرغب في سماع حكايات عن أناس على هذه الشاكلة! كان يريد أن يعبِّر عن استيائه، لكنه كان يعلم بالطبع أنه يجب أن يُخفيَه. فكان يضحك وهو يصيح قائلًا: «يا إلهي، دوجان، ألا يمكنك أن تُلقيَ علينا قصيدةً مبهجة؟ ألا تظن أنه من واجب الاشتراكيين أن يعثروا على علاجٍ لإدمان المخدرات؟ لا شك في أن هذه المشكلة ليست نتاج نظام الربح الرأسمالي.»
ارتسمت على وجه دوجان ابتسامته الأكثر مرارة. وقال: «إذا كان هناك أي بؤس في العالم اليوم لم يعمل نظام الربح الرأسمالي على استمراره، فكم أرغب في رؤيته! هل تظن أن المخدرات تبيع نفسها؟ إذا لم تكن تُدر ربحًا، فهل كانت ستُباع لأي أحد غير الأطباء؟ أين تعلَّمْت اشتراكيتك، على أي حال؟»
فتراجع بيتر سريعًا، وقال: «آه، بالتأكيد، أعرف كل ذلك. ولكن ها أنت ذا مسجون لأنك تريد تغيير الأمور. أليس لديك الحق في أن تمنح نفسك بعض الراحة وأنت هنا؟»
نظر الشاعر إليه، وبدت في عينَيه نظرةٌ جادة جعلته أشبه ببومة. وقال وهو يهز رأسه: «لا، هل تعني راحتنا في السجن أن لدينا الحق في نسيان شقاء مَن هم في الخارج؟»
ضحك الآخرون، ولكن دوجان لم يكن يعني أن يكون مضحكًا على الإطلاق. فنهض واقفًا في تثاقل ومدَّ ذراعَيه أمامه كما لو كان يقدم نفسه أضحيةً، وهتف قائلًا:
«ما دامت هناك طبقة دنيا، فأنا منها.
ما دامت هناك جريمة، فأنا منها.
ما دامت هناك روح في السجن، فأنا لستُ حرًّا.»
ثم جلس ودفَن وجهَه في يدَيه. وجلس أولئك الرجال الأشداء في صمتٍ مطبِق. وبعد قليل تحدَّث جوس، البحَّار السويدي، بخجل، مستشعرًا أن العتاب الذي تلقَّاه بيتر كان قاسيًا للغاية، وقال: «لقد سُجن الرفيق جادج مرتَين بالفعل.»
رفع الشاعر بصره مرةً أخرى، ومدَّ يده إلى بيتر، وقال، وهو يصافح بيتر مصافحة الرفاق: «أعرف ذلك بالتأكيد!» ثم أضاف: «سأروي لك قصةً تدعو للابتسام!»
في الماضي، يبدو أن دوجان كان يعمل في أحد استوديوهات السينما، وكانوا يحتاجون إلى مشرَّدين ومنبوذين وبشر من جميع الأنواع ليعملوا في مجاميع. كانوا يصورون مشهدًا «تحضيريًّا»، وكانوا يريدون تصوير محرضين ومثيري شغب يحاصرون قصرَ مصرفيٍّ. فجمعوا مائتَين من الفقراء والمشرَّدين وأخذوهم بالشاحنات إلى قصرِ مصرفي حقيقي، وعلى مرجِ حديقة القصر الأمامية، ألقى المخرج خطابًا على الحشد شارحًا فيه أفكاره، فقال: «والآن، تذكَّروا، الرجل الذي يملك هذا المنزل هو الرجل الذي يمتلك كل ما أنتجتُم من ثروة. لقد وصلتم إلى الحضيض، وتعرفون أنه مَن سرقكم؛ لذا، أنتم تكرهونه. وها أنتم أولاء قد اجتمعتم في حديقة قصره، وتوشكون على الإغارة على منزله، وإذا استطعتم الإمساك به، فستمزقونه إرْبًا إرْبًا بسبب ما فعله بكم.» وهكذا، استمر المخرج في خطبته، حتى قاطعه دوجان أخيرًا: «أيها الرئيس، لست بحاجة إلى تعليمنا أي شيء. هذا قصرٌ حقيقي، ونحن متشردون حقيقيون!»
يبدو أن الآخرين رأوا «الابتسامة» في هذه القصة، فضحكوا عليها قليلًا. ولكن لم يؤدِّ ذلك إلا إلى زيادة الكراهية في قلب بيتر تجاه أولئك الحُمْر؛ فقد جعله يدرك أكثر من أي وقتٍ مضى أنهم مجموعة من «النفوس المعقَّدة»، لوَّنَهم الحقد باللونَين الأخضر والأصفر. كانوا يكرهون جميع الناجحين في العالم؛ لمجرد أنهم نجحوا! ربما لن ينجحوا أبدًا، ويمكنهم مواصلة التذمر إلى الأبد، ولكن يقدِّر العمال في أمريكا الرجل الكبير بطبيعتهم، ذلك الرجل الذي يمكنه تحقيق ما يريد. إنهم لا يريدون تدمير قصره، بل كانوا يُعجبون به لأنه يمتلكه، وكانوا سيتبعون قيادته بسعادة.
بدا وكأن هندرسون الحطَّاب قد قرأ أفكار بيتر، فقال: «يا إلهي! ما أصعبَ مهمةَ توعية طبقة العمال!» كان يجلس على حافة سريره، وقد انحنت كتفاه العريضتان وانعقد حاجباه الكثَّان ممعنًا التفكير في معضلة كيفية زيادة الاستياء في العالم. تحدث عن مخيم كان عمِل فيه؛ كان العمل صعبًا وخطيرًا لدرجة أن سبعة رجال أسلموا أرواحَهم خلال فصل شتاء واحد. كان الرجل الذي يمتلك هذه المنطقة، ويستثمر فيها، قد حصل على الأرض بأكثر أنواع سرقة المال العام فظاعة؛ كانت عنابر النوم قذرة، ومليئة بالحشرات، وكان الطعام فاسدًا، وكانت الأجور ضعيفة والسباب لا يتوقف. ولكن، في فصل الربيع جاء ابن المالك الشاب في رحلة شهر عسل مع عروسه. قال هندرسون: «يا إلهي، لو رأيت تلك الأجساد المتيبسة تخرج وتهتف حتى تنجرح حلوقها! كانوا يفعلون ذلك بصدق، كانوا يحبون بالفعل هذَين الطفلَين العاطلَين التافهَين!»
استلم جوس البحَّار دفَّة الحديث، ذو الوجه العريض البشوش، والابتسامة المرتسمة عليه التي كشفت عن فراغ خلَّفته أسنانه الأمامية الثلاث التي حطَّمها وتد تثبيت حبال الشراع، قائلًا إن الوضع نفسه ينطبق على البحَّارة. لم يكن البحَّارة يعرفون أصحاب السفن، ولم يعرفوا حتى أسماء الأشخاص الذين كانوا يتربَّحون من مجهودهم، ولكنهم كانوا مخلصين بجنون لسفنهم، كانت بعض الناقلات القديمة تُرسَل إلى عرض البحر بقصد إغراقها حتى يحصل أصحابها على مبلغ التأمين. ولكن كان البحَّارة المساكين يحبون تلك السفن القديمة حتى إنهم كانوا على استعداد للغرق معها؛ أو ربما يتمكنون من إنقاذها؛ الأمر الذي كان من شأنه أن يثير استياءً كبيرًا في نفس مالكها!
وهكذا، كان على بيتر أن يجلس ساعاتٍ طِوال يستمع إلى تلك القصص المتكررة عن مظالم الفقراء وجرائم الأغنياء. فقد حُكِمَ عليه بالاستماع مدة خمسة عشر يومًا وليلة إلى مجادلات الاشتراكيين! كان لكل واحد من هؤلاء الرفاق تصورٌ مختلف عن كيفية إدارة العالم، وكان لكل واحدٍ منهم تصورٌ مختلف عن كيفية إحداث التغيير. لطالما كانت الحياة صراعًا لا ينتهي بين الأثرياء والفقراء، وكانت المسألة المتعلقة بكيفية تحويل الفقراء إلى أثرياء تُسمَّى «استراتيجيات». وعندما تتحدث عن «الاستراتيجيات»، عليك أن تستخدم مصطلحاتٍ فنيةً طويلة تجعل حديثك غير مفهوم للإنسان العادي البسيط. بدا لبيتر أنه كلما نام كان ينام على ألحان البروليتاريا والقيمة الزائدة والزيادة غير المستحقة، والاحتمالية والاستحالة، والعمل السياسي، والعمل المباشر، والعمل الجماعي، والحلقة المفرغة من المذاهب النقابية الفوضوية، والفوضوية الشيوعية، والاشتراكية الشيوعية، والنقابية الاشتراكية.